مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة وتولي مصطفى الرميد، عضو الأمانة العامة للحزب، وزارة العدل بدأت تتناسل الأسئلة حول دور الوزارة المذكورة ومدى حياديتها في كافة القضايا، وما هي ضرورتها أصلا وهل المغرب في حاجة إلى وزارة العدل؟ يقول ابن خلدون في المقدمة "العدل أساس الملك"، ولما كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها وكان هتلر يقصف بمدمراته، من طائرات وبارجات وداباباته، التراب البريطاني بحرا وبرا وجوا، سأل تشرشل مساعديه عن سير العدالة والقضاء في بريطانيا، وهل الناس ما زالت تحصل على حقوقها من المحاكم، فأجابوه أي نعم، فقال إن بريطانيا بخير وسوف تنتصر. القضاء أساس الملك ولا ينبغي المساس باستقلاليته وجعله عرضة لنزوات هذا الوزير أو ذاك أو الحزب وذاك. وينص الدستور في مواده المتعلقة بالسلطة القضائية على أن "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية. ولا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون ويمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط. ويجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة. ولايلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولاتصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون. ويجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها. ويسهرالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم. ويضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها". فنصوص الدستور التي لا تحتاج إلى تأويل كيفما كان توحي بأنه لاسلطة لوزير العدل على القضاة. فوزارة العدل بما هي رئيسة للنيابة العامة (المغرق بلغة الدارجة) يمكن أن تكون صارمة ومحايدة في إعطاء الأوامر ويمكن أن تحيد عن ذلك وتحابي المقربين منها، ويمكن أن تغطي على ملفات تتعلق بعناصر من الحزب الذي يتولاها أو يسيرها. وإذا كان وزير العدل لا سلطة له على القضاة باعتبار أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الذي يدبر شؤون القطاع فإن سلطته على النيابة يجعله موجودا في المحاكمة، أي يصبح الوزير طرفا في كل القضايا، على أساس أن المحكمة تتكون من قضاء جالس مستقل عن الوزارة وقضاء واقف تابع للوزارة. ولحل هذا الإشكال لا بد من أمرين اثنين لا ثالث لهما، فإما أن يتم إلغاء وزارة العدل ومحوها من الوجود، أو استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، كي تصبح الوزارة مكلفة بالشؤون الإدارية للقطاع فقط، تضبط الوثائق والرواتب وتهيء البنيات الأساسية للتقاضي، أما العملية القضائية فينبغي أن تكون مستقلة تمام الاستقلال عن الوزارة حتى لا تكون خاضعة لأهواء الأحزاب التي تتولى تسييرها، وقد تتحول في بعض الأحيان إلى أداة لتصفية الحسابات. ففي بريطانيا، التي تعد فيها الملكية برلمانية وهي النموذج الذي دافع عنه مصطفى الرميد يوم خرج مع حركة 20 فبراير، هناك مرتكزات للدولة لا يتم التفريط فيها وذلك من أجل تفادي السقوط في لعبة شد الحبل بين الأحزاب والتيارات، فالملكة هي التي تعين اللورد شيخ القوانين والتشريعات، وهي مرتبة فوق الوزارة ولا يتدخل رئيس الوزراء في تعيينه وذلك ضمانا لعدم خضوعه لنزوات الأحزاب.