السؤال المطروح على مصطفى الرميد وزير العدل والحريات اليوم هو : هل سيكون في مستوى السير بورش إصلاح القضاء، الذي أطلقه الملك محمد السادس منذ سنوات، إلى الهدف المرجو أو على الأقل وضع قطار الإصلاح على السكة؟ وماهو مفهوم الإصلاح لدى الرميد؟ وهل سيعتمد منهجية الضجيج التي اعتمدها وزراء العدالة والتنمية في قطاعات أخرى؟ إن موضوع العدالة هو أهم موضوع في تاريخ البشرية ولأجله وضعت التشريعات والقوانين. يقول ابن خلدون "العدل أساس الملك"، بمعنى ركيزته الأساسية وهو الذي يضمن استمرار الحياة بشكل طبيعي، ولما اشتد أوار الحرب العالمية الثانية وكان هتلر يقصف بريطانيا بقوات برية وبحرية وجوية سأل تشرشل مساعديه عن سير العدالة والقضاء في بريطانيا، وهل الناس مازالت تحصل على حقوقها من المحاكم، فأجابوه نعم، فقال إن بريطانيا بخير وسوف تنتصر. فهل سيدرك الرميد مغزى أن يكون القضاء جاهزا للإجابة عن أسئلة المواطنين ومعنى أن يكون مستقلا عن كل السلط بما فيها سلطة وزير العدل؟ ينص الدستور في مواده المتعلقة بالسلطة القضائية على أن "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية. ولا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون ويمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط. ويجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة، ولايلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون ويجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها. ويسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم. ويضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها". فإذا كان القضاء الجالس تابع لسلطة المجلس الأعلى للسلطة القضائية فإن قضاة النيابة العامة مازالوا تحت سلطة وزير العدل، هذه السلطة التي برزت للوجود كسلطة تحكمية في ملف قاضي طنجة الذي ظهرت فيه أيادي وزير العدل وبصماته ولو من خلال تصريحاته الصحافية التي أدانت القاضي قبل بدأ التحقيق معه. وبرزت النزعة التحكمية لوزير العدل من خلال تسريع وثيرة الأحكام الصادرة في حق "النهار المغربية" وتنفيذها في وقت قياسي، لم يعرف تاريخ المغرب القضائي واختار من بين 30 ألف حكم صادر الأحكام الصادرة في حق "النهار المغربية" قصد استنزافها. ونعتقد أن هناك إشكالا خطيرا من خلال رئاسة وزير العدل للنيابة العامة، التي هي جزء من المحاكمة، بما يجعل السلطة التنفيذية طرفا في عملية التقاضي من خلال التأثير على النيابة العامة. وبالتالي لابد من إيجاد حل للموضوع. والحل يمكن إما في استقلال النيابة العامة عن وزراة العدل واقتصار اختصاصات الوزارة على الشأن الإداري وتهييء الوثائق والرواتب والبنيات الأساسية للعملية القضائية من محاكم ومرافق مرتبطة بها، وإما إلغاء وزارة العدل من أصلها. ففي بريطانيا، التي كان يتباها بها الرميد يوم كان يخرج في حركة 20 فبراير، هناك بعض الركائز الأساسية لا يتم التفريط فيها حتى لا يصبح مصير المواطن بيد الحزب الحاكم، فالملكة هي التي تعين اللورد شيخ القوانين والتشريعات، وهي مرتبة فوق الوزارة ولا يتدخل رئيس الوزراء في تعيينه وذلك ضمانا لعدم خضوعه للنزعات الحزبية للأحزاب. واكتفى الملك الراحل الحسن الثاني بجملة مقتضبة ومقتبسة يوم كان يرد على مطلب الكتلة الديمقراطية تسلميها وزارة العدل فقد قال "العدل أساس الملك". اليوم نحن أمام منعطف حاسم بينت فيه الأحزاب أنها ليست مؤهلة للحياد التام وأن التوجهات الحزبية تتدخل للتأثير في القضاء بنسب مختلفة. وبعد تجارب حزبية في قيادة وزارة العدل لابد من عودة الأمور إلى نصابها ضمانا لاستقلال القضاء. وعودة الأمور إلى نصابها في نظرنا تقتضي استقلال قضاة النيابة العامة عن وزارة العدل أو إلغاء الوزارة ليتكلف المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن القضاة ويتم إلحاق باقي المصالح بوزارة أخرى.