في ما يلي نص البيان المشترك المغربي التونسي الصادر بمناسبة الزيارة الرسمية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى الجمهورية التونسية. "تجسيدا لوشائج الأخوة المغربية التونسية وللعلاقات العريقة والمتميزة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، وتلبية لدعوة كريمة من سيادة رئيس الجمهورية التونسية الدكتور محمد المنصف المرزوقي، قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ملك المملكة المغربية، بزيارة رسمية إلى تونس خلال الفترة من 30 ماي إلى 01 يونيو 2014. وقد كان جلالة الملك مرفوقا ، خلال هذه الزيارة ، بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد. وفي أجواء سادتها روح الأخوة والتفاهم، أجرى جلالة الملك وسيادة رئيس الجمهورية سلسلة من المباحثات تناولت العلاقات المغربية التونسية وسبل تعزيزها وتطويرها، فضلا عن تبادل وجهات النظر حول المسائل المغاربية والعربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وقد عكست هذه المباحثات تطابق وجهتي نظر البلدين بشأن هذه القضايا. وفي هذا الإطار، أكد القائدان على الأهمية التي يوليانها لمواصلة العمل المشترك للارتقاء بالعلاقات بين البلدين وإعطائها بعدا استراتيجيا على مختلف المستويات، وذلك من خلال تعزيز سنة التشاور بين الطرفين وإرساء شراكات فاعلة ومتكافئة تؤسس لأبعاد استشرافية ومستقبلية، في أفق تحقيق تكامل وانسجام يضمن الاستغلال الأمثل للإمكانيات الاقتصادية بالبلدين. وأعرب جلالة الملك وسيادة الرئيس عن عميق ارتياحهما للمستوى المتميز الذي بلغته العلاقات المغربية التونسية، وشددا على عزمهما الراسخ للعمل من أجل الارتقاء بمستوى التعاون الثنائي وإثراء مضامينه وتنويعه، بما يستجيب لتطلعات الشعبين الشقيقين ويحقق التقدم والنماء في البلدين، ويتيح إقامة علاقات متينة ونموذجية تكون رافدا أساسيا لمسار مسلسل الاندماج المغاربي. وأشاد سيادة الرئيس بما حققه المغرب الشقيق من إنجازات سياسية وتنموية رائدة، بفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، جسدتها مسيرة الإصلاح والتحديث، من خلال المقاربات الشاملة والمتدرجة، التي انطلقت منذ عدة سنوات، وآخر مراحلها اعتماد الدستور المغربي الجديد الذي حظي بإجماع الشعب المغربي خلال استفتاء الأول من يوليوز 2011. كما نوه سيادة رئيس الجمهورية بالإصلاحات العميقة والمهيكلة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس لتعزيز المسار الديمقراطي في المملكة المغربية وتكريس مبادئ وثقافة حقوق الإنسان، وإطلاق أوراش اقتصادية وتنموية كبرى من شأنها أن تحقق التقدم الاقتصادي والاجتماعي للشعب المغربي الشقيق. وأعرب سيادة رئيس الجمهورية عن تقديره للتجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، مؤكدا، سيادته ، اهتمام تونس بهذه التجربة وتطلعها إلى الاستفادة منها في سياق إرساء "هيئة الحرية والكرامة" وتأمين نجاح مسار العدالة الانتقالية في تونس.
وتأسيسا على المكانة الخاصة التي ما فتئ يوليها جلالة الملك للعلاقات الأخوية والتاريخية مع تونس الشقيقة، أكد جلالته على استعداد المغرب التام لمساندة تونس في استكمال مسار الانتقال الديمقراطي. كما أشاد جلالة الملك بالإنجازات الهامة التي حققتها تونس على درب الانتقال الديمقراطي الذي بلغ مرحلته الأخيرة، مثمنا، جلالته، نتائج الحوار الوطني الذي اعتمدته تونس وروح التوافق التي ميزت مسار المصادقة على الدستور التونسي الجديد الذي أرسى أسس دولة العدل والقانون وكرس الهوية الحضارية واستجاب لمتطلبات الانفتاح والحداثة، كما نوه جلالة الملك محمد السادس بانتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات واعتماد القانون الانتخابي، بما يهيئ مناخا ملائما لإجراء الاستحقاقات الانتخابية واستكمال المرحلة الانتقالية. وأكد القائدان حرصهما على الإعداد الجيد للدورة الثامنة عشرة للجنة الكبرى المشتركة خلال السداسي الثاني من السنة الجارية، ودعيا إلى اقتراح مبادرات جديدة تثري مضامين التعاون الثنائي وترسي برامج عمل محددة الأهداف والآليات، في ضوء النتائج الهامة التي تمخضت عن زيارة جلالة الملك لتونس، وتأخذ في الاعتبار أولويات المرحلة وحاجيات البلدين