في عز الازمة التي تعصف بسوريا وبوحدة الشعب هناك، يطل علينا المفكر المغربي ادريس هاني من خلال مقال يحكي فيه تفاصيل اللقاء الذي جمعه ووفد داعم لصمود "سوريا في مواجهة العدوان الإمبريالي والصهيوني والرجعي والإرهاب" مع الرئيس السوري بشار الاسد، وهو اللقاء الذي يسلط الضوء على الكثير من مساحات العتمة التي تلف الصراع بين النظام السوري وما يسمى بالمعارضة والجيش الحر، الذي تسيطر عليه مجموعات متطرفة من "جبهة النصرة" وباقي التنظيمات الجهادية المدعومة من تركيا وبعض دول الخليج وامريكا.. مقال ذ. ادريس هاني جدير بالقراءة لما يتضمن من معلومات ووقائع تسير في الاتجاه المعاكس لما الفه الرأي العام العربي والعالمي من اخبار وأفكار يروّج لها الاعلام والقنوات التلفزية، التي تسيطر عليها الدول المناهضة للنظام السوري، كما ان المقال يكشف عن شخصية الرئيس الاسد ومواقفه من مجموعة من القضايا ومنها موقفه من المغرب ووحدته الترابية، حينما قال انه لا يحمل اي ضغينة او حقد تجاه المغرب والمغاربة، رغم قطع العلاقات المغربية السورية بمجرد وصول اسلاميي العدالة والتنمية إلى تدبير الشأن العام بالمغرب، ورغم الاخبار التي تتحدث عن وجود مئات المغاربة المحسوبين على السلفية الجهادية وبعض الموالين في صفوف جبهة النصرة التي تخوض حربا بالوكالة في الشام، فإن الرئيسس السوري يبدو غير منزعج من هؤلاء كما عبر عن ذلك بالقول " لا يوجد أي موقف، لدينا هنا من هؤلاء(يقصد المتطرفين) أكثر مما عندكم". بقي ان نشير إلى ان نظام الاسد بسوريا يقي وفيا لموقفه من قضية وحدتنا الترابية رغم علاقاته القوية مع كل من ايران وروسيا والجزائر، وقد استغل خصومنا حدث قطع العلاقات المغربية السورية بعد تولي سعد الدين العثماني حقيبة وزارة الخارجية والتعاون، فقام وفد من البوليساريو بزيارة لسوريا إلا ان بشار الاسد لم يغير موقفه ورفض الإنسياق وراء دعواتهم الانفصالية مفضلا الابقاء على علاقات الاخوة والصداقة التي تربط سوريا بالمغرب...
بعد انتهاء فعاليات اللّقاء التضامني "لدعم صمود سوريا في مواجهة العدوان الإمبريالي والصهيوني والرجعي والإرهاب"، الذي جرت وقائعه في قاعة المؤتمرات بالغولدن تيليب ببيروت، اجتمعنا صباح يوم السبت 12 أكتوبر 2013م في بهو الفندق لنستقل بعد ذلك حافلة مخصصة لنقل الوفد والتوجه إلى دمشق. كانت الرحلة جماعية ضمّت شطرا من أعضاء الأمانة العامة للتجمع. دخلنا الشّام المحروسة ولا شيء يوحي بأنّها غير آمنة. تذكرت قبل يومين من ذلك التّاريخ خبرا قرأته في جريدة الشرق الأوسط وأنا على متن الطائرة يوم الخميس، العاشر من تشرين الأول، بأنّ الجيش الحرّ يسيطر على الحدود من درعا إلى الجولان. وهو خبر وضع في الواجهة ليوحي بأنّ سوريا باتت تحت رحمة الجيش الحرّ. غير أنّ سوريا في الواقع ليست هي سوريا في استوديوهات القنوات العربية المعادية لسوريا. هنا تبادلنا مع زملائنا عشرات الطرفات والنكات وضحكنا على هذه المهزلة الإعلامية. إنّ الإعلام العربي الذي تهيمن عليه بعض الدّول الخليجية يمعن في التلبيس والمبالغة. وقد ابتعد كثيرا عن الأخلاق المهنية في تغطية الأحداث السورية. يذكّرني هذا في بدايات الأزمة السورية حين شاركنا في إحدى الوفود المتوجّهة إلى دمشق، كان الإعلام يغطي مناطق يعتبرها في حكم المناطق السّاخنة في حين كنّا نتجوّل فيها في أقصى الليل من باب السياحة. ولعلّه من الطّرافة أنّ الإعلام نفسه تحدّث مؤخّرا عن سقوط صواريخ في منطقة أبي رمّانة بدمشق بأسلوب يوحي بأنّ الجيش الحرّ على وشك احتلال دمشق، في الساعات نفسها التي كنّا نتحدّث فيها مع بشّار الأسد ونحتسي الشّاي والعصير ونضحك أحيانا ولم نسمع بتلك الأخبار إلاّ بعد أن غادرنا الحدود السورية. أمّا عمّا يروج في الإعلام من أنّ حرس السيد الرئيس هو من قوات خاصة لحزب الله أو من الضباط العلويين، فلقد رأينا حوله من كلّ الطيف السوري حيث نستطيع أن نميّز بين سحناتهم. على طريق دمشق كانت أسراب السوريين العائدين إلى سوريا تملأ الممرات والطرقات. وبين الفينة والأخرى تلمح جنودا من الجيش العربي السوري في تموقعاتهم الاستراتيجية في الهضاب والمرتفعات مما يوحي بأنّ الجيش العربي السوري يسيطر على المنافذ الأساسية داخل سوريّا. التفت إليّ صديقي النائب في البرلمان الكويتي وقال: لنأخذ لنا صورة نبعثها لخصوم سوريا ولنقول لهم: إننا ندخل سوريا من أبوابها ولسنا مثلهم ندخلها متسللين مثل اللّصوص والمجرمين. وهو يقصد بالتأكيد النائب المتطرف وليد طباطبائي الذي رئي داخل أطراف حلب يساند تنظيم النصرة التابع للقاعدة. نعم، دخلنا الشّام فعلا برؤوس مرفوعة ومن أبوابها و( خبطة قدمنا ع الأرض هدّارة) كما غنّت فيروز، و (منتصب القامة أمشي مرفوعة الهامة أمشي) كما غنّى مارسيل خليفة. لم نر أثرا للخفافيش وجحافل التدمير والقتل الممنهج. لا يوجد في الواجهة سوى الجيش العربي السوري وشبابه الذين كنّا نتبادل وإيّاهم إشارات النصر على طول الطريق المؤدّي إلى دمشق المحروسة. وما هي إلاّ لحظات حتى التفّ بنا الباص لنعرّج باتجاه قصر الشّعب.
في قصر الشعب
لم نتوغل كثيرا في ممرات القصر، حتى وجدنا السيد الرئيس الدكتور بشّار الأسد في انتظارنا منتصب القامة شامخا. استقبلنا بحفاوة وتواضع وابتسامة لم تبرح محيّاه. كلّ ما هناك يوحي بالهدوء والصمت والطمأنينة. تقدّم الوفد لمصافحة السيد الرئيس. لم أكتف بمصافحة عادية. لقد سلمت عليه سلاما حميميّا من الوجه ثم قبلت جبينه. كنت أخشى أن يكون واجدا في نفسه على المغاربة لا سيما بعد الذي تناقلته وسائل الإعلام عن وجود ما يقارب 1200 متطرّف مغربي منخرط مع النصرة في القتال داخل الأراضي السورية. أو واجدا من حركات غير قانونية لكوادر من حزب المصباح، الذي تصرّف حيال الأحداث في سوريّا من منطلق الحقد التّاريخي والتخندق في رهان مشروع انتقامي قديم للإخوان المسلمين جيّره بلغة دبلوماسية وسياسية ذات طابع تضامني أقليمي ودولي، حيث دخلوا التراب السوري بطرق غير قانونية انطلاقا من الحدود التركية التي تسيطر عليها المخابرات التّابعة لأوردوغان وعصابات النّصرة. قلت له: لا تؤاخذونا بما فعل المخطئون منّا. ضحك الأسد. لقد ألفيته شخصا ناعما جدّا. سوف أقول له أثناء كلمتي بأننا لا نجد لدى الرئيس سمات أو كراكتير المستبد خلافا لما سعت وسائل الإعلام إلى ترويجه. كان الرئيس واثقا مما يقول. لا يوجد أوضح منه في فهم وتحليل جوهر الصراع الدائر حول سوريا. إنّه على قدر هائل من المرونة. عميق الفكرة. واضح العبارة. مستمع جيد. مثقف سمح قائد حازم. باختصار هنا تستطيع أن تقرأ في ملامح الرئيس كلّ قواعد وفنون القيادة الحكيمة. استمرّ اللقاء مع الرئيس الأسد لمدة أربع ساعات. وهو شيء ناذرا ما يحصل في البروتوكول الرئاسي.كانت الجلسة مغلقة وطويلة إلى حدّ اعتبرناها شبه مؤتمر بحضور الرئيس الأسد.كانت رغبة الأسد منذ البداية أن يكون الحديث صريحا وطبيعيا ومفتوحا من دون قيود. لا توجد فراغات ولا شيء غير قابل للفهم. لقد راكم الأسد خبرة كبيرة. وأنا أتأمّل أجوبته العميقة استحضرت كل أحكام القيمة التي روّجها الإعلام العربي الخصيم لسوريا، لا سيما حينما كان الكل يملك أن يقول ما شاء في الأسد حتى أراذلنا. أذكر أحد المتحاملين على الأسد في بلادنا من سلالة التنظيم "السّروري" الذي يقود الحكومة الملتحية، حين نعت الأسد ، في تعليق على كلمة الرئيس في البرلمان في بداية الأزمة السورية، بالغبيّ. يومها تملّكني إحساس بالضّحالة. أي غباء أن نصف بالغباء بطلا أدار أكبر معركة مصيرية ضد نصف العالم ؟ هذا لا يقلّ غباء من أحد أبناء هذه النحلة نفسها من الذين وصفوا سيد المقاومة بالحقارة. وهؤلاء ظواهر صوتية رديئة لا تعي ما تقول. فأكبر جنرالات إسرائيل وواشنطن والعالم لا يمكنهم أن يصفوا بطلا في معركة أسطورية بأنّه حقير. إنّه قصاراهم أن يصفوه بالعدوّ الخطير. وهذا وصف يناقض في اللغة معنى الحقير. لأنّ العرب تعتبر الأمر الكبير خطيرا والأمر الهين حقيرا.فكيف يكون خطيرا وحقيرا في الوقت نفسه؟ هذا تناقض لغوي ومنطقي.
