المغاربة اليهود، والمعروفين أيضًا باسم اليهود المغاربة، هم المغاربة الذين يعتنقون الديانة اليهودية، وعلى الرغم أن العديد منهم قد هاجروا، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بمعابدهم الدينية الأثرية، بالإضافة إلى الأحياء القديمة التي كانوا يعيشون فيها المعروف بالملاح. كان عدد المغاربة اليهود في حدود 250 ألف عام 1940، وكان ذلك الرقم يمثل نسبة 10 % من مجموع سكان البلاد، ثم بدأت بعد ذلك هجراتهم إلى مختلف بقاع العالم بما في ذلك إسرائيل، إلا انه ظل لديهم ارتباط بثقافة بلدهم الأصلي حتى بين أفراد الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين. الوجود اليهودي بالمغرب قديم، ويرجح عدد من الدراسات أن قدومهم إلى شمال أفريقيا جاء في أعقاب خراب الهيكل الأول في عام 586 ق.م، وتوالت بعد ذلك الهجرات. وكانت أقواها تلك التي جاءت بعد ظهور علامات النفي والترحيل والطرد لليهود والمسلمين من الأندلس في 1492 والبرتغال في 1497. ويوجد نحو 36 معبدا يهوديا في المغرب وعدد هام من الأضرحة والمزارات اليهودية في مختلف المناطق المغربية أشهرها في فاس (كنيس دنان)، الصويرة، وزان، مراكش، تارودانت، صفرو، وجدةوتطوان. وصدر قرار الدولة المغربية سنة 1976 بعدم إسقاط الجنسية المغربية عن اليهود المغاربة الذين هاجروا في المراحل السابقة، وبذلك يمكنهم العودة إلى بلدهم متى شاؤوا باعتبارهم مواطنين مغاربة.
التقديرات حول عدد المغاربة اليهود المقيمين حاليا داخل المغرب غير معروفة بدقة، 10 آلاف يهودي يتوزعون في المدن المغربية الرئيسية وبالذات في الدار البيضاء نصفهم فقط هو المقيم بشكل دائم في المغرب أما النصف الثاني فلديه إقامة ثانوية فقط في المغرب. في تقديرات أخرى وحسب تقرير صادر سنة 2010 عن منظمة أمريكية مهتمة بمراقبة الأديان وحقوق الأقليات في العالم تدعى منتدى بيو للديانة والحياة العامة - يشكلون - نسبة 0,2 في المائة، أي حوالي 70 ألف من مجموع المغاربة المحدد عددهم في حوالي 35 مليون نسمة.
لليهود في المغرب نشاط كبير سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي، فقد كان يشارك في السلطة المغربية عدد من اليهود نذكر منهم سيرج بيرديغو الذي كان وزيرا للسياحة، وكان للملك الحسن الثاني مستشار لشؤون الاقتصادية يهودي يدعى أندريه أزولاي والذي ما زال يشغل نفس المنصب في فترة حكم الملك محمد السادس، وفي عام 1986 تم تعيين النائب اليهودي في البرلمان جو أوحنا في البرلمان المغربي عن منطقة الصويرةوأمينا لصندوق رئاسة البرلمان. تاريخ دخلت اليهودية منطقة المغرب الأقصى في القرن الثالث قبل الميلاد، واستطاع اليهود الدخول إلى مناطق البربر في الجنوب من خلال التأثير المباشر بين الجماعات اليهودية والقبائل البربرية، واحترفوا كل ركائز الحياة الاقتصادية رعي وصناعة، علاوة على التجارة التي حققوا منها ثروات طائلة، خاصة تجارة الرفاهيات والرقيق، ولم يقبل اليهود على الزراعة مهتمين بمهن أخرى تدر أرباحاً سريعة ولا تحتاج للتوطين. وعلى صعيد الحياة الاجتماعية لم يكن المجتمع اليهودي في المغرب مجتمعاً منغلقاً على نفسه، كما هو شائع عن المجتمعات اليهودية، وإنما كان في اختلاط دائم مع سكان البلاد في حياتهم اليومية. بل كانوا يعيشون في ظل وجود نظام للجوار أو الحماية مع القبائل العربية والبربرية. فبعد دخول الإسلام للمغرب في أوائل القرن الهجري الأول ووعي اليهود بهذه السيطرة، دخلوا في حماية الحكام العرب والمسلمين منذ أوائل القرن الثاني الهجري. يهود المغرب اكتسبوا الكثير من عادات المسلمين بدليل أنهم في المدن المغربية كانوا يؤمنون بتعدد الزوجات، رغم أن هذا محرم في ديانتهم، أما اليهود في القرى والجبال، فقد تأثروا بالبربر واكتفوا بالزواج الأحادي. والدليل على ذلك ظهور مخطوط في مدينة مراكش يعود تاريخه إلى سنة ألف ميلادية يتحدث عن تحريم تعدد الزوجات.
