وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس. نصره الله رسالة سامية إلى المشاركين في الدورة السابعة عشرة للجامعة الخريفية مولاي علي الشريف التي انطلقت أشغالها اليوم الجمعة بمدينة الريصاني حول موضوع " السلطان سيدي محمد بن يوسف .. من البيعة إلى النداء السلطاني ". وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها السيد عبد الحق المريني مؤرخ المملكة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي .
"الحمد لله وحده. والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة.
يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في افتتاح هذه الدورة المخصصة لعهد جدنا المقدس. جلالة المغفور له الملك محمد الخامس. طيب الله ثراه. ضمن دورات جامعة مولاي علي الشريف الخريفية. التي ما فتئنا نتتبع. بكامل الاهتمام. ندواتها المتوالية. منذ إنشائها من لدن والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني. خلد الله في الصالحات ذكره.
لقد دأبت هذه الجامعة. التي اتخذت من هذه المدينة العتيقة مقرا لها. باعتبارها مهد قيام دولتنا العلوية الشريفة. على عقد ملتقياتها العلمية حول تاريخ المغرب. وخاصة حول ملوك الدولة العلوية. الذين تولوا قيادة الأمة المغربية. في عهود حافلة بالأحداث التاريخية المصيرية. مركزة أبحاثها على تحليل ظروف وسياقات هذه الأحداث. وأثرها إيجابا أو سلبا في بلورة الهوية المغربية والسيادة الوطنية والوحدة الترابية.
إن أهمية هذه الدورات العلمية لا تكمن فقط في جدواها الأكاديمي الصرف. على أهميته. وإنما ترجع وبالأساس إلى ضرورة إطلاع الأجيال الحالية والقادمة على تاريخ المغرب. والوقوف على كون ما حققته بلادنا من وحدة واستقرار. وتطور وارتقاء. إنما كان حصيلة سلسلة متواصلة من الجهود المخلصة. والتضحيات الجسيمة لرفع التحديات. والتي انخرط فيها. بكل تفان وأمانة. أسلافنا الأماجد. وكذا القوى الحية من شعبنا.
وهو ما يضع على عاتقنا جميعا. ملكا وشعبا. أمانة مواصلة تشييد صرح الدولة المغربية. وتحصين وحدتنا الوطنية والترابية. في وفاء دائم لثوابتنا ومقدساتنا. مستنيرين بكل القيم النبيلة. التي جسدها أسلافنا. مسلحين بالإرادة الجماعية والتلاحم بين العرش والشعب. لتحقيق ما تتطلع إليه الأمة المغربية من مزيد الرقي والازدهار.
وإن اعتزازنا القوي بعطاء هذه الجامعة المتجدد. عبر دوراتها. لا يعادله إلا عزمنا الوطيد على إحاطتها بكامل رعايتنا. اعتباراً لما نتوخاه من خلال ندواتها القيمة. من ربط ماضي المغرب بحاضره. وتعميق الوعي لدى الأجيال الصاعدة بمدى ترابط حلقات تاريخنا الوطني. قديمه بحديثه. والتطلع الدائم نحو مستقبل يرتكز على أسس متجذرة في أعماق هذا التاريخ التليد.
حضرات السيدات والسادة.
لقد بلغت جامعة مولاي علي الشريف دورتها السابعة عشرة بفضل جهود اللجنة. التي أسند لها والدنا طيب الله ثراه. المسؤولية العلمية لإعداد ندواتها وتنظيم حلقاتها. وكذا بفضل جهود المنظمين على الصعيدين المركزي والمحلي.
وفي هذا الصدد. نود الإشادة بالجهود المحمودة التي بذلت لاستمرار انتظام دورات هذه الجامعة على مدى العشرين سنة الفارطة. كما نقدر على وجه الخصوص عمل وزارة الثقافة واللجنة العلمية المختصة. لإضفاء المزيد من الإشعاع والتميز على دوراتها. وجعلها منفتحة على مختلف ربوع المملكة.
وذلك مبعث ارتياحنا. إيمانا منا بأن أي عمل وطني ينبغي أن يحاط بكل شروط النجاح. وأن يتوخى إشراك كافة المواطنين والفعاليات المؤهلة في أوراشه. في إطار الاندماج في المسيرة التنموية التي نقودها. إنه خيار لا محيد عنه في كل الأعمال الوطنية. ميدانية كانت. أو علمية وإعلامية.