لقد وجدناه رئيسا خبيرا ومثقفا وفائق الذّكاء. قلت لصديقي على سبيل المداعبة، حين سألني بعد اللّقاء عن انطباعي الشخصي حول الرئيس الأسد، قلت له: حينما كان يحلّل بعض القضايا تحليلا فكريّا نسيت أنّه رئيس دولة واعتقدت أنّه مفكّر صاحب مشروع فكري وطمعت في أن أطلب منه دراسة ننشرها في مجلّتنا. ولقد كان بالفعل كذلك، شخصا مثقّفا لم نلمس منه حديثا خارج سلطة المفاهيم.قلت في نفسي: ترى، هل هذا هو الرئيس بشّار الأسد؟لقد اعتقدنا يوما أنّه سليل المجتمع المدني وأنّه طبيب عيون لا عهد له بالسياسة والحرب. ربّما كانت صورة المرحوم باسل الأسد طاغية حينئذ، لمّا تناهى إلى مسامعنا في ذلك اليوم من تسعينيات القرن الماضي خبر مقتله في حادثة سير مروعة.لكن الصورة بدأت تتّضح شيئا فشيئا. فلقد كان بشّار الأسد صديقا للشعب واستشعر نبضه ودخل في مغامرة الإصلاحات وله الفضل في تحويل سوريّا إلى عالم المعلوماتية. أخذ الرئيس مكانه وحيّانا جميعا بدماثة، وعقّب الأمين العام للتجمع الدكتور يحيى غدّار بالحديث عن موقف سوريا الصامد ضد العدوان ونوّه بموقف القيادة السورية بتّشبتها بالقضية الفلسطينية كمحور للصراع وأيضا في عدم الرضوخ والاستسلام للعدوان. كما تحدث عن اللقاء التضامني للتجمع ببيروت.كانت لدى المشاركين مداخلات وتساؤلات ملؤها الإشادة بموقف الرئيس بشار الصامد في وجه العدوان سادها الكثير من المديح والتساؤل حول موضوع النسيج الاجتماعي وحماس والكيماوي وتركيا والمصالحة وغيرها. وقد أجاب الرئيس على تلك التساؤلات التي سنقدّم أهم ما تناوله الرئيس الأسد منها جوابا على تساؤلات الوفد، قبل أن أتناول كلمتي للسيد الرئيس وجوابه على بعض التّساؤلات التي وردت في هذه الكلمة. لقد ذكر الأسد جملة من الأمور غاية في الأهمية نجملها فيما يلي:
أثر الحرب على النسيج الاجتماعي
يقول الأخ الرئيس بشّار الأسد جوابا على تساؤلات وردت حول ما إذا كانت هذه المواجهة سيكون لها انعكاس على النسيج الاجتماعي السوري؟ قال بأنّ النسيج الاجتماعي العربي هو في الأساس مصاب بالتّصدّعات. فلقد لعب الغرب على هذا العامل وكنّا من جهتنا كعرب قد ساعدناه على أنفسنا، فازداد التصدّع أكثر. يجب أن لا نعلّق المشكلة فقط على العامل الخارجي. إن الحل في نظر الرئيس الأسد ثقافي واجتماعي لكن أساسه سياسي. وبالتّأكيد إذا كان الحلّ مثل لبنان أو العراق ضاعت الدّولة. ثم أكّد على أهمية ودور رجال الدين في حماية الوحدة الوطنية ومواجهة مخاطر الحرب الطائفية. مؤكدا أنّ ما يقارب 60 شيخا سنّيّا قتلوا في هذه المعركة بسبب موقفهم الوطني.على أن الشيخ البوطي دفع ثمن موقفه الوطني وليس الطائفي. وأشار الأسد إلى عدم وجود نزوع طائفي في سوريا. إن السوري يخجل من أن يسأل الآخر عن دينه أو طائفته. ولدحض تهمة الطائفية عن الدّولة السورية، ذكر أنه أيام الوحدة وقبل حكم حزب البعث قامت الاستخبارات السورية بإحصائية فوجدت أن هناك 55 في المائة من الجنود هم علويون.وهذا صحيح، فالأسد هنا يستحضر حادثة تاريخية لها علاقة بوضعية العلويين الاجتماعية لا بأس بتوضيحها. لقد كان العلويون أقل حظّا من النّاحية الاقتصادية. فكان الجيش هو فرصتهم الأخيرة لتحسين أوضاعهم. ولذا في سنة 1955م قام رئيس شعبة الاستخبارات السورية عبد الحميد السراج باستطلاع أكد فيه على أنّ 55 في المائة من ضباط الصّف في الجيش السوري هم من العلويين. وكانت ثلاثة وحدات من أصل ثماني وحدات المكونة للجيش السوري من العلويين في أيّام الانتداب.