وأنا أتمحص بعض الصفحات على الشبكة الاجتماعية فايسبوك وقعت عيني على صورة لخمسة شبان في مقتبل العمر يسبحون بين الشاطئ وصخرة كبيرة تبعد عشرات الأمتار فقط عن الشاطئ. كان الشبان الخمسة يجاهدون الموج في سبيل الوصول إلى تلك الجزيرة الصغيرة. تبين من خلال تعليق الصورة أن الشبان الخمسة هم أعضاء فيما يسمى باللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية والثغور المحتلة وأنهم كانوا يحاولون "اقتحام" جزيرة ليلى غير المأهولة ليؤكدوا للإسبان بأن الجزيرة مغربية بالرغم من خضوعها للاحتلال منذ عشرات السنين. مباشرة بعد ذلك توالت الأنباء عن محاولات جديدة ل"اقتحام" هذه الجزيرة الصغيرة التي تبعد بضعة أمتار فقط عن الشواطئ المغربية والتي كانت ستشهد اندلاع حرب بين المغرب وإسبانيا صيف عام 2002 لولا تدخل فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية لتهدئة التوتر بين البلدين. هذه المرة لم يتمكن "المحررون الجدد" من الوصول إلى الصخرة لأن قوات الأمن المغربية منعت كل محاولات الاقتحام هذه، لكن أعضاء ما يسمى باللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية والثغور المحتلة أصروا على إسماع صوتهم من خلال محاولة اقتحام المعبر الحدودي بين سبتة وباقي التراب المغربي مطالبين القوات الإسبانية بالجلاء عن ثغري سبتة ومليلية وتسلميهما مع باقي الجزر والصخور إلى المغرب. اختيار هذا التوقيت بالذات لإطلاق مثل الحركات الاحتجاجية ضد التواجد الإسباني بالمدينتين لم يكن اعتباطيا إذ تأتي أياما فقط قبل انعقاد أول اجتماع للجنة العليا المشتركة بين المغرب وإسبانيا على عهد حكومتي ماريانو راخوي وعبد الإله بنكيران في الثالث من أكتوبر القادم، هذا إن لم يتم تأجيل القمة المرتقبة بطلب من المغرب كما حدث في مناسبات عديدة. كما أن ذات اللجنة أعلنت عن تنظيم "مسيرة وطنية لشبه جزيرة باديس" يوم 3 أكتوبر أي بالتزامن مع اجتماع اللجنة العليا. هذه الحركات و"الاقتحامات" والمسيرات تدفعنا للتساؤل عن جدية الحكومة المغربية في مقاربة ملف من هذه الحجم وهذه الخطورة. فالإسبان يعلمون علم اليقين أن رئيس ما يسمى باللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية والثغور المحتلة، البرلماني يحي يحي، له ارتباطات وطيدة بأشخاص نافذين في الدولة، مما يجعل كل خرجاته وتحركاته وتصريحاته محسوبة على "المخزن"، شاء هذا الأخير أم كره. وكلما طفت على السطح أخبار عن مثل هذه التحركات، التي تنم عن صبيانية وعدم نضج في معالجة ملف حساس بالنسبة للشعبين المغربي والإسباني، ترجع بنا الذاكرة إلى تاريخ 23 يناير من سنة 1987 حين طرح الملك الراحل الحسن الثاني بكل عبقرية وحزم وصراحة على ملك إسبانيا فكرة إنشاء خلية للتفكير في مستقبل المدينتين المحتلتين وكذا باقي الجزر المتوسطية المتنازع عليها، مبادرة ربما قد تؤتي أكلها إذا ما تمت إعادة طرحها بجدية ومسؤولية من قبل حكام المغرب الجدد. لا ريب أن الحكومة المغربية تعلم يقينا أن الجارة إسبانيا هي الآن في وضع لا تحسد عليه تتخبط ما بين الأزمة الاقتصادية التي تهدد بانفجار الوضع الاجتماعي في أية لحظة والأزمة السياسية الناتجة عن إصرار الكتلان على الاستقلال عن التاج الإسباني وتأسيس جمهورية خاصة بهم، وأي استفزاز قد يكون في صالح الحكومة الإسبانية وأي أزمة خارجية قد تشكل بالنسبة إليها مخرجا لصرف أنظار الرأي العام الإسباني عن باقي المشاكل الداخلية. إسبانيا الآن هي مثل الثور الجريح الذي من الأفضل الإبتعاد عنه، اللهم إن كنا نتقن مصارعة الثيران...