منذ اعتلاءه عرش المملكة المغربية سنة 1999، خص جلالة الملك محمد السادس الدول الإفريقية باهتمام كبير، جسدته الزيارات المتكررة لبعض دول جنوب الصحراء. وتشكل هذه الجولة الإفريقية دليلا على مضي المغرب نحو تكريس سياسة التعاون جنوب-جنوب التي تعد احد الحلول الأنجع لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه القارة الإفريقية سواء على المستوى الاقتصادي آو الاجتماعي آو حتى السياسي. فلطالما ساهم المغرب وبشكل كبير في خروج العديد من الدول الإفريقية من أزماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية خصوصا تلك المتعلقة بمحاربة التصحر والجفاف أو التصدي للأوبئة او من خلال تقديم المساعدات الغذائية والطبية لمواجهة المشاكل الناجمة عن الكوارث الطبيعية او الصراعات الداخلية. وتعد هذه الجولة مناسبة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول جنوب الصحراء التي تجمعها مع المغرب اتفاقيات ومعاهدات عدة خصوصا مع دولة السنغال الشريك التاريخي. فالمغرب مقتنع منذ مدة ليست بالقصيرة بان تنمية بلاده مرتبطة بتنمية شركاءه الأفارقة الذين يتقاسم معهم الجغرافيا والدين والثقافة الأفريقية التي تشكل جذور المغرب الثقافي. كما ينتظر من هذه الزيارة أن تعمل على تقوية العلاقات الروحية مع دول غرب إفريقيا من خلال تعزيز دور الزوايا الصوفية وخاصة الزاوية التيجانية التي تضرب بجذورها في الأعماق الإفريقية والتي تعرف إقبالا كبيرا لدى المتصوفة في هذه الدول نظرا لمساهمتها في نشر القيم الإنسانية و السلام والمحبة و قيم الإسلام السمحة و الممثلة في العقيدة الأشعرية و المذهب المالكي. و تأتي هذه الجولة الإفريقية في خضم التحولات الخطيرة التي تشهدها منطقة الساحل و جنوب الصحراء منذ أكثر من سنة، وتحديدا في مالي التي سيطر عليها المتشددون الإسلاميون، لتأكد على الدور المحوري الذي يلعبه المغرب في تنسيق جهود مكافحة الإرهاب والتطرف. فقد دأب المغرب على التذكير بالتهديدات الحقيقية التي تواجه هذه المنطقة من قبل الإسلاميين الراديكاليين، وذلك من خلال نظرته ومقاربته للإحداث التي تدور فيها ومبادراته وتحركاته الأخيرة في مجلس الأمن الدولي الرامية لتوحيد الرؤى والجهود لمكافحة الإرهاب والانفلات الأمني والجريمة المنظمة. هذه المبادرات لقيت استحسان وترحيب المجتمع الدولي الذي أصبح مقتنعا بالدور الذي يمكن ان يلعبه المغرب في هذا الاتجاه . وتكون بذلك الدبلوماسية المغربية قد حققت طفرة نوعية من خلال جعلها القارة السمراء أولوية لها وحضورها القوي في المنابر الإقليمية و الأممية والدولية لمساعدة الدول إفريقية على التغلب على الأخطار التي تهدد وحدتها الوطنية و استقرارها رغما عن انف الجزائر التي لطالما حاولت سحب البساط من تحت قدمي المغرب باعتباره فاعلا إقليميا ودوليا نشيطا.