بمباركته لمشروع دستوري ديمقراطي ومتقدم تجاوزت مقتضياته سقف المطالب المعبر عنها حتى من قبل الجهات الأكثر إلحاحا ، من قبل المزايدة، على "تقليص صلاحيات المؤسسة الملكية"، برهن الملك محمد السادس عن مدى قدرته على الإصغاء وعن قناعاته الراسخة، منذ كان وليا للعهد، بأن المغرب يحتاج إلى مزيد من الدمقرطة وتخليق المشهد السياسي وجعله معبرا عن الإرادة الشعبية، وتأكيده في أكثر من مناسبة بألا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية جادة وقوية وذات مصداقية. لكن، السؤال الذي يطرح الآن على أكثر من لسان، هو عن مدى قدرة الأحزاب السياسية، في وضعها الراهن، على التفاعل مع المرحلة المقبلة وتفعيل روح ومضمون الدستور الجديد؟
أتصور، من خلال متابعة المسار الميداني للملك محمد السادس، أن التحدي المطروح هو كيفية تأهيل نخبة سياسية لها من المميزات والكفاءات ما يتيح لها مسايرة سرعة وتيرة الملك في مجال الإصلاحات وإنجاز المشاريع المهيكلة والالتزام بتنفيذ البرامج المعلن عنها.
واقع الحال وتقييم تجربة العقد الأول من العهد الجديد، يظهر أن النخب السياسية وحتى الفكرية ظلت غائبة وغير مبادرة، بل تكتفي في أحسن الأحوال بخطابات وبلاغات التأييد للمبادرات الملكية، دون أن تساهم بالمتابعة والبلورة على الأرض، وهو ما فتح المجال أمام التقنوقراط لتحمل مسؤولية قطاعات حيوية رغم عدم إلمامهم بالمعطيات السوسيولوجية وافتقارهم إلى الحس السياسي، وهو ما أفشل أو أعاق مجموعة من البرامج والمخططات ( التعليم، الإدارة الترابية، تدريس الأمازيغية،التنمية البشرية، التغطية الصحية، محاربة الأمية. ...).
لذلك، وفي ظل المرحلة الجديدة التي سيدخلها المغرب بعد الاستفتاء على مشروع المراجعة الدستورية، على الأحزاب السياسية أن تسارع إلى تغيير المنهجية والأساليب التي تعودت عليها في الماضي، لأن مغرب التعاقد الجديد بين الملك المواطن والشعب الديمقراطي يستلزم إحداث قطيعة مع أحزاب شبيهة بالدكاكين الموسمية التي لا تعرف الرواج سوى خلال الانتخابات، ونبذ كل أشكال الريع السياسي وممارسات المحسوبية والقرابة، والتي أفرزت في العام 2007 أسوأ حكومة في تاريخ المغرب.
فالمعروف أن حزب العدالة والتنمية أصبح اليوم قاب قوسين وأدنى من الفوز بالثقة الشعبية في ظل فراغ الساحة السياسية وبالتالي الفوز برئاسة الحكومة، و قد يستعين هذا الحزب المهيكل والمنظم الى فيالق خفية داخل السلفية وحتى خلاياه النائمة داخل العدل والإحسان التي لاترى مانعا في أن يحتل حزب إسلامي مواقع حكومية تخوله الخروج من قوقعة الحظر.
إذن على الأحزاب السياسية أن تبدأ في المحاربة الذاتية للبلقنة السياسية و الانتظام في إطار تحالفات قطبية مبنية على تقارب المرجعيات والبرامج، وأن تتخلى عن وهم الزعامات الكرطونية، هذا مع علمنا أن تحقيق ذلك يجب أن يسبقه تعديل للقوانين الانتخابية ولنمط الاقتراع، وهذا ما يمكن القيام به، من خلال دعوة البرلمان إلى دورة استثنائية خلال شهر غشت، لتعديل القوانين الانتخابية وفق الدستور الجديد.
وإذا كان المغاربة قد سئموا من طول فترة الانتقال والمكوث في قاعة الانتظار، فإن الدينامية التي أعطاها الملك محمد السادس للإصلاح الدستوري واحترامه للأجندة المعلن عنها في خطاب 9 مارس، يعطي ذلك ثقة للشعب بأن معاناته لن تطول وبأنه سيدشن الموسم السياسي الجديد 2011-2012 ببرلمان جديد شكلا وموضوعا وبحكومة منسجمة قادرة على تدبير مقدرات البلد.
إذا استمرت الأحزاب على نرجسية زعاماتها، مكرسة منطق التوافق على المناصب الحكومية عوض البرامج والقطبية، فإن التخوف يبقي قائما من استفادة قوى الظلام غير المعلنة و اكتساحها الساحة بدعم من الظلاميين المعلنين، في إطار خدمة أجندة تحلل المشاركة في العملية الانتخابية لإجهاض الديمقراطية.
لقد قال الملك كلمته وأرضى الشعب والنخب، الكرة الآن في يد الأحزاب، فهل ستتدارك الأمر أم أن مرضها بالتقاعس مزمن؟ لا نتمنى لها ذلك، لكن لو لم "تتماثل للشفاء"، لن يعدم مغرب التعاقد الجديد بين الملك والشعب كفاءات لن تتردد لحظة في الخروج من القوقعة المفروضة عليها و الاصطفاف وراء الملك المواطن. مغرب جديد يبنيه الملك ولن يرضى المغاربة الغيورون لهذا البنيان أن يبقى على الماكيط، لأن إيمانهم قوي وشعارهم أكثر قوة" مع محمد السادس لا مكان للفشل أو اليأس، بل للأمل المقترن بالعمل".