لا يمكن لمواطن غيور على مصلحة المغرب أن يظل غير مبال بما جاء من مضامين في خطاب العرش الذي القاه الملك، يوم السبت 29 يوليوز المنصرم، بالنظر إلى ما جاء فيه من رسائل تسائل كل المغاربة وخاصة المسؤولين السياسين والمنتخبين. في مقال أمس، تحدثنا عن إحدى الرسائل التي بعثها الخطاب الملكي لمن يهمهم الأمر، والمتمثلة في دعوة جلالته إلى ضرورة تطبيق الفقرة الثانية من الفصل الاول من الدستور المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي مقال اليوم سنتحدث عن ما تضمنه الخطاب حول الاسترزاق السياسي الذي يميز سلوك العديد من السياسيين، الذين يستغلون المؤسسة الملكية للتهرب من أي محاسبة. فبقدر ما أشاد الخطاب الملكي بالنموذج التنموي المغربي الذي أضحى مثار إعجاب واهتمام العديد من الدول والمنظمات الدولية، أسهب جلالة الملك في ذكر العيوب والسلبيات التي تشوب الحياة السياسية المغربية بسبب الثقافة المتخلفة وعديمة الجدوى التي ينهجها الفاعلون الحزبيون والسياسيون في المغرب. وفي هذا الصدد، يقول جلالة الملك إن "اختياراتنا التنموية تبقى عموما صائبة. إلا أن المشكل يكمن في العقليات التي لم تتغير، وفي القدرة على التنفيذ والإبداع"، مضيفا أن "التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة". وقد عرى الخطاب الملكي السلوكيات الانتهازية وسياسة الاسترزاق السياسي التي ينهجها هؤلاء، حيث أوضح جلالته انه "عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه". هذه السلوكيات الانتهازية التي تميز جل مكونات الطبقة السياسية المغربية، تدفع المواطنين إلى الاستنجاد بالمؤسسة الملكية لرفع تظلمات الإدارات العمومية والمسؤولين الذين يتماطلون في تلبية مطالب المواطنين وأغراضهم، حيث قال جلالة الملك إن هذه السلوكيات تجعل "المواطنين يشتكون لملك البلاد، من الإدارات والمسؤولين الذين يتماطلون في الرد على مطالبهم، ومعالجة ملفاتهم، ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم." مضيفا أن "الواجب يقتضي أن يتلقى المواطنون أجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم وشكاياتهم، مع ضرورة شرح الأسباب وتبرير القرارات، ولو بالرفض، الذي لا ينبغي أن يكون دون سند قانوني، وإنما لأنه مخالف للقانون، أو لأنه يجب على المواطن استكمال المساطر الجاري بها العمل". وأمام هذا الوضع، يضيف جلالة الملك، "فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟." ومن النتائج الوخيمة لممارسات هؤلاء المسؤولين والمنتخبين، عزوف المواطنين وخاصة الشباب منهم عن العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات، وفي هذا الصدد يقول جلالة الملك إن " ممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة ، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل." وأمام هذا الوضع البئيس، الذي تسبب ولايزال يتسبب في كوارث للمغرب طالب جلالة الملك من هؤلاء بالقيام بمهامهم وواجباتهم أو الانسحاب وترك المجال امام مغاربة صادقين للقيام بمهمة خدمة الوطن بكل صدق، وقد جاء ذلك من خلال عبارات صريحة لا لبس فيها حيث قال جلالته "وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟، قبل ان يوجه كلامه لهؤلاء بالقول : "لكل هؤلاء أقول :” كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا. فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون." نعم إن المغرب له نساؤه ورجاله الصادقون، الذين يستطيعون حمل مشعل التنمية وتنفيذ السياسة الاستراتيجية التي مافتئ جلالته يدعو إلى اتباعها في مختلف الميادين والمجالات خدمة للوطن والمواطنين، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون بعيدا عن السياسة السياسوية والاسترزاق السياسي والاختباء وراء المؤسسة الملكية، لأن الدستور منح سلطات واسعة للمنتخبين ولرئيس الحكومة، وللحكومة. ونص على فصل واستقلالية السلط، ولا معنى لانتظار التعليمات الملكية او التحجج بان الامر يتعلق بقرارات من فوق او ما شابه ذلك من مبررات واهية يقدمها بعض المسؤولين والسياسيين كلما فشلوا في المهام المنوطة بهم..