الكثير منا قد يتبادر إلى ذهنه لماذا شيد ونشأ حي درب غلف الحي الشعبي العريق وسط مجموعة من الأحياء ذات الطابع الأوروبي، حيث لا يبعد عن وسط المدينة المركز الإداري لمدينة الدارالبيضاء إلا بكيلومتر ونصف تقريبا، للإجابة عن هذا التساؤل لا مناص من استحضار أسباب وحيتيات ساهمت في ميلاد أول مدينة مصغرة في قلب حضارة أوروبية هندسها المستعمر الفرنسي في عهد الحماية كما تصورها الماريشال ليوطي أن تكون المتروبول الاقتصادي للمملكة المغربية. في نهاية القرن التاسع عشر المغربي الحاج بوعزة المديوني لهراوي المسمى( غلف) والذي ينحدر من منطقة مديونة وهو الجد الأول لعائلة غلف، كان يملك أراض تمتد ما بين حي المستشفيات وطريق الجديدة..(طريق مازاكان) قديما والذي كان في نفس الوقت تاجرا وملاكا وأمينا لبائعي (الجلد) وفندق حسيسو كان مقر نشاطه التجاري وقد لقب ب(غلف) لأنه وكما تقول روايات عديدة مغلفا بالحايك صيفا وشتاء حسب عادات وتقاليد تلك الفترة. حط الحاج بوعزة غلف بأهله وخدمه في المنطقة السالفة الذكر بعدما بنى نوالة مقر العرسة حاليا الواقعة برأس الدرب بشارع عبد الرحمن الزموري،لما توفي رحمه الله سنة 1905 ترك إرثا واراضي تقدر ستة عشر هكتارا قسمت التركة بين ستة ورثة وأهم وارث حضي بحصة الأسد حفيده الحاج علي بن المكي الحريزي بعدما اشترى والده الحاج المكي الحريزي حصص الورثة وفوتها لابنه الحاج علي، بمساعدة المرحوم عبد الرحمن الزموري الذي كان على قسط وافر من العلم والفقه أن يفوت بقعا أرضية او الزريبة حسب ما اتفق عليه مع أهل درب غلف..مع مرور الوقت بدأ حي درب غلف يأخذ ملامح حي تتوفر فيه جميع شروط الحياة الكريمة وقد ساهم موقعه الإستراتيجي وقربه من ضواحي المدينة أن يستقطب حرفيين وتجار وأهل العلم من شتى مناطق المغرب، فبالرغم من المعارضة الشديدة من طرف المستعمر الفرنسي الذي بات يعرقل البناء ورفضها المطلق في وجود حي ذو الطابع التقليدي الإسلامي لكن إصرار أهله على البناء والتشييد شكل تحديا استثنائيا وغير مسبوق لغطرسة المستعمر الفرنسي الذي بات أول حي شعبي بمواصفات مغربية إسلامية بعد المدينة القديمة ينبثق رغما عن أنف جبروت الماريشال ليوطي وأتباعه وبذلك يؤكد حي درب غلف أنه مهد المقاومة ولا غرابة في ذلك انه أنجب واحدا من أكبر المقاومين المغاربة...بنحمو الفاخري رحمة الله.