أصول المغاربة اليهود كانت الغالبية العظمى من يهود شمال إفريقيا من مواطني المنطقة. كانوا منحدرين من أصول يهودية كانت قد هاجرت من أنحاء البحر الأبيض المتوسط منذ العصور القديمة. وقد شملت التجار اليهود الذين وصلوا مع الفينيقيين في القرن التاسع قبل الميلاد وقبائل البربر الرحل واللاجئين من محاكم التفتيش في شبه الجزيرة الأيبيرية والمناطق المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط وعلى وجه الخصوص شمال المغرب وإقليم وهران بغرب الجزائر الذي به أعداد كبيرة من الناطقين باللغة الأسبانية من اليهود الشرقيين في حين كانت تونسوالجزائر وطناً لليهود ذات الجذور الإيطالية من وسط الميدان التجاري ب "ليفورنو". في البلدان الثلاث كان السكان اليهود يتحدثون العربية واليهودية والبربرية اليهودية رغم أن هذه اللغات قد طمست إلى حد كبير تحت تأثير اللغة الفرنسية في تلك الفترة الزمنية المذكورة. كما كانت هناك أعداد أقل من المهاجرين الجدد من أوروبا.
المقبرة اليهودية في فاس قرب حي الملاح. ينقسم المغاربة اليهود إلى قسمين: المغوراشيم (ومعناها بالعبرية المطارد) وهم يهود الأندلس، الطشابيم وهم اليهود الأصليون الذين سكنوا المغرب قبل الفتح العربي الإسلامي، وكما يوحي اسمهم، فالزعم أنهم من أصل مشرقي، وأنهم أتوا للمغرب بعد سلب القدس من قبل تيتوس عام 70 قبل الميلاد أو حتى قبل ذلك، وبلا شك فقد وجد كثيرون منهم طريقهم إلى شمال أفريقيا مع التجار القرطاجيين، ويقال إن هناك استيطانا يهوديا في المغرب يعود إلى عام 320 قبل الميلاد، فيما جاء بعض منهم من الجنوب، ويسود اعتقاد لدى مؤرخين أفارقة بأن مملكة غانا القديمة كانت مملكة يهودية. وفي أي حال، فربما يكون كثيرون من التطشابيم من أصول البربر الذين تحولوا إلى اليهودية والتصقوا بديانتهم أكثر من المسيحيين البربر الذين صمدوا فيما يبدو إلى القرن الحادي عشر. ويظهر أنه كانت هناك، في زمن الغزو العربي الإسلامي الأول في بداية القرن الثامن، أعداد من الممالك اليهودية الصغيرة في الجزائر والمغرب؛ بما فيها واحدة تأسست في سجلماسة وثانية في منطقة الأوراس بالجزائر تحت قيادة ملكتها داهية الكاهنة التي قاومت الفتح الإسلامي لأربعة أعوام إلى أن قتلت في معركة، فيما تحالف إدريس الأول، أول حاكم مسلم في المغرب (788)، أولا مع السكان اليهود ضد مؤيدي الخليفة العباسي هارون الرشيد، ولكنه تحول لاحقا ضدهم. المغوراشيم هم اليهود الذين جاءوا من إسبانيا (الأندلس) والبرتغال بعد طردهم من قبل فرديناند وايزابيلا عام 1492 (رغم أن الكثير أتى في وقت سابق لذلك، عند سقوط كل مدينة