المرأة البالغة غير المتزوجة في تاريخ مصر المعاصر لم تصطدم بفكرة الولي الشرعي الذي يوافق على سفرها أو يعارضه – الحديث هنا عن القانون وليس الأعراف – إلا أن الأمور مختلفة إن كانت المرأة ” زوجة على ذمة رجل “ حق الزوج في منع الزوجة من السفر ( ما قبل عام 2000 ) استند الزوج في مصر لمنع زوجته من السفر إلى المادتين (8 و 11) من قانون رئيس الجمهورية رقم 97 لسنة 1959 وكذلك إلى المادة 3 من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996، فالموظف المختص كان لا يستخرج جواز سفر أو يجدده للزوجة إلا بحضور زوجها وتوقيعه بالموافقة على سفرها، كما كان يحق لشقيق أو والد الزوج أن ينوبا عنه أمام مصلحة وثائق السفر إن كان الزوج خارج البلاد. ماذا إن عدّل الزوج عن رأيه أثناء مدة سريان الجواز ؟ إن قرر الزوج منع زوجته من السفر، فما عليه سوى إلغاء الموافقة بمصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية التابعة لوزارة الداخلية، أي يحق للزوج أن يخطر وزير الداخلية برغبته فى عدم سفر زوجته، فيصدر الوزير قراراً بمنعها من السفر و يتم إدراج اسمها على قوائم الممنوعين من السفر . شهدت قوائم منع السفر مشاهد من العصور الوسطى تضمنت منع زوجات كثيرات من السفر بسبب خلافات زوجية أو قضايا طلاق عالقة، فقرر الزوج ذبح القطة ووضع زوجته على قوائم المنع من السفر بمجرد إخطاره لوزير الداخلية، وكانت إحدى أشهر الممنوعات من السفر نزولا على رغبة الزوج، موظفة بالخارجية وأستاذة جامعية وطبيبة كانت ستشارك في مؤتمر بالخارج، كلهن اتجهن للمطار وعدن دون سفر حين وجدن أسمائهن على القوائم وكأنهن مجرمات فارات من العدالة. انفصام شخصية الدولة المصرية تجلت حين أعطت التشريعات حق الترشح والتصويت للمرأة عام 1956 وعينت الدولة أول وزيرة في مطلع الستينات ونالت المرأة حق تقلد مناصب دبلوماسية، ورغما عن ذلك لم تصنها كل هذه المناصب الرفيعة من تسلط الزوج إن رفض التوقيع بالموافقة على سفرها بل و إدراج اسمها على قوائم الممنوعين من السفر. حكم المحكمة الدستورية 4 نوفمبر 2000 قامت الأستاذة الجامعية المتضررة من المنع بالسفر برفع قضية أمام القضاء الإداري وأحيلت القضية إلى المحكمة الدستورية وقضت المحكمة يوم 4 نوفمبر عام 2000 بعدم دستورية مواد المذكورة أعلاه، وهذا يعني أمرين: أولا: لم تعد الزوجة في حاجة لموافقة زوجها على السفر كشرط لإصدار أو تجديد جواز السفر. ثانيًا: لم يعد الزوج من حقه منع الزوجة من السفر بموجب إخطار مباشر لوزير الداخلية. أثير جدل فقهي حال صدور الحكم وشنت حملة في الإعلام تحذر من هدم الأسرة المصرية وامتلأت الفضائيات بشيوخ يدينون الحكم باعتباره مخالفا للشريعة لكن الحكم كان نهائيا. هل سقط حق الزوج بمنع زوجته من السفر نهائيًا ؟ لم يسقط ُحكم المحكمة الدستورية حتى يومنا هذا حق الزوج في منع الزوجة من السفر نهائيا، فقد يلجأ الزوج إلى محكمة الأحوال الشخصية في محاولة لاستصدار حكمًا بمنعها من السفر ، فالأمر لم يعد بسهولة إخطار بسيط للداخلية لا يناقشه فيه أحد كما كان من قبل. وكثيرًا ما يلجأ محامي الزوج لاستخدام حق شرعي ُيعرف باسم “حق الاحتباس” في الشريعة الإسلامية لمنع المحكمة الزوجة من السفر.في حالة إصدار حكم من المحكمة في صالح الزوج، حينها فقط يتم الإدراج على القوائم وإبلاغ مصلحة الجوازات، أي أن الزوج لم يفقد حقه في منع الزوجة وإنما لم يعد الحق مطلقًا كما كان قبل حكم المحكمة الدستورية السالف ذكره. كما يمكن الزوج رفع الأمر إلى قاضي الأمور الوقتية بمنع الزوجة من السفر لحين نظر الدعوى أمام القضاء. هذا حق و احد من حقوق المرأة في مصر ناضلت من أجله سنوات و حين ظفرت به ، اكتشفنا أن الثغرات القانونية قائمة ، و تظل الاشكالية في حقوق المرأة ليس في صياغة قوانين جديدة فحسب بقدر ما هي مواجهة مسألة الولاية و القوامة القانونية . ورد هذا المقتطف للكاتبة من كتابها الصادر عام 2016 بعنوان (من وحي العلمانية) و قد صدر لها هذا العام كتاب (دولة الإمام ، متى تخلع مصر عمامة الفقية).