كان أحد المفكرين دائما يستهل كلامه قائلا: في الحقيقة والواقع، ثم يكمل. وأنا استعير من هذا المفكر استهلاله وأقول في الحقيقة والواقع أن، رغم ان هذه الحقيقة وهذا الواقع المرير الذي سأعرضه عليكم والذي يثير حفيظة البعض، هو واقع حقيقي يعد من الطابوهات التي لاتناقش.وهذا الواقع وبلا خجل هو واقع الحياة الجنسية للشبان والمراهقين والتي تعد من المواضيع المسكوت عنها في بلدنا، حيث يتعذر علينا ان نناقش بهدوء وعقلانية موضوع الحريات الجنسية وحدودها.
في الحقيقة والواقع أن هذا المشكل الذي يسكت عنه الكثير ويتجنبون الخوض فيه لأسباب يعلمها الجميع هو ان هناك واقعا جديدا يعيشه بعض الشبان والشابات الذين أدمنوا مند صغرهم ومراهقتهم على العلاقات الغرامية القصيرة خارج مؤسسة الزواج والتي تنتهي بإشباع الغرائز الجنسية بشكل متقطع بين فينة وأخرى، وفي كل مرة مع واحدة بالنسبة للفتى أو واحد جديد بالنسبة للفتاة ...والعمر يمر بسرعة برق الليل في انتظار شروط الإستقرار التي قد تأتي أو لاتأتي، أو حتى في ظل وجود تلك الشروط المواتية للزواج، فتجد الشخص يجري وراء سراب كما تركته مند سنين بلا زوجة ولابنين، وتجده تنطبق عليه مقولة: "من شب على شيء شاب عليه".
لا أريد هنا أن أطرح قضايا الشرع فيما يخص الحلال والحرام لأنها أمور بينة وواضحة، بل ما يعرفه الجميع أن الرغبات والغرائز الحيوانية لا تعرف الحدود ولا تتوانى عن انتهاك المحرمات متى لم تجد طريقا شرعيا صحيحا لتصريف نشاطاتها الحيوانية الفظيعة .
في سياق الحديث عن العلاقات الشبابية ، وبعيدا عن إثارة مشكل الذين يودون الإستقرار ولايجدون الى ذلك سبيلا بعلة ظروفهم غير المواتية ،سألت ذات مرة أحد أصدقائي الموظفين بأحدى المدن الكبرى وهو أكبر مني سنا بكثير، لماذا لم تتزوج بعد؟ فرمقني بنظرة استخفاف وتعجب وأجابني قائلا:ولماذا سأتزوج؟ ، وكيف سأتزوج وكل نساء البلد نسائي؟. الله الله على التفسخ الأخلاقي والإجتماعي الذي وصل اليه شباب اليوم في مدننا، وهذا واقع مرير يسكت عنه الكثير من الناس، والضائع في هذه الحالة هي الأنثى التي تتحول لعاهرة دون أن تشعر.
فالأنثى في مثل هذه الحالة يصير وضعها مثل وضع السجادة التي ينوب عليها الرجال على طريقة:"صلي ودع اخاك يصلي"..ومع مرور الزمان و كثرة الإستعمال، تتلاشى خيوط طرزها الذهبية ولايهتم بها أحد لزوال جمالها وانتهاء شبابها وسمعتها التي تبخرت في الحي والمدينة بأسرها..قلت، الضائع في هذه الحالة هي المرأة، لأن الرجل لايملك بكرة، وقد يتوب ويستغفر الله ويطلب الزواج يوم يرغب فيه، وتراه يبحث عن واحدة أصغر منه بسنوات ضوئية وبعمر حفيداته لو تزوج في وقته المناسب. ويطلب في شروطه وبكامل انانيته ونرجيسيته أن تكون محتجبة لم يمسسها من قبله إنس ولاجان فبأي آلاء ربكما تكذبان..المجتمع طبعا يغفر للرجل ويتسامح معه حتى لو كان زنديقا لأنه في نهاية المطاف رجل ونصف، بينما هذا المجتمع الذكوري الماكر لايتسامح مع الأنثى التي منحت جسدها للرجل بلا تفكير،لأنها مجرد انثى وعورة وعيب يجب ان يستر حسب رأي المجتمع .وهذا واقع مرير لايفهمه الكثير من الإناث اللواتي يقدمن على العلاقات الغرامية و يسقطن في النهاية في براثن العنوسة او الدعارة، أو الزواج في أحسن الأحوال بشيخ طاعن في السن فقد القدرة الجنسية لإتقاء شر كلام الناس، وهنا يطرح سؤال، لمن نحمل المسؤولية أكثر، الرجل أم المرأة أم المجتمع أم هم جميعا؟
في مجتمعنا إذا سألت شابا هل تؤيد تحرر المرأة ؟، تراه يجيب بدون تفكير ويقول: نعم .لكن عن أي إمراة هنا يتحدث؟،إنه يتحدث عن حرية زوجة وأخت وأم الجيران ونساء الحي والأخرين، بينما يرفض لأمه وأخته وزوجته هذا التحرر الذي يؤمن به مع نساء العالمين .كل شاب في مجتمعنا هذا المنافق تتعشش في ذهنه مثل هذه التناقضات الصارخة، وعلى هذه الخلفية تبدأ في الشارع والمدرسة والمعمل والكلية حيث الإختلاط لعبة النفاق الإجتماعي مع الجنس الآخر: مايرفضه الشاب لأهله يسعى الى تحقيقه بشتى الحيل مع إناث الآخرين وينسى الجميع، ان كما تدين تدان..
