في خضم زحمة الحياة، و صخب العيش، و دوامة القلق، اقتطعت لنفسي لحظات أمضيها معي أنا: أنا و أنا لوحدنا دون أن يعكر صفو جلستنا أو يقاطعها فضولي متطفل . طلبت من نفسي أن تفضفض، أن تحكي لي عن همومها، عن مشاغلها، عن أحزانها و أفراحها. أدهشني كثيرا ما بدأت تحكيه، أحسست بعمق الهوة التي فصلتني عنها طوال هذه المدة حتى ما عدت ألم بأحوالها. تفاجأت مما صارت عليه "أنا" بعد أعوام من انشغالي عنها، فلم تعد تلك الأنا التي عهدتها. أحداث كثيرة مرت، أناس كثيرون تركوا بصماتهم محفورة فيها. صقلت خامتها الحياة و أكسبها الزمن حكمة فما عادت تفكر بالطريقة التي عرفتها بها. أصبح التروي منهجها بدل الاندفاع، و التفاهم بدل الاتهام، و التسامح بدل الانتقام. هذا لأن "أنا" تعلمت أن لا شيء مثاليا في هذا العالم، أنه من اليأس ينبع الأمل، من الظلام يشع النور و من الحزن يأتي الفرح. بعد جلستي هذه مع الأنا أيقنت أنه ما من مدرسة أعظم من مدرسة الحياة. وحده الزمن مع ما يواكبه من أحداث بتفاصيلها، بشخصياتها و آثارها يصقل معادننا، يغير قناعاتنا، أحلامنا و أفكارنا، فنصبح ما نحن عليه.