وهذه حقيقة تاريخية تظهر أنّ قضية وجود العلويين بهذا الحجم في الجيش السوري راجع إلى أوضاع سوسيولوجية وليست من افتعال الأسد. لقد كانت لفتة الأسد إلى هذه الحادثة أمرا مهمّا. وذلك حين علل المسألة بالهجرة من الريف إلى المدينة. واعتبر الأسد بأنّ لرجال الدين دورا مهما جدّا في مواجهة الخطر على سوريا واعتبرهم من النخب أيضا. وذلك نظرا لأنّنا مجتمع محافظ في نهاية المطاف. لكنه تطرّق إلى مشكلة الإصلاح الديني واعتبر أنّ الأزمة في الخطاب الديني ترجع إلى غياب علوم العقل. وقال بأنه إذا لم نكرس الفكر والفلسفة فلن يكون هناك عقل في الدّين ولا عقل في القومية.وقد تبنى الأسد هاهنا شكلا من النقد المزدوج حيث اعتبر أنّ الدين والقومية في العالم العربي كلاهما كان انفعاليا. وهو ما يقتضي نخبا حقيقية.
بالنسبة إلى مؤتمر جنيف 2، قال الأسد بأنه لا يعتقد أنه سينعقد.فقد تساءل أن النظام جاهز لكن من سيكون الطرف المقابل يا ترى؟فأما الجماعة التي تمّ تشكيلها في الخارج فلا توجد لها في الداخل أرضية. يقول بأن القيادة السورية لها وجود في الداخل ونفوذ داخل الشعب، فلم لا يأتون ويروا إن كان لهم نفوذ أو أي موقع إن كانوا يزعمون أنّ لهم مناطق محررة فليأتوا إليها إذن. فهم أقنعوا أنفسهم بالكذب.وقد أكد الأسد على أنّ صلابة الدولة هي من صلابة الشعب. وضرب مثالا عن تضحيات الشعب السوري، بذلك السوري الذي له 11 ابن قتل منهم 9 ولا يزال يؤمن بمواجهة العدوان.ويقول بأنهم يقدّرون ظروف الأسر الحالمة والواقفة على الحياد. مؤكّدا على أن الأمر لا يتعلق بجيش مقابل جيش. بل ثمة إمداد مستمر ومساحة الحرب ضدّ الإرهاب واسعة. وأنهم يخوضون حرب المدن وهي حرب ليست سهلة. يتأسف الأسد على أنّ سوريّا قبل الأزمة كانت أربعة في الأمان في العالم. مؤكّدا على أنّنا شعب ليس عنيفا. يقول على الرغم من أنهم يصفوننا بأننا متطرفون ، إلاّ أن الحقيقة هي أننا كنّا دائما مرنين في السياسة مثل ما حصل في مسألة السلاح الكيماوي.وبالنسبة للمسلحين يذكر الأسد أن هناك ما يقارب 2000 منظمة مسلحة اليوم في سوريا. فمن يملك قرار إيقاف الحرب لديها.ومن يملك أن يجمع كل هذه المنظمات. فحتى القاعدة هي في سوريا أكثر من تنظيم وليست تنظيما واحدا.أمّا الجيش الحرّ فهو اليوم ضعيف جدا جدا. فالبعض منهم هرب إلى القاعدة يقاتل في صفوفها والبعض منهم عاد ليقاتل في صفوف الجيش العربي السوري.فالذين نريد أن نحاورهم ليس لديهم شيء على الأرض والذين لهم وجود على الأرض لا يمكن محاورتهم، يقصد القاعدة. ويقول الأسد بأنّ الغرب اليوم في ورطة كبيرة.بعض الغربيين طلبوا منه المساعدة بطريقة أو بأخرى.فهم طلعوا إلى الشّجرة ويطلبون منّا أن نساعدهم للنزول من فوق الشجرة(يضحك).ربما قد نتوجه إلى جنيف2 رغم كل ذلك باعتباره مسألة شكلية. وحينئذ نبحث عن شريك حقيقي في الحوار ويمكن أن نقبل به حتى لو وضع العلم الذي يريد.وكان الأسد قد عبّر عن أنّه اليوم بدأ الوضوح والخروج من المنطقة الرمادية.باختصار لقد كان الأسد مستعدّا للحوار،وليست له شروط أخرى غير ما يتعلّق باحترام إرادة الشعب ومؤسسات الدّولة السورية.
