يرفض وزير الطاقة الجزائري السابق شكيب خليل ما يتردد عن طموحاته في الوصول إلى مقعد الرئاسة. لكن انتقال خليل، الحليف المقرب من الرئيس العليل عبد العزيز بوتفليقة، من مدينة إلى أخرى ولقاءاته مع المسؤولين والقيادات الدينية دفع معارضيه للقول إنه يبدو وكأنه يدير حملة دعاية انتخابية.
وهو ليس الوحيد الذي يبدو أنه يناور في وقت يشتد فيه النقاش حول مدى بقاء الرئيس المخضرم- الذي لم يشاهد علانية إلا فيما ندر منذ أصيب بجلطة قبل ثلاثة أعوام- في منصبه ومن قد يخلفه إذا ما تنحى جانبا.
وقد أدار بوتفليقة الجزائر، عضو منظمة أوبك، منذ ما يقرب من عقدين من الزمان واجتاز بها انتفاضات الربيع العربي عام 2011 لعوامل من بينها المخاوف من عودة الفوضى بعد الحرب المدمرة التي عاشتها البلاد بين الاسلاميين والجيش خلال التسعينات.
كذلك فإن الفوضى التي ضربت أطنابها في ليبيا الواقعة على الحدود الشرقية للجزائر تمثل تذكرة صارخة بالمسار الخاطئ الذي يمكن لفترات الانتقال السياسي أن تسلكه.
واشتد الحديث عن خلافة الرئيس بوتفليقة لقيامه برحلة طبية إلى جنيف في ابريل وبسبب صورة له نشرها على تويتر مانويل فالس، رئيس وزراء فرنسا، التي تتواجد بها جالية جزائرية كبيرة وتهتم اهتماما كبيرا بالجزائر التي كانت إحدى مستعمراتها.
ولم يشاهد بوتفليقة في مناسبة علنية منذ عامين عندما أدلى بصوته وهو على كرسي متحرك في الانتخابات التي فاز فيها بفترة ولاية رابعة رئيسا للبلاد. ومنذ ذلك الحين لم يظهر إلا في لقطات تلفزيونية قصيرة وهو جالس في العادة في استقبال كبار الشخصيات الزائرة مثل بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في قصر زيرالدا مقر إقامته.
ويرفض مسؤولو الحكومة والموالون بحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم ما يدور من شكوك حول صحة بوتفليقة، ويقولون للمطالبين بخلافته إنهم سيضطرون للانتظار حتى تنتهي فترة ولايته في عام 2019.
وقال عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، في لقاء حزبي "لن يتخلص أحد من الرئيس بصورة على تويتر. الرئيس بخير والبلد بخير والحزب بخير."
وقال أحمد أويحيى، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي المؤيد للحكومة، إن بوتفليقة يدير شؤون البلاد على ما يرام وإن الجزائريين كانوا يدركون حالته عندما أعادوا انتخابه عام 2014.
ولم يمنع ذلك قيادات المعارضة من الحديث عن الانتخابات المبكرة وعقد اجتماعات لتكوين جبهة موحدة ضد "فراغ السلطة". بل إن بعض الموالين لبوتفليقة نفسه يتحدثون الآن سرا عن تهيئة الأوضاع لرحيله في نهاية المطاف.
ويأتي الحديث عن الانتقال في وقت حساس أثر فيه انخفاض أسعار النفط على الأوضاع المالية للبلاد وتشهد فيه دولتا مالي وليبيا المجاورتان أعمال عنف وتسعى فيه الحكومة لجلب الاستثمارات للحفاظ على مكانتها كمورد رئيسي للغاز إلى أوروبا.
وقال علي بن فليس، زعيم المعارضة والمرشح السابق، "القضية الوحيدة هي إعادة سيادة الشعب عن طريق الانتخابات. فلم أكن بحاجة لرؤية تلك الصورة لمعرفة أن لدينا فراغا في السلطة."
والحياة السياسية في الجزائر مبهمة في كثير من الأحيان ويقول مراقبون إن صراعات على السلطة وراء الكواليس هيمنت عليها منذ الاستقلال ودارت حول المرشحين والسياسات بين كبار قيادات حزب جبهة التحرير الوطني وكبار رجال الأعمال المؤيدين للحكومة وقادة الجيش.
وحتى قبل إعادة انتخابه عمد بوتفليقة إلى القضاء على نفوذ جهاز المخابرات العسكرية القوي الذي لعب في أحيان كثيرة دور صانع الملوك بعد الاستقلال عام 1962 ، وعزز نفوذه خلال حرب التسعينات.