في مجتمعنا إلى عهد قريب، كان الزواج المبكر وزواج الاقارب وحتى تعدد الزوجات أحيانا، هي الحلول لمشاكل المراهقة والعنوسة والعزوبية والترمل. اما في الغرب فقد وقفت المسيحية(عدا جماعة المورمون في أمريكا) حاجزاً امام تعدد الزوجات او الزواج المؤقت، او حتى الطلاق، مع ضغط كبير للقبول به.فقبل هذا المجتمع الغربي ادباً وعرفاً وممارسة نظام العشاق والعلاقات الحرة التي انتشرت بكثرة بين المراهقين والكبار وصارت تتقدم على مؤسسة العائلة والزواج. بل توسعت لتشمل الجنس الواحد من المثليين والسحاقيات.. فالعلاقات الحرة يسمح بها بما فيها انجاب الاطفال حتى للمراهقين، لكن يتعرض للمحاكمة من يتزوج دون سن ال (18).. ويمنع تعدد الزوجات المقيد، ويسمح بالعلاقات الحرة المنفلتة..
اما في مجتمعنا نحن، فالحرمان والظلم عنوان اساس.فمع البطالة والهجرة والفقر وصعوبة بناء عش الزوجية لم يفلح المتشرعون والمفكرون عندنا باقناع المجتمع –كزخم عام- بحلول معينة للزواج لأصحاب الفئات المعوزة والمراهقين والذين بلغ بهم العمر عتيا بدون زواج وبدون استطاعة وما أكثرهم.. فاتجهت الامور لإكثار المنع مع اقتراح الجزرة والخيار للنساء المطلقات والأرامل لإستمناء الوضع كما رأينا مع أحد شيوخ النكاح والجهل هذه الأيام الذي عليه أن ينصح بتوفير العضو التناسلي المطاطي الذكوري في الصيدليات للمطلقات والأرامل كما تفعل نساء الغرب..
لقد تغيرت ظروف الحياة كثيرا في مجتمعنا ،وفقد الزواج مع هذه المتغيرات طابعه الاجتماعي العائلي كما كان عليه الحال في الماضي، وازداد الجانب الفردي في اختيار شريكة الحياة.. فاهتمام العائلات بتزويج ابنائهم يتراجع، ليتركوا المبادرة للشابين العازبين الذين هم في بحث وانتظار.. فتوسعت ظاهرة العنوسة والعزوبية والعلاقات المنحرفة.. وتقف المرأة كمظلوم اكبر، فاقدة أية مبادرة،خلافاً للرجل..
فأمام حالات المنع الكثيرة، وأمام الظروف العسيرة الجديدة التي عرفتها مجتمعاتنا ،يجب تأشير ومناقشة وتشجيع البدائل المتيسرة والمقبولة، والتي تديم نفسها بنفسها. بخلافه عندما نعسر ولا نيسر، فإننا سنحصد إما الحرمان وعقده.. او الفوضى وسرية الممارسات ومشاكلها. فالموضوع هو تحد لنظمنا التي يجب ان تجد لنا الحلول الصحيحة لإزالة الحرمان والحيف والظلم للشباب وعدم السقوط في الحرام والتحلل. فلا يمكن أن نترك الشبان والمراهقين بدون زواج ونطالبهم بالمقابل أن يكونوا على خلق عظيم في زمن الفتن والمغريات التي لن ينجح معها حتى الصوم وغض البصر لمن لايستطيع الباءة ليتزوج لكبح جماح النفس الإنسانية الحيوانية الأمارة بالسوء.نحتاج الى قليل من المعقولية والواقعية يا قوم لحل مشاكل الشباب والمراهقين، فهل من حلول واقعية مادية ملموسة تساير هذا العصر؟