أندلسية). وتقول تقديرات أن الجالية اليهودية في المغرب في ذلك الوقت تجاوزت 100 ألف فيما أتى نحو 25 إلى 30 ألفا من إسبانيا والبرتغال، ولا يزال كثير من هؤلاء يحملون أسماء أسرية لمدن أسبانية تعود أصولهم إليها، ومن الممكن ملاحظة أن يهود جبل طارق وكذلك معظم يهود مدينتي سبتة ومليلية، هم أيضا حفدة لأولئك الذين طردوا من إسبانيا. واستقر بعضهم في جنوى وشمال إيطاليا وذهبوا لجبل طارق بعد انتصار البريطانيين عام 1704 فيما أتى بعضهم من تطوان. ثم جاءوا من جبل طارق مرة أخرى إلى المغرب منذ عام 1840 وما تلاه. ولمعظمهم نفس الأسماء الأسرية التي يحملها رصفاؤهم الدينيون المغاربة. يهود الأندلس نزعوا في ذلك الوقت إلى الانعزال وامتلاك معابد منفصلة في المدن الكبرى بل والعيش في أحياء منفصلة سميت فيما عد بأحياء الملاّح.
التعايش مع المسلمين استقرت وضعية اليهود بالمغرب منذ الفتح الإسلامي وتزامن ذلك مع الاضطهاد الشديد الذي تعرضوا له بأوروبا بعد اعتناق ملك القوط للكاثوليكية وصدور مرسوم في سنة 700م يقضي باستعبادهم، حتى أنهم التحقوا بجيوش الفتح الإسلامي المتوجهة للأندلس من أجل العودة إليها، واستقرت وضعيتهم أكثر بعد قيام حكم الأدارسة بالمغرب حيث سمح إدريس الثاني لليهود بالإقامة والعمل في مدينة فاس، وكان للتسامح الذي لاقوه أبلغ الأثر في قصد المدينة من طرف يهود المغرب من مختلف الجهات. اكتسب اليهود بالمغرب وضعية أهل الذمة وهي وضعية أطرت سلوك المسلمين إزاءهم، فكان موقفهم قوامه عدم الاعتداء والتعامل في المعروف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليهود دينية أو قانونية أو وقفية أو قضائية. ومنح سلاطين المغارب للعديد من اليهود، كأفراد أو كقبائل، على ظهائر التوقير والاحترام. توزع اليهود بين مدنه التاريخية، بالإضافة لفاس، كمراكشوالصويرة. كما عمروا العديد من المدن الصغرى مثل صفرو (ضواحي فاس)، ودمنات (شرق مراكش)، ووزان، وتنغير (قرب الراشيدية). وكان اليهود يتجمعون في أحياء سكنية خاصة يطلق عليها اسم الملاح. وتشير المراجع إلى أن اليهود في مدينة الصويرة شكلوا في وقت من الأوقات أكثر من نصف سكان المدينة في سابقة فريدة من نوعها، حيث كانوا موزعين بين الملاح القديم والملاح الجديد. وكانت مدينة وجدة استثناء، حيث اختلط اليهود في نفس أحياء المسلمين، ولم يخصصوا ملاح خاص بهم. كما اشتهر الحي اليهودي بوسط المدينة القديمة بالدار البيضاء، وهي حارة كبيرة بها أكثر من 30 بيتاً، يعيش فيها العديد من المغاربة اليهود، وهو حي قديم محاط بالأسوار وله عدة منافذ، وكان قديما مخصصا لليهود، الذين هجروه فيما بعد.
