منعطف خطير للغاية ذلك الذي يمر منه التدين المغربي خلال الأسابيع الأخيرة، على هامش النقاش المجتمعي الخاص بورش الإصلاح الدستوري الشامل، يجعل بعض المراقبين يصرفون النظر عن التدقيق في بنود مسودة الدستور التي تم عرضها على الأحزاب السياسية، ويركزون على دلالات مزايدة تيارات إسلامية على الإسلام المغربي وإسلام المغاربة، ونخص بالذكر، المزايدات الصادرة عن جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، ونحصر السياق الزمني لهذا المقال، قبل منعطف الخطاب الملكي التاريخي الأخير، ذلك الذي ألقاه مساء الجمعة 17 يونيو 2011. العدل والإحسان وانشغالات كريمة المرشد سوف نتوقف فقط عند المزايدات الصادرة عن ثنائي حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، يتحكم فيها عبد الإله بنكيران ومحمد يتيم وعبد الله بها، ونترك جانبا مزايدات جماعة العدل والإحسان، بحكم انخراط الجماعة في تبعات ما قد يكون "قضية أخلاقية"، حسب البعض، بعد كشف موقع "أغورا" الإلكتروني، الذي يديره الزميل الحسين يزي، بخصوص ما سمي بسفر كريمة عبد السلام ياسين إلى اليونان، رفقة المدعو يوسف العلوي، وقد وصفت الجماعة الحكاية بأنها مجرد محاولة لتشويه السمعة ليس إلا. وإذا كان بعض الظن إثم فإن بعضه الآخر ليس إثما طبعا، حسب قراءات بعض الزملاء، على اعتبار أننا اليوم أمام صور متوفرة مع دلائل وكالات الأسفار وفاتورة فندق بارك بمدينة أثينا اليونانية، وهذه تفاصيل لم يحسم في مدة حقيقتها أو تضليلها حتى تحرير هذه الكلمات، على اعتبار أن رد نادية ياسين، اقتصر حتى الآن، على تخوين المخزن واتهام المخابرات، دون أن تؤكد أو تنفي حقيقة تلك الصور المثيرة، والأيام المقبلة كفيلة بتوضيح الأمور للرأي العام. ليس هذا موضوعنا الآن.
الحرب الإسلامية ضد حداثة الدستور اعتبرت جريدة الأحداث المغربية أن الثلاثي العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، والاتحاد الوطني للشغل، يعلن علانية وبحدة غضبه من التوجه الحداثي لمسودة الدستور، حتى قبل أن تتوصل الأحزاب السياسية، بالنص المكتوب لمشروع الوثيقة الدستورية، مشيرة إلى عراب الحزب، والرجل المتحكم في كل شيء، عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب الإسلامي، استبدل لغة التوافق، التي كانت منهجيته داخل الآلية السياسية للتتبع والتشاور، بلغة أكثر حدة تفجر التناقض الحاصل ما بين وجهتي نظر تريد التعبير عن نفسها في الدستور الجديد، الأولى حداثية والثانية محافظة، بدليل التحذيرات التي جاءت على لسانه في جريدة الصباح، من أن يتحول المغرب إلى لبنان جديد تتنازعه الطوائف، والملل، والنحل، في حال تبني مفهوم للهوية في الدستور مناقض للمرجعية الإسلامية، مضيفا أن ما يتم تداوله في الموضوع يدور حول فسح المجال أمام الاعتراف الدستوري بديانات أخرى غير الإسلام، ما من شأنه أن يوقظ الفتنة في المغرب وجعله يحترق، خاصة إذا نهض المؤمنون بالمرجعية الإسلامية من أئمة وعلماء. وبرزت أولى علامات مزايدات التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية على الإسلام المغربي وإسلام المغاربة، من خلال ثنايا الكلمة التي ألقاها بنكيران في المهرجان الخطابي للحزب الإسلامي المنظم بتمارة يوم الجمعة 10 يونيو 2011، عندما حذر من المساس بالهوية الإسلامية للمغاربة في نص الدستور المعدل، وأبدى تخوفه من التشكيك في هذا الثابت من الثوابت الوطنية، وقال في المهرجان الخطابي الذي نظمته الكتابة الإقليمية لشبيبة العدالة والتنمية بتمارة بعد عصر نفس اليوم ، "إن خطاب 9 مارس ضمن للمغاربة الحفاظ على المرجعية الإسلامية، ونحن أمة إسلامية بقدر ما نهتم بتحقيق الرفاهية للمجتمع بقدر ما نتشبث بمرجعيتنا"، وأضاف أيضا أن "سراقا متسللون يريدون انتزاع انتصار الشعب المغربي بالدستور الجديد المرتقب"، موضحا أن فئة من العلمانيين يريدون إباحة الحرية الجنسية ببلادنا، والمجاهرة بالشذوذ الجنسي. ووصف أولائك الذين يسعون إلى التلاعب بمصير المغاربة من خلال مشروع نص دستوري ملغوم، ب"دعاة الإفساد وعملاء الاستعمار الحريصين على مصالحه"، مؤكدا أنهم يريدون ضرب العربية والاستقواء بالخارج. وقال "إن ملوك الدولة العلوية على مر التاريخ نصروا بالإسلام وبالعلماء لا بغيرهم".
