الكتاب هو سلسلة محاضرات ألقاها ادوارد سعيد في إذاعة بي بي سي عام 1992م. ادوارد سعيد يرى المثقف شخص نخبوي، ذو رسالة، و لا منتم، ولا يكتسب رزقه من المعرفة، و ناقد للوضع الحالي، بغية إصلاحه، أو كما يصفه "منفي، هامشي، هاو، و مؤلف لغة تحاول أن تقول الحقيقة للسلطة".
يأتي الكتاب في 6 أبواب كان الباب الأول منها حول صور المثقف، وفيه حاول ادوارد سعيد توضيح صورة المثقف بتعديد صفاته، و ما خرجت منه في هذا الباب هو أن المثقف شخص يحمل رسالة ما، سواء قام بخدمتها أو لا، وقضية خدمة الرسالة هذه هي مثار الجدل دائما.
في هذا الباب أيضا وضح ادوارد سعيد هدفه من الكتاب، وهو أن انحراف المثقفين عن رسالتهم هي القضية التي دفعته لمناقشة هذا الموضوع، ولم يفته الإشارة على نخبوية طبقة المثقفين والتأكيد عليها بدءا من هذا الباب.
تعرض هنا أيضا لعدد من التعريفات التي وضعها بعض الكتاب وغيرهم للمثقف، وناقشها ليؤكد على انه لا يوجد تعريف محدد و ثابت للمثقف، وهو ما يصعب المهمة على مريدي تحديد وظيفة المثقف، ورسالته في المجتمع.
تركيز ادوارد سعيد على صفة يرى أنها الأهم للمثقف، وهي الحس النقدي، أي قدرة المثقف على النقد وانتقاد السائد اجتماعيا، وسياسيا، وحسب قوله عدم تقبله للصيغ الجاهزة، و الأفكار المختزلة، وليس هذا فحسب و إنما القدرة على الاعتراض علانية.
الباب الثاني جاء تحت عنوان ضبط الأمم والتقاليد في وضع حرج، وفيه أكد سعيد على أنه لا يوجد مفهوم محدد لمعنى أن يكون المرء مثقفا. ليؤكد على صعوبة تحديد مهامه والمفاهيم المتعلقة حوله، وتحدث عن علاقة المثقف بمجتمعه بدءا من لهجة الخطاب التي يجب أن تكون قومية، أي ليست ذات لهجة غريبة عن المجتمع، لان من يتبنى الإصلاح ويود إيصال رسالة لمجتمع ما، أول ما عليه الالتزام به هو لهجة الخطاب، والتي يجب أن تكون من نفس البيئة، وألا يستورد صيغا أو لهجات من أماكن أخرى.
هذه النقطة بالذات اعتقد أن كثيرا من مثقفي العالم الثالث لا يعونها، أو حتى لو عرفوا بها لا يطبقونها، جهلا بها، أو لانعدام وجود المعرفة الكافية بمجتمعاتهم، وانشغالهم ربما بتجارب غيرهم أنساهم ذلك، و أبعدهم عن المجتمع الذي يعيشون فيه، لذلك لا تلقى كثير من دعواهم أي صدى، وتقابل بالتجاهل لابتعاد أفكارها ولهجتها، حتى على بني قومهم، لذلك أكد المؤلف هنا على خصوصية كل مجتمع وأمة.
تحدث هنا عن معضلة كبرى تحدث دائما و هي خيانة المثقفين، وان المثقفين حسب تقسيم عالم الاجتماع ادوارد شلز، ينقسمون لقسمين، فهم إما سابحين مع التيار ومتكيفين مع الأمة، أو معارضين ومنتقدين (وأكد طبعا انه ليس الاعتراض لمجرد الاعتراض)، وهو الدور الأبرز الذي يؤكد عليه سعيد، وخطورة خيانة المثقفين على كل الأمم، هو وجود أمة من الناس تتبعهم أولا، خصوصا في حال تبريرهم للفساد الحاصل، والمظالم الني تقع عليهم، و إيجاد المبررات و الأعذار (والتي يكون إيجادها واختلاقها سهلا بالنسبة للمثقفين)، و ربما تشريع جميع ما تقوم به السلطات، وأنظمة الحكم من أخطاء، وهذه من المصائب التي تبتلى بها الأمم.
مهمة المثقف الأبرز لدى ادوارد سعيد هي التعبير عن رأيه المعارض، والمطالبة بحقوق شعبه و التذكير بها، والمظالم التي وقعت له، أو مازال تحت وطئتها، ولم يفته الإشارة على انه إضافة لذلك على المثقف أن يتملك الجرأة للحديث حتى حول الجرائم التي ارتكبها شعبه يوما، أو مازال يرتكبها! وهي المهمة التي اعترف بصعوبتها، ولكن دون تقليل من أهمية وجوبها.
الفصل الثالث تحت عنوان المنفى الثقافي مبعدون و مهمشون، أسهب في الحديث حول صفات المنفيين، وتحدث حول التغييرات التي تحدث للإنسان بسبب النفي، وكونه يعيش حالة وسط لا هو منتم بشكل كامل للمجتمع الذي يعيش فيه، ولا يستطيع التمسك بالانتماء لمجتمعه الأصلي البعيد عنه، وحتى المشاعر الداخلية والأحاسيس التي تمزق المنفي تحدث عنها ادوارد سعيد.