اللحى أنواع وأشكال، لكن أبرزها اللحية السلفية "الخوانجية"، واللحية اليسارية الثورية. في تاريخ الأحزاب السياسية بالمغرب عرفنا قيادات ملتحية، فعلال الفاسي الزعيم الاستقلالي كانت له لحية خفيفة تؤطر حواف وجهه البيضاوي الشكل، وعبد الكريم الخطيب مؤسس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية عرف أيضا بلحيته التي كانت تشبه في الأول لحية علال الفاسي، وبعد أن تقدم به العمر صارت لحيته البيضاء قنفذية الزغب. أما علي يعته زعيم الشيوعيين المغاربة فكان حليق الشارب واللحية، بينما اشتهر ولداه التوأم ندير وفهد بشنبيهما الطويلين على الطريقة التركية. وسيخلفه على رأس الحزب ملتح آخر هو إسماعيل العلوي، بلحية مشذبة ومعتنى بها. ومن قيادات التقدم والاشتراكية الملتحين نذكر المرحوم شعيب الريفي الذي كان يحمل لحية قصيرة تملأ ذقنه فقط، كذلك الأمر يتعلق بمحازبه الآخر خالد الناصري قبل أن يستوزر ويتخلى عن لحيته اللينينية.
وكان أغلب اليساريين، ومنهم الاتحاديون: المهدي بنبركة وعبد الله ابراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي من حليقي الذقون، لا لحية ولا شارب. إلا أن عبد الواحد الراضي اشتهر بلحيته الذقنية وشاربه الخفيف وبين شفتيه الغليون. وسيحتار خليفته إدريس لشكر فيما سيفعله بوجهه، وكان في شبابه في فترة السبعينيات صاحب لحية يسارية، ولما تولى مقاليد الحزب كانت أولى قراراته الجذرية البحث عن "لوك" كاريزماتي، وهكذا اهتدى إلى إعفاء الشارب، قبل أن يعود ويحلقه بالمرة.
وتبقى اللحية ماركة مسجلة للإسلاميين، فجل قيادة حزب العدالة والتمنية وجناحها الدعوي في حركة الإصلاح والتجديد ملتحون، من سعد الدين العثماني وعبد الإله بنكيران وعبد الله باها ومحمد يتيم ومصطفى الرميد وأحمد الريسوني ومحمد الحمداوي ومحمد بوليف، وغيرهم. لكنهم لا تجمعهم لحية واحدة، كل له أسلوبه "اللحياوي" الخاص. حتى أن أحد المنشقين عن حزب "اللامبة" سيصدر مؤخرا كتابا هجائيا ضد إخوته القدامى بعنوان "الذئاب الملتحية". وسيحلق المصطفى الخلفي لحيته بعد الاستوزار، لتلائم هندامه الجديد، لكنه سيعفيها بين الحين والآخر وفق وتيرة هو وحده من يملك تفسيرها.
وكانت لزعيم العدل والإحسان الشيخ عبد السلام ياسين لحيته التي لا تخرج عن شكل الفقهاء السوسيين، وقد اقتدى به كثير من أتباعه تيمنا ببركاته.
لقد مضى عقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، الذي انخرط فيه الشباب عبر العالم في حركات "الهيبيزم" وانساقوا وراء أغاني البيتلز مقلدين لباسهم وشعرهم الطويل. ومضى عهد الحركات اليسارية الثورية التي قلد فيه الشباب الثائر الأممي ارنستو تشي غيفارا ورفيقه فيدل كاسترو، وخاصموا الحلاقين بتركهم ل"الشعكوكة" تعلن عن صفاتهم وأهوائهم المتمردة، وجاء زمن الحركات الإسلامية "الخوانجية" مزودة بأحاديث للنبي وللصحابة عن سنة إعفاء اللحية وحلق الشارب وأجر الثواب عن ذلك. إلى أن وصلنا إلى عهد وجوه زعماء وأعضاء "داعش" وحركات الجهاد التي توازيها، وجوه ينصح بأن لا تراها المرأة التي "تتوحم". وجوه قادمة من الجحيم وتبشر الناس بجنة النعيم..
"رطب" لحيتك يا من يقف متفرجا. زغب "داعش" يعشش كالديدان في القلوب "المغوفلة" للعقول الصلعاء الملحوسة..