خلف "قمع" مناضلين مناهضين لمشروع استغلال الغاز الصخري في عين صالح (أقصى جنوبالجزائر)، غضبا عارما في أوساط الفاعلين السياسيين والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، المجمعين على التنديد باستعمال القوة ضد "الحركة الاحتجاجية المواطنة السلمية". واتخذ الوضع طابعا عنيفا، منذ أمس الأول السبت، حين قرر المواطنون محاصرة الشركة الأمريكية (هاليبرتون) الواقعة على بعد نحو عشرة كيلومترات عن مدينة عين صالح.
وتسببت المواجهات بين المحتجين وقوات مكافحة الشغب المكلفة بحراسة مقار هذه الشركة، والتي استمرت طيلة عطلة نهاية الأسبوع الأخير، عشرات الجرحى بين الجانبين، ضمنهم من حالاتهم خطيرة، وذلك في خضم توتر حاد طبعته السلطات بمحاولاتها فض اعتصام للمحتجين وسط (ساحة الصمود) منذ نحو الشهرين.
وفي بيان لها، ذكرت وزارة الداخلية الجزائرية، التي دعت إلى الحكمة والتعقل، أن المواجهات، التي عرفت "إخلالا بالنظام العام"، أدت، أمس الأحد، إلى إصابة 40 شرطيا وحرق مقر الدائرة، وكذا مقر رئيسها.
وحسب صحيفة (الخبر)، فإن "الطرفين دخلا في مواجهات مفتوحة في مختلف شوارع المدينة، طيلة نهار أمس، لدرجة أن عددا من عناصر الشرطة حوصروا عدة ساعات في أحد المواقع من طرف محتجين أكثر عددا منهم، واستعملت قوات التدخل من شرطة ودرك كميات ضخمة من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي".
وأوردت صحف محلية أن المناضلين بعين صالح تلقوا دعم مدن أخرى بالجنوب، لاسيما تمنراست وورغلة، اللتين تعبأتا للتعبير عن تضامن الساكنة مع الحركة المناهضة للغاز الصخري بعين صالح.
وردا على هذا التصعيد، عبر (قطب قوى التغيير)، الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، عن بالغ القلق ل"لتطورات الخطيرة" التي عرفتها عين صالح والتي قال إنه "حذر من وقوعها" سابقا.
وجدد القطب، في بيان له، "تنديده ورفضه اللجوء إلى استعمال القوة لمواجهة مطالب مواطنة مشروعة"، معتبرا أن مثل هذه الممارسات "تبين مرة أخرى وجود أزمة التواصل القائمة بين السلطة والمواطنين، وكذا فشل كل آليات استيعاب وحل مشاكل" الجزائريين.
ومن جهته، رأى رئيس حزب (جيل جديد)، سفيان جيلالي، أن "النظام انتقل إلى مرحلة أخرى من القمع في عين صالح"، متسائلا عما إذا كان من الصدفة نشر قوات الأمن مع الشروع في التنقيب عن الغاز الصخري في آبار أخرى.
وتابع جيلالي أنه "بعد النهب المنظم للثروات الوطنية، هاهي زمرة الرئاسة يبدو عنها وكأنها تخطط لإدخال البلاد في متاهات خطيرة جدا قد تمس بوحدة الوطن.. منذ عدة أشهر تحاول المعارضة لفت الانتباه إلى خطورة الوضع وخصوصا العواقب الوخيمة لخيار الغاز الصخري ولو على حساب الوحدة الوطنية".
وبدوره، عبر الرزاق مقري، رئيس (حركة مجتمع السلم) عن مخاوفه من أن تعرف الأيام القادمة "المزيد من الانزلاقات" ، داعيا السلطة إلى "تنظيم استفتاء حول استغلال الغاز الصخري في الجزائر كلها إن كانت تحترم الشعب وتطلعاته"، وفق صحف.
ودخلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان على الخط بإصدارها بيانا استهجنت فيه "ممارسة القمع" ضد المحتجين في عين صالح، "كوسيلة وحيدة تمتهنها السلطة لإخماد الاحتجاجات"، داعية إلى إطلاق سراح الموقوفين.
وكان رافضو الغاز الصخري في عين صالح الملتئمون في إطار تحالف، قد أشاروا، في بيان سابق لهم، إلى أن الشركة الوطنية للمحروقات (سوناطراك) قررت الاستمرار في أعمال الحفر بتسخير تعزيزات أمنية استثنائية لحماية شركة (هاليبرتون) المكلفة بالمشروع، من دون أي اعتبار لمخاطر ذلك على الصحة العمومية وعلى المحيط البيئي بما فيه الفرشة المائية الهشة أصلا.
ويأتي هذا البيان غداة رسالة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بمناسبة الاحتفال بذكرى تأميم المحروقات (24 فبراير)، اعتبر فيها أن الغاز الصخري "هبة من الله". ودعا إلى الاستفادة من الطاقات التقليدية وغير التقليدية والطاقات المتجددة المتوفرة في البلاد، مع الحرص على حماية صحة المواطنين والبيئة.
يذكر أن الشروع في أعمال التنقيب عن الغاز الصخري في أول بئر بعين صالح مع مطلع شهر يناير تسبب في احتجاجات محلية توسعت إلى باقي ولايات الجنوب، لمخاوف من أضرار صحية وبيئية قد تنجم عن المشروع.
ويتطلب استغلال بئر واحد من الغاز الصخري كمية كبيرة من المياه تفوق بكثير ما يتطلبه بئر تقليدي للنفط، مما سيجعل المنطقة معرضة لشح مائي حاد في حال شرعت (سوناطراك) في تنفيذ مخططاتها باستغلال 200 بئر سنويا لإنتاج 20 مليار متر مكعب من الغاز.
وتسعى الجزائر إلى الاستثمار في الغاز الصخري في ظل تراجع سعر النفط إلى أدنى مستوياته، على الرغم مما يلقاه المشروع من معارضة شعبية وكذا من قبل خبراء وإيكولوجيين.