كتب: يوسف بلحسن. السياسة فن الممكن والمستحيل …وفقط بالرجوع الى الوراء قليلا نستطلع بعض معالمها الغامضة : من منا كان ينتظر أن يعين الأستاذ اليوسفي زعيم المعارضين للنظام على رأس أول حكومة أنيطت بها بالفعل مهمة الانتقال الديموقراطي؟ لا يهمنا الان محاسبة تلك التجربة فنحن وكمتتبعين ننتظر اليوم الذي يكشف فيه الأستاد اليوسفي" بكل صدق" وتجرد عن كواليس التجربة أقصد الكواليس الحقيقة ،الأسباب الموضوعية والحقيقة وراء إفشال تلك التجربة، هذا ليس طلب ، إنه واجب في عنق المناضل الكبير الأستاذ اليوسفي. ولكن أتساءل اليوم هل علينا كذلك أن ننتظر إلى يوم البعث لنعرف ما الذي دار في كواليس حكومة العدالة والتنمية أو بالأصح في العقل الباطن للاستاذ بنكيران؟ وكيف أدار لوحده ملف التحالفات بالشكل الذي أخرج فيه هذه النسخة الثانية لتجربة فشلت مند بدايتها؟وأفرزت استغناء بنكيران عن أكفئ رجل لديه وربما في حزبه كاملا… لنكن موضوعيين، بنكيران لم يكن ولن يقبل بوجود شخص من كفاءة العثماني بجواره أو بالأصح بمحاداة الوازراة الأولى…هل هذا سر ؟ لا أبدا ، الكواليس تحدثت ومباشرة بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالرتبة الأولى في آخر انتخابات تشريعية عن اتصالا وايحاءات مررت للعثماني من طرف أهل القرار بأن يستعد لرئاسة الحكومة الأمر كان عاديا ومقبولا حتى من أكبر المعارضين للحزب الاسلامي ببساطة لأن العثماني يتوفر على مواصفات رجل الدولة الكبير وطريقته في التعامل مع المخالفين ومع الأقرباء تفرض احتراما له ولكن بنكيران لم يكن ليقبل بأقل من رئاسة الحكومة أو اشعال الفتيل. أوليس هو القائل لصحفية في التلفزة: مالك احكرتيني؟أوليس هو القائل:ردوا بالكم الربيع العربي لم ينته بعد(وهو في المسؤولية انداك)؟. أعرف رجالات الحزب الإسلامي المغربي وجالست بعضهم: أعرف بوخبزة ،وبوليف وعمارة والداودي وادعمار وبنخلدون والعثماني وبنكيران وغيرهم ….وبكل صدق وبعيدا عن المزايدات هم ليسوا مجرد حاملي "مشروع اسلامي فضفاض "بل فيهم أطر كفأة ومقتدرة ,وأصحاب مشاريع تنموية ضخمة (وأكيد ،فيهم أصحاب مصالح ذاتية كباقي البشر…)وبكل صدق الدكتور العثماني أفضلهم بدون مقارنة إنه رجل دولة من طراز الأول بل أكاد أجزم أن أية حكومة ولو من معارضي الحزب الاسلامي لن تجد أي حرج في استوزار الرجل بعيدا عن الانتماءات، الرجل "مثقف سياسيا" وبفارق كبير عن الأستاذ بنكيران،ولكن بنكيران داهية سياسي وهذا باعتراف اكبر معارضيه ،لقد لعب على حبل الشعبوية بشكل جيد في اللحظة المناسبة،واليوم يترك ذاك الحبل للبهلوان السياسي الآخر من الحزب العتيق ..العثماني الذي جالسته بالرباط وبمرتيل، لم يكن يوما يحبد مفهوم "اللعبة السياسية" ولا حتى مصطلحها كان يعرف أن المسؤولية لا تتطلب تلاعبا بالمفردات ولا بالمشاعر وكان يعرف أن التدبير يعني التنازل والتعايش مع الواقع أذكر أننا عندما جالسناه للإعداد لأول رحلة للحزب الاسلامي إلى اسبانيا يوم كان أمينا عاما للحزب وكان الحزب في وضعية صعبة بعد الأحداث الإرهابية (الرحلة امتدت لاسبوع وضمت أسماء وازنة: الداودي سمية بنخلدون العثماني وغيرهم.. ) أذكر أنه قال لنا: أريد أن تصاحبنا في الرحلة سيدة غير محجبة .لم يقل ذلك مجرد ترف فكري ولكنه كان يبصم معالم تصوره للحزب الاسلامي كما يراه …وفي اسبانيا إلتقى كل تياراتها السياسية يمينها المتغجرف ويسارها المتشابك وجالس رجالات اعمالها ووقف في وسط ساحة "ريتيرو" مع ضحايا الأحداث الارهابية باسبانيا وامريكا ثم حاضر في المركز الإسلامي وعندما عاد إلى المغرب كتبت الصحافة الاسبانية عنه الكثير من المدح…واذكر مرة انني قلت له يا ذكتور نحن في الشمال نحبد أن نوثق علاقاتنا بشكل أكبر مع اسبانيا فقال لي هناك في الجنوب يرتبطون اكثر بفرنسا.كان ببساطة واقعيا … للأسف،لو أن الغيرة تركت بنكيران يترك العثماني في منصبه ليكمل مشروعه لرأينا تغيرا جدريا في سياسة الخارجية المغربية ،ولكن بنكيران يفضل أن تظل الحكومة ووزارة خارجيتها مجرد ظل فقير لأصحاب القرار الحقيقي (حكومة الظل) فسلمها وهو سعيد لمن كان يعتبره شكل فساد سياسي مغربي، مند شهور قليلة فقط…بئسة السياسة هاته.