لن يُسجل التاريخ الجزائري أية مكرمة لرجالات النظام، ولكن سيكون مليئا بالمخازي، وسيدون أسماءهم في الأبواب الأولى للفضائح، ويوجد اليوم وزير الطاقة سابقا شكيب خليل والملياردير عبد المومن رفيق خليفة، المعروفان بكونهما شخصين فوق القانون وبعيدين عن أية شبهات، في قلب فضائح مالية لن تُمحى من التاريخ السياسي والقضائي للجزائر. في قلب الفضيحة التي هزت الشركة الوطنية للمحروقات "سوناطراك" يوجد شكيب خليل. وهو لمن لا يعرفه الرجل القوي في الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الأولى من القرن الحالي. ويتابع خليل في قضية رشاوى هزت أركان الشركة المذكورة. ولم يقتصر دور هذا الرجل وغيره في الرشاوى بل إنه مسؤول رئيسي عن بيع خيرات الجزائر للشركات الأجنبية، وقد عرضت هذه المغامرات الاقتصاد الجزائري لهزات عنيفة منذ بداية 2009.
فقد كشفت تحقيقات عن وقائع تخص اختلاسات ورشاوى مريبة في مقابل منح عقود مربحة لشركات أجنبية. وما كان لشكيب خليل أن يكون في خضم هذا البحر من الكلام لولا التحقيق الذي أجراه القضاء الإيطالي، تحت إشراف النائب العام لميلانو حول ممارسات مشبوهة للشركة الإيطالية "سباييم". إثرها قرر القضاء الجزائري إصدار مذكرة توقيف دولية في حقه، وذلك سنة 2013، أي ثلاث سنوات بعد خروجه من الحكومة إثر تعديل وزاري.
وقدمت الشركة نحو 198 مليون دولار كرشاوى للوزير الوصي على القطاع ومحيطه، مقابل الحصول على عقود بقيمة 8 ملايير أورو في المجال النفطي بالجزائر.
ويوجد عبد المومن رفيق خليفة المسجون حاليا بالجزائر العاصمة بعد ترحيله من بريطانيا في دجنبر 2013، في قلب فضيحة مالية أخرى لا تقل عن تلك الملتصقة بسوناطراك. وكان سقوط خليفة بمثابة صدمة لجزء كبير من الجزائريين الذين كانوا يرون فيه رمزا للنجاح ومثالا يحتذى، في وقت كان البلد لم يضمد بعد جراح العشرية السوداء.
ففي أواخر تسعينيات القرن الماضي، أسس رفيق خليفة إمبراطورية يؤثثها بنك وشركة طيران وقناتان تلفزيونيتان، عمل بها 20 ألف موظف بالجزائر وأوربا. وكانت هذه المجموعة التي تمثلت كواجهة للنظام الجزائري، تستمد قوتها من تنشيط استثمارات وطنية بأسعار فائدة جذابة عبر خليفة بنك.
شكيب خليل ورفيق خليفة ليسا سوى كبشا فداء للنظام الجزائري. فاعتقال خليفة ليس شكلا من أشكال محاربة الفساد، ولكن تصفية حسابات داخل أركان اللصوصية بالنظام الجزائري وإلا لماذا يعتقل شخص كان واجهة تخفي استثمارات لأركان النظام؟
في كل بلدان العالم تتم سرقات واختلاسات بهذا الحجم وبغيره. لكن ما يقع في الجزائر هو سياسة نظام كامل. يوزع عائدات النفط والغاز على المؤامرة التي يشنها ضد المغرب وتمويل البوليساريو واللوبيات وقسم كبير يذهب لخزائن لا تصلها الأيدي باسم جنيرالات العاصمة وما تبقى من فتات يُصرف على الشعب المغلوب على أمره.
وإثر اكتشاف ممارسات اعتبرت "مشبوهة"، تدخل البنك المركزي للجزائر في نونبر 2002، من خلال منعه تحويلات (خليفة بنك) إلى الخارج، مما عجل بنهاية هذه المؤسسة المالية. وبعد أقل من أربعة أشهر من هذا المنع، تم توقيف مساعدين مقربين من رفيق خليفة بمطار الجزائر العاصمة وبحوزتهم 200 ألف أورو، مما أشر على بداية نهاية الإمبراطورية التي التصقت بها كل أنواع الممارسات الخاطئة. وقد تسبب انهيار هذه المجموعة العملاقة خسائر للمستثمرين وللدولة الجزائرية، تراوحت بين 5، 1 و5 ملايير دولار.