إليك يامْحمّد أبو خضير المقدسي، بمناسبة الذكرى الأولى من استشهادك، وأنت و ملايين من النفوس الحيّة المرابطة، بل وأكثر بكثير … °°°°°°° نعلن في حضرتك الطاهرة وحضورك الأكيد، بصدقٍ خالص وفي خشوعٍ وجلال عميقيْن، بلغة قاموسُها الواثق القويّ أخضر، وروحُ تراكيبها المتراصة المتماسكة أخضر، وصورُها المتشعّبة المتوالِدة خضراء … نعلن أمام كلّ المتآمرين عليك والغادرين بك، من أبناء الشرق والغرب الظالمين المستعبدين للحرية والحياة، أننا " نحبّك " ! نعم نقولها، وحلاوتها الطرية الفتية، الرطبة العذبة تقطر انشراحا واطمئنانا في قلوبنا، إننا " نحبّك " يامْحمّد ! حبُّنا لك حبٌّ أخضر ثابت ومتجدّد ! ومتعدّدٌ ولا متناهٍ هو هذا الحبّ الربيعي! نحبّك وسنظل هكذا نحبّك: نحبّك كما أحببناك دائما لأنك ابنُنا الحيّ المبتهج، لأنك واحةُ صحراءنا الآملة، لأنك ماء أرضنا الواعدة، لأنك جذور شجرتنا المتفرّعة الصاعدة في صدر السماء، المعانقةِ الطيورَ والغمامَ ومجرّات الكواكب، لأنك روضتُنا الصغيرة الشريفة، فردوسٌ قدسي عالي الغرفات، فسيحٌ وبهيٌّ فريد ! وكم نشتاق يامْحمّد، في أيام العرب العجاف الطويلة هذه، وزمان أكابر قريتنا البيض المجتمعين في حفلة رقص مقنّع، إلى خيطٍ من خيوط فجرك الجديد ، هذا الفرج المنفجر المؤدي إلى طريق النهار ! °°°°°°° نعم، ياحنّه، من لا يُفكّر مُرَوْبِص ! وكُثرٌ هم المروبصون في زماننا ! كيف لِمن يسكنه الليلُ ، يمشي نائمًا ويتكلمُ ، أن يعقلَ هذيانَه ؟ كابوسٌ من أزمنةٍ مُرعِبة وعوالم فانية ! ولعمري إنهم لا يحلمون للشمس ظهورَهم يُديرون لأشباح مملكة الموت يحجّون مُرَوْبِصون بالنار يلعبون ما تركوا حصاداً ولا زيتون ثماراً وأشجاراً يَحرقون بها يحترقون … قلوبُهم نارٌ وحطب ، لهيبٌ وهشيم جوعى شرهون لا يشبعون يأكلون أنفسَهم ولا يشعرون ! سألتُ الأرض، يامْحمّد، عن قومٍ مُنتهى تسلّقِهم المرتفعات قابعٌ في تحقيق رغبات البغض والتملك والسيادة باحتراف السطو والسرقة وكلّ فنون القتل والسجن، واستعمال كلّ قديمٍ وجديد من أساليب القوّة والقمع والعنف، فأجابت دون تردّد : إنهم خائفون من الحياة ! ثم أضافت في شيء من الأسى والحسرة : ويكبّلون أياد الحرية بأثقالٍ وسلاسلَ يكمن فيها استخفافُهم بكرامة الإنسان واحتقارهم لحقوقه. قلت طالبا مزيدا من الإيضاح : يعني ولا ثقة بالحياة والإنسانية ؟ ردّت عليّ بصوت سمعتُ فيه مطرقةَ القاضي تتكلم بحزم شبه نهائي : ولا ثقة حتى بالنفس والذات ! سألتُ الأرض، يامْحمّد، عن قومٍ حظُّهم من الحياة العيشُ في الدوائر والحلقات وراء الأسلاك والأسوار، قومٍ يقضون وقتهم في بناء الحواجز والوقوف عند نقط التفتيش ! فاستغرَبَتْ هذا السلوك وهذا الخيار، ونطقت بالحقيقة في أحرفها الكبيرة : إنهم يحرمون أنفسَهم من شمّ الهواء الطلق واستنشاق لبّ الحياة. الدائرة كما الحلقة، والأسيجة كما الجدارات والحواجز سجون وزنزانات، فقاعات وأقفاص أي فضاءاتٌ مغلقة دون أبواب ومخارج واكتشافات وفتوحات ، وفضاءاتٌ محدودة دون آفاق وأبعاد وأحلام ، وفضاءاتٌ ضيّقة لا إمكانية فيها للتنفّس الضروري للحياة والتفكير الحرّ والتطور الطبيعي للأشياء ! أراد الليل أن يرديك فحماً ورمادا كان يخشاك حيّا يامْحمّد فغدا بعد الجريمة يرتعد ارتعادا خوفا من اسمك يامْحمّد … °°°°°°° المستعمِرُون المطارِدون بلعنة السماء وشراراتِ الحريق مسكونون غيرُ قادرين أن ينسوا شظاياك ! سيّاطُ الذاكرة ! رمادٌ ساخن يغلي منه الدماغ ! يتذكرّون الإساءةَ بياتا ونهارا ! ترميهم شراراتٍ وجمارا تُطاردهم تُجنّنهم ! لا تؤاخذنا ، يامْحَمّد ، إن أشفقنا عليهم !إنهم حوّلوا أحلامَهم وحرياتِهم ومحاكمَهم إلى استيطان وهاجس أمن منسّق ومستشفى مجانين ! والأرضُ بعد أن كان ثغرُها ضاحكا تتدفق فيه المياهُ راقصة متجدّدة وتلعب الريح مع النوارس على محيّاها مُسِختْ حرقاً ودماً، صراخاً وعويلا جحيمًا ، جحيما ! صخرةُ فلسطين من الأرض إلى الجحيم الصخرةُ مُرَوْبِصون …