كما نود التنويه باختيار عهد المغفور له جلالة الملك محمد الخامس. رضوان الله عليه. موضوعا لهذه الدورة. باعتباره يمثل عهدا حافلا من تاريخنا الوطني. من أجل الحرية والاستقلال. إنه عهد التحولات الكبرى الذي كتب بمداد دماء الشهداء. وتضحيات رجالات الوطنية. بقيادة بطل التحرير ورمز الفداء جلالة الملك محمد الخامس. أكرم الله مثواه.
ولاشك أنكم تدركون أن دراسة هذه الفترة المجيدة والحافلة بالأحداث الجسيمة. لن تكون كسابقتها. لكونها أكثر تشعبا وأقوى تداخلا مع الأحداث التاريخية العالمية. وأكثر عطاء وثراء على مستوى تطور المغرب الحديث.
ومن هذا المنطلق. فإننا نتطلع إلى أن تعكس أبحاث الدارسين والمؤرخين المشاركين في هذه الدورة. الأهمية الكبرى. والحقائق الموضوعية. التي تحفل بها هذه الفترة. التي ستكون موضوع الدرس والبحث والتحقيق. وأن تتم الاستفادة من مختلف الأعمال التاريخية والأبحاث القيمة المنجزة حول هذا الموضوع. وما أكثرها. على مدى الخمسين سنة الفارطة.
ولا يخفى عليكم. حضرات السيدات والسادة الأساتذة والباحثين. ما يتعين انتهاجه في أبحاثكم من توثيق علمي. بمختلف الوسائط والوسائل المستخدمة في الكتابة التاريخية. وكذا توسيع دائرة الفائدة من أعمالكم. من حيث الزمان والمكان.
فالعناية التي ينبغي أن يكتسيها منهج التدوين والتوثيق للأحداث. لا ينبغي أن تحجب ضرورة الإعداد الجيد للمحاضرات والعروض وسير المناقشات. كما أن التواصل مع حقائق التاريخ. لا ينبغي أن يكون محدودا. ولا خاصا بفئة دون أخرى. ومن هنا. فإن التدوين والكتابة والتوثيق والنشر والإعلام. كلها وسائل ضرورية ومتكاملة. لضمان التواصل مع التاريخ في المكان والزمان بغير حدود.
وها أنتم اليوم. في أحضان تاريخنا المجيد. تستلهمون دروسه من الأثر المحفوظ لسيرورة مملكتنا. مما يقتضي استمرار أعمال التحقيق لهذا الأثر التليد. وكذلك الحفاظ على الشواهد التاريخية المادية واللامادية لحضارتنا. ولا شك أن مهد الدولة العلوية. بمدينة الريصاني. في هذه الربوع من ترابنا الوطني. تزخر بتراث ثقافي. من قصور وقصبات وكنوز. وذاكرة بشرية حية.
وهو ما يقتضي أن تكون هذه الجامعة مناسبة سنوية. تتدارسون على هامشها قضايا صون هذا التراث بمختلف تجلياته. وكذا قضايا توفير التجهيزات الثقافية. الملائمة في كل المناطق التي تعرف خصاصا في هذا المجال. كما أن مثل هذه الملتقيات يجب أن تكون كذلك مناسبات لبلورة مشاريع تنموية مدروسة في مختلف المجالات. تلبي الحاجيات الحقيقية والملحة للمواطنين.
ومن ثم يصبح الماضي ملهماً لصنع المستقبل. عبر إبداعات الحاضر وإضافته. فبقدر إدراكنا لقوانين السيرورة التاريخية لهذا الماضي. نتمكن من بناء المستقبل الواعد الذي نتطلع إليه.
حضرات السيدات والسادة.
إننا نشيد مسبقاً بالجهود العلمية التي ستبذلونها في سبيل استحضار أقوى صفحات تاريخنا الوطني إشراقا. وأغناها بالعطاء والتضحيات. في سبيل بناء المغرب المستقل والموحد. متطلعين إلى ما ستحققونه من نتائج علمية. للرقي بهذه الجامعة إلى مصاف الملتقيات العلمية البارزة. وما سيتبلور حولها من مشاريع تنموية لفائدة مواطنينا بهذه الربوع الأثيرة لدينا.
وإذ نرحب بجميع المشاركين في هذا الملتقى الهام. فإننا نعرب لكم عن أصدق متمنياتنا بنجاح هذه الانطلاقة المتجددة لجامعتكم . داعين الله تعالى لكم بكامل التوفيق في أشغالكم.