شكل التخلص من العملة الامريكية الدولار في الاقتصاد الروسي محورا للنقاش في السنوات الاخيرة، لكن سنة 2018 كانت بالنسبة للحكومة الروسية، بطاقة مرور لتنفيذ هدف تحرير اقتصادها من الدولار ومن التهديدات بفرض عقوبات أمريكية محتملة. ولا تزال العملية، التي اتسمت في الأشهر القليلة الماضية بالمبادرات والخطوات لفك ارتباط الاقتصاد بالعملة الأمريكية، في مرحلة التخطيط حيث أن المشروع ينتظر موافقة رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف. وقد تم تقديم فكرة المشروع في شتنبر الماضي من قبل رئيس ثاني أكبر بنك روسي، "في تي بي"، أندريه كوستين، الذي قدم مقترحات للحكومة الروسية، بما في ذلك دفع معاملات التجارة الخارجية باليوان أواليورو أوالروبل، بدلا من الدولار. وتتعلق هذه التدابير أيضا بتحويل مشتريات السندات التي تقوم بها روسيا، عن طريق الانسحاب من السوق الأمريكية، والعودة إلى شراء سندات باليورو. وفي أوائل أكتوبر الماضي، قال نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الروسي أنطون سيلانوف، إن وزارته تعمل على تطوير خطة للتخلص من العملة الامريكية وسيتم تقديمها إلى الحكومة ،موضحا أن الخطة تتضمن على الخصوص فوائد ضريبية بالنسبة للمصدرين الذين يتعاملون بالروبل، وعلى تسديد المبالغ المستردة من ضريبة القيمة المضافة ، والتخلي التدريجي عن الإعادة الإلزامية لعائدات التصدير بالعملة الروسية. وانسجاما مع هذا الطرح وضعت وزارة المالية، ووزارة التنمية الاقتصادية والبنك المركزي، خطة، ستكون مشمولة بموافقة رئيس الوزراء الروسي، للإعلان عن القضاء على الخلافات بين كل الاطراف، خاصة مسألة الحد من القروض بالعملات الأجنبية للشركات. ولتجنب إثارة مخاوف السوق المالية الروسية، قام المسؤولون الروس بتوضيح تصريحاتهم خوفا من هروب رؤوس الأموال إلى الخارج أو تقلب سعر الصرف. وفي هذا الصدد، قال وزير المالية أن السلطات ستحدث نظاما تفضيليا لتشجيع الشركات الروسية للذهاب الى العملة الوطنية في المعاملات الخارجية، مشيرا إلى أن هذه التدابير لا تنطبق على المواطنين. المتحدث الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف اشار الى إن "عملية الاستقطاب معقدة للغاية ولا يمكن أن تكون فعالة على المدى القصير". ومن جانبه، قال رئيس بنك "في تي بي" اندريه كوستين إن "مثل هذه الخطة يمكن تطويرها ببساطة، وسيستغرق ذلك عشر سنوات أو عشرين سنة، لكن التوازن سيتغير تدريجيا." وأثيرت قضية فك الارتباط بالعملة الامريكية بسبب التهديد بفرض عقوبات تستعد الولاياتالمتحدة فرضها على ديون الحكومة الروسية وعلى الابناك التابعة للدولة. ويعتمد الاقتصاد الروسي بشكل كبير على سعر الصرف، وارتفاع معدل تذبذبه يجعله غير مستقر، كما ان تطورات سعر الصرف لها تأثير مباشر على مؤشرات الاقتصاد الكلي. وفي هذا السياق، قال الرئيس الروسي في المنتدى الاقتصادي الشرقي إن إلغاء الدولار ليس "مهمة سياسية بل مهمة اقتصادية" ،موضحا "إن شركائنا الأمريكيين يرتكبون خطأ استراتيجيا هائلا بتقويض الثقة في الدولار، وهو في الواقع العملة الاحتياطية العالمية الوحيدة. إنهم يطلقون النار على اقدامهم، إنه أمر غريب، بل ومفاجئ ". وبالموازاة مع ذلك، أدت زيارة فلاديمير بوتين إلى الهند في أوائل أكتوبر إلى توقيع عقد تسليم نظام الدفاع الجوي من طراز "اس 400 "بقيمة 5 مليار دولار . واتفق البلدان على تسديد هذه الصفقة بالعملات الوطنية، حيث وصل إجمالي التجارة الخارجية بين روسياوالهند بالعملة الوطنية إلى 20 بالمئة، كما فضلت روسيا فكرة الدفع بالعملة الوطنية في التجمعات الإقليمية والدولية، مثل مجموعة "بريكس" ، اذ وافقت الصينوروسيا على استخدام العملة الوطنية أو بالذهب في المعاملات الثنائية. وفي هذا الصدد، أشار نائب وزير المالية سيرغي ستورشاك الى ان مجموعة بلدان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي قامت بإجراء ما يقرب من 80 بالمئة من تعاملاتها بالعملة الوطنية. و"تهيمن العملة الروسية الروبل في العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية على دول مجموعة بلدان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وفي هذا الاتجاه أوضح المسؤول الروسي "لقد قررنا بالفعل فك الارتباط بالعملة الامريكية في الفضاء الأوراسي كعملة لتسوية المعاملات التجارية ". وعلى صعيد آخر، حقق البنك المركزي الروسي رقما قياسيا في الربع الثالث من عام 2018، حيث تجاوزت مشترياته 148 طنا، تم تمويلها من خلال بيع السندات الأمريكية وهو ما يؤكد عملية فك الارتباط الروسي بالدولار ورغبة السلطات في تعزيز العملة الوطنية.