حماس وأزمة الثّقة
وعن حماس تحدث الأسد بوضوح أيضا.يقول بأنهم زعموا أنّهم تدخّلوا في البداية ونصحوا النظام السوري ببعض الأمور لكنه لم يلتزم. يكذّب الأسد هذا الكلام. ويتساءل: ما أدراهم بالشأن السوري الدّاخلي؟ إنّهم لم يتوسّطوا بشيء. يقول الأسد بأن القرضاوي وهو شيخ الإخوان قارن بين سوريا وإسرائيل، ويقصد حينما قاس هذا الأخير بين حصار إسرائيل لغزّة وحصار النظام السوري للشعب.وبالتأكيد من حقّ القيادة السورية أن تنزعج من هذا التصريح، وهي التي دافعت عن فلسطين وآوت الفلسطينيين. ولهذا السبب يقول الأسد بأنّنا انتظرنا من حماس أن تقول كلمة إزاء هذا التصريح فلم تقل. وخاطبناهم بالقول: يا حماس احكوا مع القرضاوي.ولكنهم لم يحكوا شيئا. لقد غلبت إخوانيتهم على مقاومتهم.ومن هنا يعتبر الأسد أنّ القضية في النهاية قضية انتهازية. يقول بأنّهم يوم احتضنوا حماس كانت هناك نصائح تأتيهم من جهات كثيرة. وكثيرون قالوا للقيادة السورية: كيف تأوون حماس وهم من الإخوان المسلمين؟ فكان الرد السوري بأنّنا ننظر إليهم كمقاومة. وحتى لو عادوا فالأسد يتحدّث عن كيف يمكن أن تعود الثّقة.فهو يقول بأن حماس إذا تغيرت، وأنا أشكّ في ذلك يقول الأسد حيث بعد 80 سنة كلها يقصد الإخوان لم يتغيروا.وعن إمكان استقبال خالد مشعل في دمشق ضحك الأسد وقال من باب المزاح:لا تستغربوا أن يكون عندي هنا وليد جنبلاط وليس فقط خالد مشعل(يضحك).لقد رأيت الأسد واضحا وصريحا في موضوع حماس. بالفعل ذكّرني هذا بحديثنا مع بعض أصدقائنا من القيادة الحمساوية في أكثر من لقاء حول الموقف الحمساوي غير الواضح من الأزمة السورية يومئذ. فسمعت من أحد قيادتهم من أصدقائنا هذا الكلام بالضبط الذي تحدث عنه الرئيس بشّار. هم يلومون النظام السّوري كونه لم يستجب لنصائحهم. ولذا يصوّرون الأمر كما لو أنّ النظام لم يلتزم بنصائحم حين راهن على الجيش.تعجبت يومها كيف تتحدّث حماس بهذه الأستاذية عن النظام السوري. فالنصيحة ليست هي الوساطة.وهكذا صوّروا الموضوع كما لو أنّ النظام السوري هو الذي خدعهم لمّا قام بواجبه الوطني في مواجهة المسلحين الذين ضبطتهم سوريا في بداية الأزمة. والحقيقة التي ستنكشف بعد ذلك هي أن المسلحين كانوا يبنون تحصيناتهم ويقوون مواقعهم وأنّ الدعوة إلى أن يوقف النظام دفاعه المسلح يعتبر نوعا من الخدعة. هذا إذا لم نرد التّوقف عند الأنفاق التي وجدت عليها لمسات تقنية حماس وبعض التفخيخات والقنابل التي انتقلت لحماس من خبرة المقاومة اللبنانية ولم تكن لها علاقة بطريقة القاعدة في الحرب. كل هذا ممكن أن يبرر بوجود عناصر من داخل حماس تساهم فضلا عن التعاطف مع الجيش الحرّ في مواجهة النظام السوري.قلت مرّة لصديقنا ذاك بأنّه لو قدّر لا سمح الله لسوريا أن تسقط فلن يكون هناك ظهر يحمي القضية الفلسطينية.والحقيقة أنّ تعاطف حماس مع المسلحين في سوريا لم يعد خافيّا على أحد.فأنا أعلم من بعضهم كلاما قديما وفي بدايات الثورة من داخل كواليس الإخوان المسلمين. بعضهم يقول لبعض القيادات الإخوانية في دولة عربية بأنهم يدركون أنّ سوريا تتاجر بالقضية الفلسطينية ونحن نعرف أنّنا مجرّد أداة لها ولكننا مجبرون من أجل القضية الفلسطينية على مسايرتهم. وبأنهم ليسوا ضدّ تغيير النظام في سوريا. إنّ كلامهم في نهاية المطاف هو كلام الإخوان في سوريا. كانت حماس إذن تساير سوريا إلى حين.