وإمكانياتهما، مع الدفع نحو الاستفادة من اتفاقية التبادل التجاري الحر الموقعة في مارس 1999 واتفاقية أغادير الموقعة في 25 فبراير 2004 ، وما تتيحه من فرص حقيقية لإحداث شراكات فاعلة ضمن منطقة التبادل الحر العربية المتوسطية. وثمن القائدان النتائج المنبثقة عن "المنتدى المغربي التونسي لرجال الأعمال" الذي التأم بمناسبة زيارة جلالة الملك لتونس. وإدراكا للدور الهام والمتنامي الذي يقوم به القطاع الخاص بالبلدين في دعم الجهود المشتركة لتطوير حجم المبادلات التجارية وفرص الاستثمار والشراكة في البلدين، أكد جلالة الملك وسيادة الرئيس أهمية انتظام انعقاد هذا المنتدى بالتناوب بين البلدين ومتابعة تنفيذ توصياته من خلال إرساء مقاربات جديدة لشراكة متكافئة ومتضامنة، إسهاما من هذا القطاع في تحقيق التنمية المنشودة والمنفعة المشتركة للبلدين. وفي هذا الإطار، شددا على أهمية دور القطاع الخاص في البلدين لإقامة شراكات اقتصادية ذات بعد استراتيجي لتوظيف الإمكانيات الاقتصادية المتاحة في البلدين على المستوى العربي والمتوسطي والإفريقي. ووعيا من قائدي البلدين بجسامة التحديات الأمنية الراهنة ومختلف المخاطر التي تحدق بالمنطقة، في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية، أكد جلالة الملك وسيادة الرئيس على أهمية تكثيف التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والمعلومات بين الأجهزة المعنية بالبلدين ومواصلة الجهود المبذولة، ثنائيا ومغاربيا وإقليميا، من أجل تطويق تداعيات هذه الظواهر الخطيرة والعمل على توفير الشروط الكفيلة بضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة المغاربية. وتجسيدا لحرص جلالة الملك وأخيه سيادة الرئيس على تعزيز وتوطيد البناء المغاربي، أكد القائدان تمسكهما باتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي، وجددا عزمهما على العمل مع بقية الدول المغاربية الشقيقة من أجل عقد القمة المغاربية بتونس، قبل نهاية سنة 2014 ، وفقا لما تم إقراره في الدورة 32 لمجلس وزراء خارجية دول الاتحاد المنعقدة بالرباط في 9 ماي 2014. وشددا على ضرورة الإعداد الجيد لهذه القمة حتى تكون محطة فارقة للدفع بمسيرة الاندماج المغاربي نحو مزيد من التكامل والتضامن بين دول المنطقة، وذلك من خلال إصلاح المنظومة الاتحادية، بما يتيح إقامة تكتل إقليمي متضامن، قوي وفاعل في محيطه العربي والإفريقي والمتوسطي والدولي ويحقق طموحات الشعوب المغاربية في الأمن والازدهار والعيش الكريم. كما أكد القائدان على الأهمية التي يوليانها لمواصلة تعزيز وتمتين أواصر الأخوة والتضامن بين الدول المغاربية وتكريس سنة التنسيق والتشاور البناء بينها، بما يرسخ أسس اتحاد المغرب العربي ويتيح له تجاوز العوائق التي تحول دون تفعيله. ولدى تطرقهما إلى المسائل المتصلة بحقوق الإنسان في بعديها الكوني والشمولي، أكد جلالة الملك وسيادة الرئيس على تبادل التجارب في مجال إصلاح وتحديث المنظومة القانونية والقضائية بالبلدين، بما يستجيب لمقتضيات ومبادئ الدستورين الجديدين لكل من المغرب وتونس ويتماشى مع الأهداف السامية التي كرستها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وشدد القائدان على أهمية دور مكونات المجتمع المدني في تعزيز وتوثيق العلاقات بين الشعبين والبلدين الشقيقين. وبخصوص تطورات الأوضاع في دولة ليبيا الشقيقة، أعرب جلالة الملك وسيادة رئيس الجمهورية عن انشغالهما البالغ بالأحداث الأخيرة وتداعياتها على أمن واستقرار هذا البلد الشقيق ودول الجوار، وأكدا على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية يحقن دماء الأشقاء الليبيين، كما أعرب القائدان عن دعمهما لإجراء حوار وطني يجمع مختلف الأطياف السياسية الليبية من أجل إيجاد حل سياسي توافقي للأزمة في ليبيا. كما جدد القائدان استعداد بلديهما لتقديم كل أوجه المساعدة والدعم لليبيا من أجل التوصل إلى معالجة التحديات التي تفرضها المرحلة الانتقالية في ليبيا، حفاظا على الوحدة الترابية والسيادة الوطنية لهذا البلد المغاربي الشقيق وضمانا لأمنه واستقراره. كما أعربا عن استعداد البلدين لوضع خبراتهما في كل المجالات رهن إشارة الشقيقة ليبيا لمساعدتها على بناء المؤسسات والقدرات وتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية حتى يتمكن الشعب الليبي الشقيق من تحقيق تطلعاته. من جهة أخرى، أكد القائدان دعمهما الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل استرجاع كامل حقوقه الوطنية المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ووجها نداء إلى المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته والإسراع بإيجاد حل عادل وشامل ودائم لهذه القضية، بما يكفل للمنطقة السلم والأمن ويحقق للشعب الفلسطيني مقومات الأمن والاستقرار والعيش الكريم. كما ثمنا اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية الذي تم توقيعه بين حركتي فتح وحماس، يوم 23 أبريل 2014 ، وأعربا عن أملهما في أن يسهم هذا الاتفاق في توطيد وحدة الصف الفلسطيني وخدمة قضيته العادلة. وفي هذا السياق، أشاد سيادة الرئيس الدكتور محمد المنصف المرزوقي بالجهود الخيرة والدؤوبة التي يبذلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل الحفاظ على هوية مدينة القدس وطابعها الحضاري العربي الإسلامي والتصدي لكل محاولات تهويدها وتغيير معالمها التاريخية، وذلك من خلال البرامج والمشاريع التي يشرف عليها بيت مال القدس. وبخصوص الوضع في سوريا الشقيقة، أعرب جلالة الملك وسيادة الرئيس عن تضامنهما الكامل مع الشعب السوري من أجل تحقيق تطلعاته المشروعة في الحرية والكرامة والديمقراطية، ودعيا إلى ضرورة تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها. وجدد القائدان دعمهما لكافة الجهود المبذولة لوقف نزيف الدم في هذا البلد الشقيق وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية يضمن احترام وحدة سوريا أرضا وشعبا. ووعيا بأهمية الجوار الإفريقي لدول اتحاد المغرب العربي، ولاسيما منطقة الساحل والصحراء، وبالنظر إلى جسامة التحديات الأمنية التي تواجه دول المنطقتين، أكد القائدان على أهمية المساهمة في إرساء مقومات التنمية المستدامة في منطقة الساحل والصحراء لتحقيق الأمن والاستقرار بها. ودعيا، في هذا الصدد، إلى المزيد من التنسيق لتطويق أنشطة الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة. وبمناسبة الزيارة الرسمية لجلالة الملك إلى تونس، عقد المجلس الوطني التأسيسي جلسة ممتازة، ألقى خلالها جلالة الملك محمد السادس خطابا جدد من خلاله التهاني إلى الشعب التونسي بما تحقق على درب مسيرة الانتقال الديمقراطي في إطار من الوفاق الوطني، وخاصة المصادقة على الدستور التونسي الجديد، وأكد جلالته استعداد المملكة المغربية لمواصلة وقوفها إلى جانب شقيقتها تونس في استكمال ما تبقى من مسار الانتقال الديمقراطي وتركيز مؤسساتها الدائمة، كما قدم جلالة الملك رؤيته بخصوص" نظام مغاربي جديد"، يتطلع نحو المستقبل ويقوم على أساس مقاربة بناءة تستجيب للانشغالات الأمنية وللضرورات الاقتصادية و تحقق طموحات الأجيال الحالية والقادمة. وقد خص صاحب الجلالة الملك محمد السادس السيد مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية، باستقبال أكد خلاله لجلالته الحرص على تمتين العلاقات التونسية المغربية وتميزها. كما جدد السيد رئيس الحكومة بهذه بالمناسبة عزم الجمهورية التونسية على مواصلة تعزيز وتوطيد مختلف مجالات التعاون الثنائي مع المملكة المغربية، بما يضمن الارتقاء بعلاقات البلدين إلى مستوى نموذجي ولتكون هذه العلاقات دعامة رئيسية لتفعيل اتحاد المغرب العربي.
وخلال هذه الزيارة، تم تنظيم حفل رسمي بإشراف صاحب الجلالة وأخيه سيادة رئيس الجمهورية، شهد التوقيع على اتفاقات وبرتوكولات وبرامج تنفيذية بين البلدين تتعلق خاصة بالمجالات الاقتصادية والصناعية والمالية والأمنية والثقافية والسياحية والنقل والبيئة والبحث العلمي وتكوين الأطر والتعاون بين الأكاديمية والمعهد الدبلوماسيين، فضلا عن الشراكة بين الفاعلين الاقتصاديين والقطاع الخاص في كلا البلدين. وفي ختام هذه الزيارة، أعرب صاحب الجلالة الملك محمد السادس لسيادة رئيس الجمهورية الدكتور محمد المنصف المرزوقي وللشعب التونسي الشقيق عن شكر جلالته وامتنانه العميقين على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، وجدد جلالته تمنياته لتونس، قيادة وحكومة وشعبا، باطراد التقدم والازدهار والرخاء".