أسلمة المزايدات السياسية من أجل أخذ فكرة عن حجم مزايدة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية على الإسلام المغربي، يجب مراجعة إخراج ومضمون عدد يوم الاثنين ما قبل الأخير لجريدة التجديد، الجريدة التي يتحكم فيها بنكيران وجماعته، عبر أقلام مطيعة وخدومة، ويمكن اعتبار هذا العدد وثيقة تاريخية في مسار الحركات والأحزاب الإسلامية في المغرب، ومدى استفحال مزايدة هذه الحركات والأحزاب الإسلامية على التدين المغربي، ومنافستهم المباشرة لمؤسسة إمارة المؤمنين والمؤسسة الملكية، بالرغم من أنهم يزعمون الدفاع عنها. هذه بعض العناوين الحمراء التي نشرتها تجديد بنكيران في هذا العدد التاريخي: حركة التوحيد والإصلاح تدعو إلى التصدي لمحاولات التشويش على هوية ومرجعية المغرب. بنكيران: إذا تم المس بهوية المغرب ومرجعيته الإسلامية سنكون مضطرين للتصويت ضد الدستور. هل يريد المشروع السلطوي أن يحقق بالدستور ما عجز عن تحقيقه بالسياسة؟ هل يخرج الدستور من عنق الزجاجة؟ ويمكن أن تكون الفقرة التالية، التي جاءت في مقال الناطق الرسمي الثاني باسم بنكيران، تلخص فحوى هذا العدد، حيث نقرأ للكاتب: هل تمثل هذه الرهانات استراتيجية الدولة؟ أم أن جهات معينة دخلت بقوة على الموضوع الدستوري وأرادت أن توجه استراتيجية الدولة في هذا المنحى؟ وهل تساير الدولة هذا التوجه الذي يلعب بالنار؟ أسئلة، يضيف الناطق الرسمي الثاني، سنرى الجواب عنها خلال هذا الأسبوع، وإن كان الاستشراف يميل إلى أن الدولة المغربية لا تريد إعادة إنتاج تجربة الخطة الوطنية لإدماج المرأة للتنمية لسبب بسيط، هو أنها قامت بكل شيء من أجل إنهاء الحراك الشعبي المحدود، فلا يمكن لعاقل أن يتصور أن تخلق بنفسها الأسباب لهيجان شعبي لا سبيل لإيقافه خاصة في هذه الظرفية الحرجة. أما الناطق الرسمي الإعلامي الأول باسم بنكيران، فذهب إلى درجة توهم الحديث باسم صانعي القرار في القصر الملكي، عندما اعتبر بجرة قلم أن "بلاغ الديوان الملكي ليوم الجمعة ما قبل الماضي صحح جزءا من الخلل الذي ظهر جليا في مسار المراجعة الدستورية وعرضه لتشويش كبير كان من شأنه استمراره أن يخدم دعوات التشكيك في مصداقية وجدية مشروع الإصلاح الدستوري، وهو تصحيح طال مستويين مفصليين، هما منهجية تدبير التشاور حول مشروع الوثيقة الدستورية وتمكين أعضا الآلية السياسية من مسودة الدستور، والثاني التأكيد على الإطار العام الحاكم في التعاطي مع مضمون هذه المسودة والمتمثلة في كل من التوافق الإيجابي، والغيرة الوطنية، والتشبث المتين بثوابت الأمة، والإلتزام الديموقراطي".