ويوم ظنّت كما ظنّ الجميع أنّه لم يبق أمام الأسد سوى بضعة أسابيع أو شهور، بدأ الرهان على البديل عن سوريا الأسد.وسوف يزداد عجبي من كلام القيادي الحمساوي أبو مرزوق على قناة الميادين حين برّر حمل خالد مشعل وباقي القيادات الأخرى لعلم الجيش الحر في غزّة، بأنه ربما حصل ذلك على سبيل الاشتباه وعدم التدقيق. لقد كان جوابا في غاية الاستغباء للرأي العام،حيث يتأكد من خلال الشريط المنشور على اليوتوب بأنّهم هم مدّوا أيديهم في نوع من الحبور لعلم الجيش الحرّ ورفعوه.وكان خطاب هنيّة بعد أيام قليلة من حديث أبي مرزوق ينطوي على تلويح بأنّهم غير خجلين من أي موقف وقفوه وبأنّهم لا يتوددون إلى أيّ طرف. وهو خطاب يشبه في رماديته وتوتّره خطاب مرسي الأخير.الإشتباه هنا جماعي وليس فرديّا. فلقد توشّحت القيادة الحمساوية كلّها يومئذ بشعارات الجيش الحرّ.كان تعليق سامي كليب الذي حاور القيادي في حماس غاية في النكتة حينما قال له: الحمد لله ما قدموا لهم العلم الإسرائيلي. يعني لكان ربما تشابه عليهم هو الآخر.باختصار إنّ وضع حماس صعب جدّا. ولا زلت أتساءل إذا استطاعوا أن يقنعوا المقاومة اللبنانيةوإيران، فهل يستطيعون انتزاع جولة جديدة من الثقة من سوريا بعد كلّ الذي حدث؟ هذا من التساؤلات التي لم نجد فرصة لطرحها على السيد الرئيس.لكن انطباعي لما ورد في كلامه بخصوص حماس كان في حدّه الأدنى من الملام.وكما صرحت بعد ذلك بعد يومين لقناة الميادين،بأنّ كلام الرئيس الأسد هو أقلّ مما هو عليه موقف الأطراف الأخرى من النظام. أي أنّ الأسد هو الأكثر مرونة داخل المنظومة السياسية السورية.ذلك لأنّ الأسد علّق موضوع عودة حماس بمسألتين:أن تختار المقاومة وتكفّ أن تجعل إخوانيتها هي الهدف الأساسي.وثانيا علّقها على إرادة الشعب السوري.
ورقة السلاح الكيماوي
في موضوع السلاح الكيماوي قال الأسد بأننا بعد 2006م استفدنا من المقاومة في لبنان وطورنا بنيتنا العسكرية ومنظومتنا الصاروخية واشتغلنا على تطوير سلاحنا التقليدي.غير أنّه للأسف السلاح الذي كنّا نعده ضدّ إسرائيل اضطررنا اليوم أن نوجّهه للدّاخل في مواجهة الإرهابيين. فالمهم في الحرب هو السلاح التقليدي. ولذا كنا قد أوقفنا تطوير السلاح الكيماوي منذ 1997م. وعمليا إن السلاح الكيماوي لا يصار إلى استعماله إلاّ في حالة الانتحار، وهو أشبه برصاصة يستعمل لمرّة واحدة. فإذا بادرنا إليه كان ورقة ضدّنا. وهذا يعطي ذريعة لإسرائيل في استعمال السلاح النّووي. هذا فضلا عن تطور وسائل الوقاية من الكيماوي مما خفّف من خطورته. في تقدير الأسد لم يعد الكيماوي على أهميته ينفع في عملية الردع.ومن هنا يعتبر الأسد بأنّنا من خلال مبادرتنا هذه سعينا إلى تقوية الموقف الروسي. فلقد كان بوتين معزولا في الأممالمتحدة ففككنا عنه العزلة ووضعنا أوباما في العزلة.لقد لعبنا سياسة واقعية.يعني لقد خسرنا 5 في المائة لكن بالمقابل ربحنا 50 بالمائة.يقول:بأنّ الكيماوي كان ورقة سورية مقابل النووي الإسرائيلي واليوم أصبح هو ورقة مقابل الأمن القومي السوري.وعن فوز الوكالة الدولية لحظر السلاح الكيماوي بجائزة نوبل للسلام لعام 2013م ، قال الأسد بأنّه كان يفترض أن يستلمها هو وليس الوكالة(يضحك).