في ظل حكم المرابطين، تقلد يهود الأندلس والمغرب مناصب رفيعة في الدولة، حصوصا المناصب الاقتصادية والديبلوماسية. وفي بداية دولة الموحدون عند دخولهم مدينة مراكش عام 1062، والتي أصبحت عاصمة لامبراطورية واسعة تمتد من المغرب إلى إسبانيا، مُنع اليهود من الإقامة فيها ليلا، وسبب ظهور بعض هذه السياسات هو الاختلالات التي كانت تطرأ في حالات الفتن والاضطراب في انتقال السلطة وتغير الدول،[1] لكن سرعان ما بدأ يهود أغمات، الواقعة على بعد 75 كيلومترا من مراكش، يتوافدون على مراكش للتجارة. فسمح لليهود بدءاً من القرن الثاني عشر بالإقامة في مراكش، فنمت جالية كبيرة فيها، واستمرت حتى بعد ظهور المرينيين. وباستقرار حكم المرينيين، لجأ العديد من يهود إسبانيا للمغرب واستقروا في أنحاء مختلفة منه، خاصة بعد أحداث عام 1431، عندما قامت أعمال شغب ضد اليهود وانتشرت في جميع أنحاء شبه الجزيرة الإيبيرية. وتواصلت موجات المهاجرين من أسبانيا طيلت القرن السادس عشر، في أعقاب عمليات طرد عام 1492، واستقروا في جميع أنحاء البلاد. وتنامى عدد السكان اليهود في فاس بقوة، وتم إنشاء أول ملاح في المدينة عام 1438. وبعد ولادة الدولة السعدية، ومنذ عهد المؤسس الأول للسلالة، انتهجت سياسة تتعامل مع اليهود بثبات ملحوظ، حيث عوملت الجاليات المحلية في المملكة معاملة حسنة،[2] وشجعت الهجرة إلى المغرب. وحصل بعض اليهود على مناصب هامة في البلاط، كما ساهموا بدعمهم في مواجهة القوات الموجودة على الحدود مع الجزائر. وكان انتصار المغاربة في معركة وادي المخازن أثر كبير على اليهود، حيث كان يعزم سبستيان ملك البرتغال في حال احتلاله للمغرب، بأن يقتل جميع اليهود بأرضها، وخَلَّف انهزام ملك البرتغال عند اليهود شعور بالامتنان لسلطان المغرب. ولليهود مزارات ومدافن مقدسة ومعابد في عدد من القرى الصغرى من تنفو في ضواحي زاكورة (جنوب شرقي المغرب)، إلى أوريكة (جنوبمراكش)، إلى وجان (ضواحي أغادير). واختار بعض منهم العيش في البوادي والمناطق الجبلية، ومنهم من عايش أمازيغ المغرب وأتقن لغتهم. وعلاوة على هؤلاء تعززت أعداد يهود المغرب بوصول عشرات الآلاف من اليهود النازحين من الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر بعد سقوط دولة بني الأحمر. وتوزع هؤلاء بصفة خاصة بين تطوان والرباط وفاس. واذا كان أغلب المغاربة اليهود، قد عاشوا حياة متواضعة، وامتهنوا الحرف التقليدية المختلفة، فان صفوتهم ارتبطت بالتجارة والمال والأعمال. بل وتؤكد دراسة لنيكول السرفاتي أن السلاطين الوطاسيين والسعديين والعلويين الذين تعاقبوا على حكم المغرب، على امتداد القرون الخمسة الماضية، اعتمدوا في مسائلهم المالية والتجارية والاستشارية على الخبرات اليهودية، رغم أن اليهود كانوا يشكلون أقلية في بلاد الإسلام.