بعد قضية "خطف" معلمي وأساتذة التعليم العمومي إلى فضاءات التعليم الخصوصي .. التي أثارها وزير التعليم، محمد الوفا، وأثيرت معها ضجة ما زالت لم تهدأ بعد، عاد نفس الوزير ليطرح، على العموم، ملفا آخر من الملفات التي تستحق، في الحقيقة، الرصد والمتابعة، خاصة عقب نشر لائحة تضم أسماء مستفيدين من هذا السكن ما زالوا يستغلونه بالرغم من أنه لم تعد تربطهم أي علاقة وظيفية بقطاع التعليم. يتجلى ذلك في قضية "السكن الوظيفي"، وهو السكن الذي تم تخصيصه لموظفي الوزارة، من مسؤولين، و مديرين، وحراس عامين، ومقتصدين، بالمؤسسات التعليمية التي يتحملون مسؤولية إدارتها وتسييرها، وذلك من أجل تسهيل مهامهم، وليكونوا، دائما، قريبين مما يجري فيها ..
الإجراء الوزاري يقضي بإخلاء السكن المذكور من طرف الأشخاص المعنيين بعد إحالتهم على التقاعد. لكن هؤلاْء الأشخاص تشبثوا بالسكن الوظيفي ورفضوا تسليمه. من أغرب الدفوعات التي تم تقديمها في هذا الصدد، أن هؤلاء المستفيدين أصبحوا في وضعية"مزرية" بعد حصولهم على التقاعد، وأنهم لا يتوفرون على سكن خاص بهم، وأنهم قدموا تضحيات طيلة عقود من الزمن..و..و..
لا شك أن رجال التعليم في وضعية مريحة بالمقارنة مع كثير من موظفي القطاع العام، ويستفيدون من الترقيات طيلة مسارهم المهني، وما يرافقها من زيادات في الأجر، وتعويضات، وامتيازات.. كما أن نسبة مهمة من الذين استفادوا من المغادرة الطوعية هم من رجال التعليم..
بعد هذا نتساءل :هل من المعقول أن يزعم شخص من هؤلاء الموظفين أنه لم يستفيد شيئا من القطاع الذي كان يشتغل فيه؟ وهل من المعقول أن يدعي رجل من التعليم، وهو في درجة إطار، قضى عمره في هذا المجال من دون أن يوفر له ولأبنائه منزلا يأويه من نوائب الدهر؟ وهل يتصور عاقل أن شخصا ظل يستغل سكنا وظيفيا لمدة تتجاوز العشرين أو الثلاثين سنة من غير أن يكون قد هيأ لنفسه سكنا يعود إليه بعد انتهاء مدة الاستغلال؟
إن المواطنة الحقة تفرض الاعتراف بالجميل، وتفرض البذل والعطاء، وليس فقط الأخذ والمزيد من المطالبة، كما تفرض قدرا من الحياء والمروءة والفضيلة، خاصة حين نسمع أن هناك، من هذه الكائنات المستفيدة، من يطالب بتفويت السكن الوظيفي له؟
نستطيع أن نقول بكل اطمئنان أن الأمر يتعلق هنا بوجه من وجوه محاربة الفساد الذي يتطلب تظافركل الجهود و الطاقات من أجل القضاء عليه. ومن هنا، فإن جميع القطاعات العمومية معنية بالموضوع، وعلى كل وزير أن يبادر باتخاذ القرار المطلوب في هذه النازلة؛ فهناك مساكن وظيفية في مختلف القطاعات ما زال يستفيد منها أشخاص رغم بلوغهم سن التقاعد، وانتهاء كل علاقتهم بالعمل الذي كان يخول لهم استغلال ذلك السكن.
من هنا يبدأ الإصلاح والتغيير، وليس من كثرة "الهدرة" ووضع العصا في العجلة. وكفى من هذا الاستنزاف والاستغلال البشع لمصالح الوطن.