الوضع الاقتصادي السوري
اعتبر الأسد بأنّ الوضع الاقتصادي هو الأخطر. وتطرق إلى حالة الفقر التي تجتاح بعض المناطق لا سيما وضع حلب. حيث عمل المسلحون وبمساعدة مع الأتراك إلى تفكيك قرابة ألف مصنع وتهريبها إلى تركيا مما خلف أضرارا على الاقتصاد. بالإضافة إلى هروب الرأسمال. لكنه نبّه إلى بدأ قيام البورجوازية الوطنية بدور إيجابي من خلال عودة الرأسمال السوري قبل حوالي شهرين.وقال بأنّنا نظّمنا حالنا عسكريّا بشكل جيّد فقط في الجيش غير أنّنا لم ننظم أنفسنا جيدا في المجال الاجتماعي والاقتصادي.يقول أيضا بأنّنا تسرعنا قليلا في مسألة الخصخصة.ولعله من الخطأ أن الاهتمام انصبّ على القطاعات الصناعية الكبرى وإهمال الصناعات الصغرى. في حين أن دعم الصناعات الصغرى مهمّ جدّا.نحن يقول السيد الرئيس أكثر من 60 في المائة من الشعب السوري يعتمد على الفلاحة. وكان لا بدّ من الاهتمام بهذا القطاع الحيوي.لقد كان الأسد أكثر اهتماما هنا بمواطن الضعف والنقد الذّاتي. كان يتطلّع للتغيير أكثر مما نسمعه لدى المعارضة التي كان همّها منذ الوهلة الأولى هو الوصول إلى تقاسم السّلطة وتحويل سوريا إلى دولة فاشلة تحت رحمة النّاتو والرجعية العربية.
المعركة فكرية
اعتبر الأسد أنّ المعركة الجوهرية هي معركة فكرية أكثر مما هي عسكرية.وقد أشار إلى أنّنا أمام جيل جديد غير مدرك للقضايا القومية. جيل تربّى على الإنترنيت ومطالبه مختلفة تماما.وحتى الأحزاب السياسة الجديدة، يقصد في سوريا بعد صدور قانون الأحزاب الجديد، لا تزال تحتاج إلى وقت لبناء فكر وخطاب متطور.ثم نبّه إلى ضرورة الاشتغال على الدّين في العملية الديمقراطية.فالديمقراطية يقول الأسد تحتاج إلى شعب ديمقراطي يعترف بالآخر. وقال بأنّنا لن نفعل مثل القذافي الذي زجّ بنفسه في أفريقيا، فنحن متشبّثون بالقومية والعروبة.وهجا سياسة أوردوغان، وقال بأنّه أوّل مرّة يرى رئيس دولة يخاطب شعبه بلغة طائفية. فهو في نظر الأسد غبيّ. قال بأنّنا سنبقى دولة علمانية. لكننا في حاجة إلى الدّين. على أنّ الدين في نظر الأسد هو فوق كلّ القطاعات وفوق السياسة نفسها. المضمون الديني هو الأهم وهو حاضر في كل سلوك ومواقف النّاس. فهو إذن يراهن على الدولة المدنية. وقال بأنّه لا يتعامل كدولة مع المواطن على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي.وقد قال كلمة تلخّص كلّ ذلك: طالما مجتمعك ديني ودولتك تستند إلى الدين فلا يمكن أن تكون علمانيتك ملحدة.
