ميغيل آسين بلاثيوس Miguel Asin Y Palacios مستشرق إسباني، ولد في سرقسطة، وتخرج في معهدها الديني. وتلقى العربية على يد ريبيرا الذي يعد واحداً من أبرز علمائها في إسبانية، ثم نال درجة الدكتوراه من جامعة مدريد عام 1896. ثم اختير عضواً في الأكاديمية الملكية الإسبانية للعلوم الأخلاقية والسياسية. اهتم بلاثيوس بدراسة الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي، فانكبّ على دراسة أعلام الفلاسفة والمتصوفة، ورسالته الأكاديمية الأولى كانت عن العقيدة والأخلاق والتصوف لدى الغزالي (1901)، كما كتب عن الفيلسوف الأندلسي ابن باجّه، وكتب خطاباً ألقاه في حفل استقباله عضواً في مجمع العلوم الأخلاقية والسياسية في مدريد عن ابن مسرّة[ر] (متصوف متفلسف من أهل قرطبة ت 319ه) ومدرسته الفكرية ومذهبه (1912).
وعني بلاثيوس بمحيي الدين بن عربي عناية شديدة، فنشر عنه سلسلة دراسات منوعة. وترجم إلى الإسبانية كتاب «الأخلاق والسلوك» لابن حزم (مدريد 1916)، ثم صنف كتاباً في ابن حزم، ونشر له «الفصل في الملل والنحل» متناً وترجمة إسبانية، مع تحليل لنقده الأفكار الدينية (مدريد 1927). ونشر غير ذلك كثيراً من إنتاج العلماء العرب المسلمين في الأندلس. ولعل انخراطه في السلك الكهنوتي كان دافعاً له إلى دراسة النواحي الدينية لدى بعض المفكرين المسلمين.
اتصف بلاثيوس، في جلّ ما كتبه، بروح عالية من الإنصاف والرغبة في البحث عن الحقيقة، حتى لو كان ذلك خروجاً على ما استقر في عقول الناس من حوله في بعض القضايا الفكرية. فالمعروف أن الفيلسوف العربي ابن رشد قد تعرض لحملات تشهير ونقد متعددة، من الباحثين المسلمين والمسيحيين على السواء، فجاء بلاثيوس فانكبّ على دراسة فكر ابن رشد ومؤلفاته في محاولة لتبرئته مما كان يُرمى به بوضعه الدين في خصومة مع الفلسفة، وانتهى بلاثيوس إلى أن ابن رشد براء من هذه النظرية، بل إنه حاول في أبحاثه التوفيق بين الدين والعقل، أما القول بالحقيقتين، الدينية والفلسفية، فيمكن أن يؤخذ من آراء ابن عربي لا ابن رشد.
ولكن العمل المهم الذي كان له صدى كبير في البحوث المتصلة بعلاقة الفكر الإسلامي بالفكر الأوربي، كان كتابه «الأصول الإسلامية للكوميدية الإلهية» لدانتي، أو «الأخرويات الإسلامية في الكوميدية الإلهية»، وقد كان هذا العمل إنصافاً للفكر الإسلامي وتأكيداً لأصالة تأثيره في الفكر الأوربي. كما كان هذا العمل موضوع الخطاب الذي ألقاه في المجمع اللغوي في مدريد عند انضمامه إليه عام1919، ونشره في العام نفسه، وأعيد طبعه سنة 1943، وتُرجم، تقديراً لأهميته وما أثير حوله من جدل، إلى لغات أوربية عدة. وقد اكتسب كتابه هذا أهميته لأنه يجرد «الكوميدية الإلهية» من كثيرٍ مما علق بها من القداسة، وهي التي كانت توضع في مصاف القمم الشامخة من إنتاج مفكري العالم وأدبائه.
فجاء كتاب بلاثيوس فأنزل كتاب دانتي من عليائه، وأخذت هذه الملحمة، على روعة أسلوبها، تتجرّد من أصالتها، فقد أثبت بلاثيوس أن الكوميدية الإلهية ليست أكثر من صدى لما جاء في بعض الأدبيات الإسلامية، ولاسيما قصة الإسراء والمعراج، ورسالة الغفران للمعري، وإعادة صياغة لها، إذ اقتفت الكوميدية الإلهية خطا هذين العملين الإسلاميين خطوة خطوة، فالبداية واحدة، والمواقف تتشابه، وتسلسل الأحداث هو نفسه. ولم يكتف بهذا العمل، بل وضع كتاباً آخر مستقلاً متصلاً بهذا الموضوع نشر بعد وفاته عنوانه «قصة المعراج والكوميدية الإلهية»، فكأنما أراد أن يلقى وجه ربه وهو على يقين من أن الناس في أوربة باتوا يشكّون في أصالة الكوميدية الإلهية، ويرونها فكرة إسلامية بلغة لاتينية.
واستمر الرجل يتابع دراساته المثيرة هذه، وقد كشف في سياق بحثه عن بعض الجوانب المهمة في العلاقة بين الفكر الإسلامي والأوربي، وكان من ذلك بحثه الذي كشف فيه سرقة الراهب الفرنسيسكاني تورميد (1362-1423م) لرسائل من «إخوان الصفا» ونسبتها إلى نفسه. ومن الأعمال التي تدل على رغبة هذا المستشرق في إنصاف العرب المسلمين عنايته بدراسة الأسماء العربية للبلاد الإسبانية، ومحاولته تعرّف نظائرها الحالية في إسبانية.