ويقول محللون إن سنوات الحرب الدموية ستجعل قادة الجزائر يمنحون الأولوية على الدوام للاستقرار على حساب أي نزاعات فئوية سواء في أي انتخابات مبكرة تجرى أو في عام 2019.
وقال المحلل السياسي أرسلان شيخاوي "الظروف والإطار القانوني لانتقال سلس مهيأة الآن. وسواء بانتخابات متوقعة أم لا كان هدف بوتفليقة الرئيسي هو ضمان حدوث تطور طبيعي في الجزائر لا ثورة."
ولايزال السؤال عمن سيخلف الرئيس دون إجابة. ويقول محللون إن هذا الجدال يمثل مجازفة بتأخير إصلاحات اقتصادية تسهم في حماية الاقتصاد من الانخفاض الحاد في أسعار النفط.
وحظي شكيب خليل الخبير السابق في البنك الدولي الذي تلقى تعليمه في الولاياتالمتحدة بترحيب جبهة التحرير الوطني منذ عودته إلى الجزائر هذا العام بعد أن أمضى سنوات في المنفى وسط حديث عن فضيحة فساد.
وقد نفى خليل - رئيس منظمة أوبك السابق - على الدوام ما تردد من اتهامات بحقه وأشار عمار سعداني الأمين العام للحزب الحاكم ومسؤولون تنفيذيون بقطاع النفط إلى إمكانية الاستفادة من خبراته في إصلاحات قطاع الطاقة.
وتقول وسائل إعلام محلية وشخصيات معارضة إنه يتهيأ فيما يبدو لترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة.
ويزور خليل أضرحة صوفية تعد مراكز دينية واجتماعية لها نفوذ كبير لاسيما في المناطق الريفية ويتحدث مع وسائل الإعلام ويقول إنه لا يريد سوى خدمة بلاده.
ويشكك من لهم مآخذ عليه في توقيت عودته. ويشير البعض إلى أن جولاته محاولة لرد اعتباره ويقول آخرون إنها لمجرد صرف الأنظار ويتساءلون عما حدث للتحقيقات في موضوع الفساد.
لكن خليل ومرشحين آخرين محتملين لمنصب الرئيس قد يستبعدون بموجب بنود الدستور التي تحظر ترشيح من عاش في الخارج لفترة طويلة أو تزوج بأجنبية.
ومن الأسماء الأخرى التي يقول المراقبون إنها قد تظهر من صفوف المؤيدين للحكومة أويحيى زعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي وسعداني من جبهة التحرير الوطني، اللذين يظهر تنافسهما علنا في كثير من الأحيان وكذلك رئيس الوزراء عبد الملك سلال بل وربما غريب على الساحة مثل الأخضر ابراهيمي مفاوض الأممالمتحدة السابق الذي زار بوتفليقة مرارا.
وتركز أحزاب المعارضة الضعيفة في مواجهة هيمنة حزب جبهة التحرير الوطني على ثلاثة من القيادات هم بن فليس الذي كان في وقت من الأوقات من رجال جبهة التحرير والسعيد سعدي مؤسس حزب ليبرالي يتركز على الامازيغ، والاسلامي المعتدل عبد الله جاب الله.
وخليل مثل بوتفليقة وكثير من رجال الدائرة المقربة من الرئيس من المنطقة الغربية في البلاد، ويقول محللون إن عودته كانت سببا في إيقاظ منافسات بين القيادات من الغرب والشرق ترجع إلى الفصائل التي كانت تحارب الاستعمار الفرنسي.
وفي العاصمة الجزائر تدور أيضا معركة قضائية على صحيفة ناطقة بالعربية بين الملياردير يسعد ربراب الذي ينتمي إلى الشرق وارتبط اسمه بحزب سعدي المعارض، وبين الحكومة التي يقول ربراب إنها تحاول الحد من نفوذه وسيطرته على الصحافة.
وقال ربراب - الذي سبق أن اشتبك مع الحكومة - في مقابلة في وسائل الإعلام المحلية إن من في السلطة يشعرون بالقلق ويحاولون إبعاده لانه ليس من زمرتهم.
وترفض وزارة الاعلام ذلك وتقول إنها اعترضت على سيطرة ربراب على الصحيفة ومحطة تلفزيونية لأسباب تتعلق بمكافحة الاحتكار والقوانين الإعلامية.
وقال مسؤول لرويترز إن القضاء سيفصل في الأمر. وأضاف "هذه قضية تجارية. ولا أفهم لماذا يقول ربراب إنها سياسة."