التوحيد والإصلاح ودور الكومبارس بالنسبة للبيان الصادر عن حركة التوحيد والإصلاح، والذي عنونته جريدة بنكيران كالتالي: حركة التوحيد والإصلاح تدعو إلى التصدي لمحاولات التشويش على هوية ومرجعية المغرب، فلم يخرج عن ترجمة وتفعيل أوامر عراب الحزب لا أقل ولا أكثر، ليس بشهادة الأدلة التي نملكها، عبر الأسماء والشهادات، القديمة والحديثة، ولكن عبر شهادة أهل مكة أنفسهم قبل شهادة المراقبين. وهكذا أكد المكتب التنفيذي للحركة، وهو الآخر ناطق باسم عبد الإله بنكيران، أن المرجعية الإسلامية هي من الأسس التي قامت عليها الدولة المغربية وشكلت خصوصيتها المتفردة، وهو ما يقتضي العمل على تعزيزها بدل توهينها أو الالتفاف حولها، معتبرا في بلاغ صدر السبت الماضي، أن المراجعة الدستورية وجب أن تؤكد بوضوح على الانتماء الحضاري للمغرب للأمة العربية والإسلامية باعتباره عمقا تاريخيا واستراتيجيا ويؤكد المكتب التنفيذي أن أي محاولة للانتقاص من هذا العمق أو اختزاله لا يتناسب مع الإشعاع الحضاري والتاريخي للمغرب، ويشكل خدمة مجانية لسياسات الإلحاق والإضعاف، داعيا العلماء والمفكرين والهيئات السياسية والمدنية والدعوية الغيورة على هوية الأمة المغربية وخياراتها الحضارية إلى التصدي إلى كل المحاولات التي من شأنها أن تشوش على المغرب في هذه المرحلة التاريخية. العارفون للواقع الحالي لحركة التوحيد والإصلاح، ونتحدث عن العارفين من الحركة نفسها، قبل العارفين من الخارج، يعلمون علم اليقين، بأن وضعية الرئيس الحالي، المهندس محمد الحمداوي، أصبحت تبعث على الشفقة، لأنه لا يمثل الثقل الحقيقي في قرارات الحركة، وإنما عبد الإله بنكيران، الذي يتحكم في الحركة كما يشاء، من خلال وجود محمد يتيم وعبد الله بها، في المكتب التنفيذي للحركة، ويتذكر هؤلاء العارفون، أن أول قرار رئيسي وهام اتخذه المكتب التنفيذي الجديد للحركة، بعد انعقاد آخر مؤتمر وطني، كان قرارا بإدماج يتيم وبها في هذا المكتب، وعندما سأل العارفون في الخارج هذه المرة، بعض أعضاء المكتب التنفيذي عن ملابسات هذا الإخراج الإسلامي الباهت، كان الرد الدال لأغلب هؤلاء، عبر ابتسامة تقول كل شيء، بينما كان الجواب الذي لا يجرؤ أي واحد من أعضاء المكتب التنفيذي أن ينطق به بشكل رسمي لوسائل الإعلام، وإنما يعلن عنه فقط في الكواليس، وكذلك الحال مع أعضاء الأمانة العامة للعدالة والتنمية، يفيد بأن "الأمور كلها بيد بنكيران، والغالب الله"، والصلاة على النبي.
بنكيران أكبر من "الصلاة على النبي" أن يتبنى ضحايا بنكيران في الأمانة العامة للعدالة والتنمية وفي المكتب التنفيذي للتوحيد والإصلاح وفي التجديد وفي منظمة تجديد الوعي النسائي، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وفي شبيبة الحزب وفي التنظيم الطلابي، منظمة التجديد الطلابي.. إلخ، أن يتبنى هؤلاء ويرفعوا شعار "الغالب الله"، والصلاة على النبي، من أجل عدم إثارة سخط ولي نعمتهم، فهذا أمر يهمهم فقط، خاصة أن المقابل يبعث على الإغراء، من خلال التهافت على المناصب والامتيازات والعلاقات والسفريات (أسألوهم عن التفاصيل، فنحن مطلعون عليها بأدق من تفاصيل التفاصيل)، ولكن أن يصبح هذا الشعار، مطية للصمت عن المزايدات القائمة هذه الأيام ضد الإسلام المغربي وضد إسلام المغاربة، فهذا أمر، لا يهم فقط التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، وعناصر ذلك الكوكتيل، وإنما يهم إسلام المغاربة أجمعين، ولذلك أصاب عنوان تغطية هذه اليومية أو تلك، من أن الثلاثي العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، والاتحاد الوطني للشغل، يعلن علانية وبحدة غضبه من التوجه الحداثي لمسودة الدستور، لأنه إذا كان الملك برفع شعار الدفع بالمغاربة للانخراط في مشروع ديمقراطي حداثي، وتأتي مسودة الدستور، منتصرة للهوية المغربية، ومنفتحة على المتغيرات العالمية، وتأتي بعد ذلك حركة إسلامية أو حزب إسلامي للمزايدة على هذا المشروع، فالأمر والحالة هذه، لا يعدو أن يكون مشروعا تنظيميا يروم جعل الإسلام المغربي رهينة بين أيدي التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، لا أقل ولا أكثر.