سيارة واسعة خضراء أو رمادية، لا أدري، تركن أمام مقهى ومطعم أمواج بشط المضيق. قالت إيمان بابتسام بعد أن أغلقت باب السيارة الأمامي وراحت تطمئن على الأبواب الثلاثة الأخرى للتثبت من أنها مغلقة بإحكام: - لابد من الاطمئنان على السيارة لأن لصوص السيارات كثروا هذي الأيام. .فأجابها حكيم قائلا: - هذا صحيح، لقد قرأت بالأمس في جريدة وطنية أن سيارة رئيس الجماعة سرقت، ولم يعثروا لحد الساعة عن اللصوص. حركت إيمان رأسها باستغراب، لم تنبس ببنت شفة، ثم صعدت درج " أمواج"، تبعها حكيم وهو ينظر باهتياج إلى مؤخرتها التي تشبه مقود السيارة المكور. أحست إيمان بأن حكيم يريد أن يلتهمها كفطيرة، وبلامقدمات. مرا الاثنان من قبالة المطعم، كانت روائح السمك الشهية تثقب أنفهما، وأحست إيمان بشيء داخلي يدعوها إلى ممارسة حقها الطبيعي، وتخيلت نفسها تزيح عنها كل ملابسها وترتمي كما ولدتها أمها في حضن حكيم وتعيش أحلى لحظات تولهها لاعبة بكل أعضاء جسمه. بعد برهة استفاقت من حلمها اللذيذ. كانت روائح السمك شهية تبعث على اللذة. ولم تقو إيمان على الاستمرار في الوقوف مديدا، تنظر من فوق إلى زجاج المطعم، ورواده الذين يلتهمون السمك بشراهة كما يلتهمون زوجاتهن أو عشيقاتهن بسرعة البرق. استكملت صعود الدرج، كان حكيم وراءها يرنو ببصره إلى مؤخرتها التي تزداد كبرا والتي تحركها بشهية كلما صعدت الدرج. في سطح " أمواج"، ها الكراسي البحر الهادئ، والعصافير التي تثب على الشاطئ، جلسنا. قلت لها: - إيمان - لماذا تنطق إسمي ببرودة - لا. لم أنطقه ببرودة. - دعنا من هذا. تأمل ذاك الشخص الجالس يتأمل البحر في إذعان. - لا أعرفه. ولا يهمني شأنه. - ألا يذكرك بلوحة الشيخ الذي رسمه ابن يسف وسرقت من المعهد. - لا أعتقد. - ألا يذكرك بأولئك المهاجرين السريين الذين يرغبون في معانقة الضفة الأخرى ويكون مصيرهم في قيعان البحر أو في بطون الأسماك الكبيرة. - ماذا تقول أيها الأبله؟ - أنا لست أبله. أنت دائما تحبين تحطيمي وإذلالي بهذا الشكل. - وقح. - قحبة.. - ماذا تقول ياابن الكلب.. - أنا ابن الكلب يا... ولم يكد ينطق بالكلمة حتى وقف على رأسه النادل، حدجهما بنظرة جلفة، وقال: - إما أن تتوقفا عن الشجار والسباب أو تغادرا........ طلبت إيمان قهوة سوداء بدون سكر، فيما طلب حكيم نسكافي. بتأدب، قال حكيم: - انظري، ياعزيزتي، إلى البحر كم هو هادئ.. - إنه مثلنا الآن. - وماذا عن تلك الزوارق الشراعية؟. - لا أرى أية زوارق.. - ربما هي مراكب.. - ماذا تحمل.. - مخدرات.. - ربما، مهاجرين سريين - لا قد تكون مراكب صيادين بسطاء - أو مراكب لمرفهين يخرمون البحر للوصول إلى ميناء مارينا أسمير - قلت أشقاء عرب - لا. أثرياء - ومن أين جاءوا بكل هذي النقود، وهذا الرفاه. - من البحر - وهل البحر يعطي النقود. - يأخذ ويعطي - ولماذا لم يعطينا..؟ نريد فقط هدوءه. - ذلك هو السر - أي سر....؟ ضحكت إيمان حتى برز ضرسها الذهبي الذي كانت تخبأه منذ زمن، إذ غالبا ما كانت تضحك نصف ضحكة حتى لا يكشف الآخرون ضرسها الذهبي، وقالت لحكيم سأمتعك الليلة ولن تستطيع بعد اليوم النوم في حضن أي عاهرة أخرى، ودع البحر يدفع عنك الليلة. قال في نفسه: ابنة الليل هاته لن تدعني حتى تمص لحمي وعظمي، وما علي سوى أن أركب الريح. دفع حكيم تمن المشروبات، وعند هبوطهما الدرج التمس منها بأدب بالغ أن تسبقه إلى السيارة الواسعة الخضراء أو الرمادية. كانت مؤخرة إيمان تميل كمقود السيارة المكور ذات اليمن وذات الشمال، تمتع حكيم بالمنظر الجميل. وقفت إيمان أمام زجاج المطعم، كانت روائح السمك شهية، تخيلت نفسها تزيح عنها كل ملابسها وتمارس أشياء غريبة وعجيبة. استفاقت على صوت حكيم وهو يلتمس منها بأدب بالغ الذهاب إلى السيارة، واختفى، كان يدرك أنها كانت ستلتهمه مثل فطيرة. بقيت إيمان وحيدة تنتظر وتنتظر، وبعد يأس.. بحثت عن حقيبتها اليدوية، كانت قد اختفت هي الأخرى. لعنت ابن الكلب الذي سرق عرقها. وبحركة سريعة انطلقت السيارة الواسعة الخضراء أو الرمادية من غير وجهة... ليوسف خليل السباعي