الأجواء التي جرت فيها، أمس الجمعة، "المناظرة الوطنية حول الوضع في الحسيمة"، المنظمة بمقر جهة طنجة-تطوانالحسيمة ، كشفت بالملموس كم نحن بعيدون عن أخلاقيات الحوار وأدبياته واحترام الفرقاء وأطراف الخلاف بعضها البعض. الكثير من السلوكيات أظهرت أمس أن فضيلة الإنصات للآخر واحترام رأيه كانت غائبة، وبالمقابل حضرت الشعبوية والمزايدات والمهاترات ولغة القمع الرمزي ومصادرة رأي الآخر بدءا بالعنف اللفظي، الذي مورس ضد الفنانة سعيدة فكري بسبب عدم توفقها في اختيار أحد المصطلحات للتعبير عن غياب أخلاقيات الحوار في مناظراتنا وندواتنا، مرورا بالهجوم الذي تعرض له وزير العدل محمد اوجار سواء خلال تدخله في نهاية الجلسة الافتتاحية للمناظرة للتأكيد على "أن الحكومة والدولة بكل أجهزتها لم يسبق لها ان اتهمت الريف بالانفصال"، أو خارج قاعة المناظرة عندما تهجم عليه "منير اليعقوبي" وسأله باسم حراك الريف بلغة استفزازية "هل انتم حكومة ام عصابة؟" مرددا بذلك أحد الشعارات، وهي مقولة غير متأكد منها منسوبة لمحمد بنعبد الكريم الخطابي. عندما تدخل وزير العدل لرفع اللبس عبر تأكيده أن توصيف أبناء الريف بالانفصاليين لم يصدر قط لا من طرف الدولة بمختلف أجهزتها ولا من طرف الحكومة، ثارت ثائرة بعض الحاضرين داخل القاعة وعمدوا إلى مصادرة رأي الوزير اوجار والحيلولة دون إتمام كلمته، بل إن بعضهم اعترض سبيله خارج القاعة وحاول استفزازه من خلال طرح سؤال "هل انتم حكومة ام عصابة"، وهو سلوك يعبر عن مدى تدني مستوى بعض النشطاء الذين لا يبحثون عن الحلول بل يرغبون في إطالة الوضع وتأزيمه، دون الاستماع إلى رأي الأطراف الأخرى التي يتم اتهامها زورا بأشياء لم تصدر عنها، وللحقيقة نقول ان تخوين وتوصيف أبناء الريف لم يصدر عن الحكومة، ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن هذه الأخيرة أو الدفع بعدم مسؤوليتها فيما حدث ويحدث بالريف، بل إننا نقف إلى جانب الحق ويمكن الرجوع بهذا الشأن إلى بلاغات الحكومة للوقوف على ما نقول إذ لم يسبق لها ان وخونت أبناء الريف او اعتبرتهم انفصاليين.. إن ما يحزّ في النفس أكثر، ليس سلوك بعض النشطاء المحسوبين على الحراك والذين يقفون حجر عثرة أمام كل تفاوض أو حوار مع الحكومة ومؤسسات الدولة، وإنما صمت منظمي المناظرة والمسؤولين عنها، تجاه ما تعرض له وزير العدل باعتباره ممثلا للحكومة وللدولة المغربية، إذ لم يتجشم منظمو ما سمي ب" المناظرة الوطنية حول الوضع في الحسيمة " عناء إصدار ولو بلاغ تضامني مع الوزير أو بيان تنديدي بما تعرض له، بعد ان عجزوا عن حمايته من استفزاز بعض النشطاء، أو حتى اعتذار باسمهم يصون كرامة ممثل الحكومة عقب ما مسه من ضرر في المناظرة، وهو ما يطرح عدة أسئلة حول المغزى من تنظيم هذه المناظرة وما معنى ان تتم دعوة وزير العدل، كممثل للحكومة، دون السماح له بالكلام، أو ضمان أدنى شروط الحوار معه وتركه في مواجهة بعض الأشخاص الذين لا يريدون للحراك ان يُسفر عن حوار بناء ويركبون شعارات فضفاضة وشعبوية لا تزيد الوضع إلا تأزما، ويضربون عرض الحائط بكل مبادئ واخلاقيات الحوار وهو ما عبرت عنه الفنانة سعيدة فكري، رغم أنها لم تُوفق في اختيار العبارة ليحكم عليها الحاضرون بمعاداة الريف والحراك وتتم مقاطعتها بشكل هستيري وتُجبَر على وقف مداخلتها والانصراف في صمت يعبّر عن كسر خاطر، مما سيزيد من تموقفها السلبي تجاه الأجواء التي تطبع مناظراتنا واجتماعاتنا التي تغيب فيها كل شروط الحوار والتفاهم.. منع اوجار من اتمام كلمته داخل القاعة