شكلت الخطابات الملكية الأخيرة، بما ميزها من صراحة وحدة في تشريح الوضع ووضع الأصبع على مكامن الإختلالات التي يعرفها المغرب، علامات فارقة في مسار تطور المؤسسة الملكية والرغبة في الانتقال بالمغرب إلى بلاد تحتكم إلى المؤسسات الدستورية وتحترم فيه كل سلطة اختصاصاتها في إطار ما نص عليه الدستور من استقلال للسلط.. ولم تحِد مضامين الخطاب الملكي الاخير، بمناسبة عيد العرش، عن هذه القاعدة إذ أن جلالته شدد على ضرورة تنزيل مقتضيات الدستور خاصة فيما يتعلق بالفقرة الثانية من الفصل الاول منه، والتي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي هذا الاطار شدد جلالته على "ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة." وأكد جلالة الملك على أن الوقت قد حان " للتفعيل الكامل لهذا المبدإ"، مؤكدا على ضرورة تطبيق القانون على جميع المغاربة، لا فرق في ذلك بينهم، وفي هذا الاطار يقول جلالته "يجب ان يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة". تركيز جلالة الملك على ضرورة تفعيل مقتضيات الدستور من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، يأتي بعد تجاهل العديد من المسؤولين لهذا المبدأ، حيث انتشرت أخبار فضائح فساد عديدة عبر وسائل الاعلام المختلفة، ورغم ذلك فإن المتورطين فيها لم ينالوا جزاءهم بل بالعكس من ذلك، تمت مكافأتهم من خلال ترقيتهم أو تقلد مناصب أكبر وأهم من التي كانوا يتقلدونها، بدعم من بعض اللوبيات والأوساط المتنفذة في البلاد، وفي هذا الإطار يمكن إدراج استغراب جلالة الملك من خلال قوله:" ومما يثير الاستغراب، أن من بين المسؤولين، من فشل في مهمته. ومع ذلك يعتقد أنه يستحق منصبا أكبر من منصبه السابق." هذا الوضع المتأزم، الذي أوصلنا إليه بعض المسؤولين الفاسدين، وجب القطع معه وقد وضع جلالة الملك، من خلال هذا الخطاب الصريح، كل النخب السياسية أمام مسؤوليتها التاريخية في القيام بواجبها الوطني إزاء بلدها وتحمل عواقب قراراتها في حالة الإخفاق والفشل في تدبير الشأن العام، أو بسبب استغلال النفوذ والاغتناء والكسب غير المشروع، وطالب جلالته بضرورة إعمال القانون وتطبيق مقتضيات الدستور في ما يتعلق بإقران المسؤولية بالمحاسبة، حيث أكد جلالته اننا اليوم "في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب"، في إشارة إلى ضرورة تحمل كل واحد مسؤولية افعاله وضرورة ان يشكل موضوعا للمحاسبة والمتابعة القضائية وفق مبدأ دولة الحق والقانون والعدل الذي هو أساس الملك. وقد خاطب جلالته الشعب المغربي، ملحا على ضرورة تنزيل الدستور بشكل كامل وسليم، وبهذا الخصوص يقول جلالته "شعبي العزيز، إني ألح هنا، على ضرورة التفعيل الكامل والسليم للدستور.كما أؤكد أن الأمر يتعلق بمسؤولية جماعية تهم كل الفاعلين، حكومة وبرلمانا، وأحزابا، وكافة المؤسسات، كل في مجال اختصاصه". تلك بعض الرسائل التي جاءت في الخطاب الملكي الاخير، وسنعود للحديث عن باقي الرسائل التي لم تخل منها أي فقرة من فقرات خطاب العرش.