دفعت سوريا ثمن حرصها على مصالحها. فالأسد يقول بأنّ الغربيين في حوارهم مع سوريا يبحثون عن مصالحهم. فإذا كانوا هم يبحثون عن المصالح فلا مجال للحديث عن المبادئ. فليكن الحديث عن المصالح. لعلّ هذا مصدر الازدواجية في المواقف التي أبداها الغرب تجاه سوريا. والأمر نفسه بالنسبة للعرب. فهم في نظر بشّار لا سيما بعض الدول الخليجية التي ترعى الإرهاب في سوريا يعتبرها تابعة لواشنطن. وبأنّ العلاقة المتوترة بينهما راجعة للموقف الأمريكي. فإذا رضي الأمريكي رضوا وإذا لم يرض تأزمت العلاقات. ويعتبر الأسد أنّ هذه الدّول هي آخر من يجب أن يعطي سوريا دروسا في الديمقراطية. فهم لا يتوفرون على دساتير ولا انتخابات حقيقية وهم الأسوأ في موضوع الديمقراطية.تحدّث الأسد عن جامعة الدّول العربية في جواب عن الدور القطري في طرد سوريا من الجامعة.فقال بأنّ دور سوريا في الجامعة لم يكن في الأساس أكثر من دور تفكيك الألغام. والآن وبعد أن انفضحت الأمور، ما الحاجة إلى وجودنا في الجامعة العربية؟ أما عن بعض الدول التي بدا موقفها غير واضح كالجزائر والسودان، يقول الرئيس الأسد بأنّهم بعثوا للسودان سلاحا غير أنّهم باعونا.أما بخصوص الجزائر فهو يعتبر أن بوتفليقة رجل قومي جيد لكن كلما وصلنا إلى نتيجة إلاّ وعدنا إلى الموقف الأوّل، لا ندري إن كان هناك في الخارجية من يشخّص الأمور بشكل مختلف. وعن مصر يقول الأسد بأنّ هذه علاقة تعود إلى قرون قبل الميلاد. ويرى أنّ العلاقة اليوم هي أفضل من عهد مرسي وحتى عهد مبارك.فلقد كنا نعتبر الخارجية المصرية أيّام مبارك أمريكية بامتياز.أمّا العراق فموقفه في نظر الأسد جيّد جدّا. وعن الأكراد قال الأسد بأنّهم عبر التّاريخ كانوا وطنيين.ويتساءل: هل عدد الأكراد الذين تعاملوا مع الأجنبي أكثر من العرب الذين تعاملوا مع الأجنبي؟ ويعترف الأسد بوجود نوع من التقصير حيث قال بأن ثمة أمورا تأخرنا فيها في موضوع الأكراد، مثل الحقوق الثقافية. وعن الخبر الذي سبق أن نشر في وسائل الإعلام من أنّ قطر بلغت الأسد رسالة للتقارب عن طريق أبي مازن رئيس السلطة الفلسطينيين، قال الأسد أن هذا خبر غير صحيح ولم نتناول موضوع قطر في هذا اللقاء.وفي موضوع تركيا يقول الرئيس الأسد بأنه كانت العلاقات مع الأتراك جيدة.وكانت هناك لجنة تعاون مشتركة بيننا لكن في النهاية اتخذت مواقف معادية لسوريا من قبل أوردوغان ووزير خارجيته وأدخل الضباط الموجودين في اللجنة إلى السجن.وقال بأنّ سوريا تحرص على أمن الدّول العربية وعلى مصلحة الشعب التركي.
مجمل كلمتي الموجّهة إلى السيد الرئيس
كنت أدرك بأنّني أنتمي إلى قبيلة المثقفين أكثر من انتمائي إلى قبيلة السياسيين. ومن هنا حرصي على نقاوة عباراتي ومشاعري. فأنا هنا ليس لأكذب على نفسي وضميري وعلى الرئيس.قلت له: سيادة الرئيس نحن نحبّك ونحب صمودك. وهذه ليست مجاملة. فنحن على مزاجنا المغربي إن كرهنا كرهنا وإن أحببنا أحببنا. فمن كرهكم منّا جاؤوا ليحاربوكم. ونحن جئنا لنقول إنّ هؤلاء لا يمثّلون المغرب والمغاربة.فهؤلاء شكّلوا خطرا على المغرب واحتضنتهم السجون المغربية في ملفات الإرهاب.أمّا المغاربة، فتمثّلهم التجريدة المغربية التي قاتلت مع السوريين في معارك تحرير الجولان. لقد كنّا نحفظ نشيدا أهديّ للتجريدة المغربية مطلعه:
باسم العروبة والإسلام +++والقدس وسينا والجولان
لقد تعرفت على سوريا وقضاياها أول ما تعرفت على سوريا في أدبيات الإخوان المسلمين. وحينئذ نجحوا في أن يجعلوا منّي شخصا يكره حافظ الأسد. غير أنّني بعد تحقيق طويل اكتشفت كذب الإخوان. إنّني أفاجأ اليوم أنني أمام رئيس سياسي لا تبدو عليه سيماء الاستبداد. رئيس مثقف، وهو أمر ناذرا ما نصادفه. وربما شاهدنا كيف أن مداخلاتكم داخل المحافل الدولية وجامعة الدّول العربية تصلح أن تكون دورة تثقيف لكثير من الرّؤساء العرب الذين لا يحسنون النطق بلغة الضّاد(يضحك).إنّني أعتبر سوريا دولة جيوستراتيجية بامتياز. تعرف كيف تدير الأزمة وتلعب بالأوراق. والموقف من قضية السلاح الكيماوي يعزّز لديّ هذه القناعة. لأنّني أعتقد أن السلاح الكيماوي استعمل جيدا كورقة لصالح سوريا من دون أضرار بيئية. فلقد جنّب سوريا خطرا يتهدّد أمنها القومي. ولهذا وجد السلاح الكيماوي أصلا. إنّني وخلافا للكثيرين لست فقط ضدّ المعارضة في الخارج، بل أنا ضدّ المعارضة في الخارج والدّاخل معا. ففي مثل هذه الظروف التي تمرّ منها سوريا وحينما يكون الوطن مهدّدا، فالموقف الوطني يقتدي عدم التعامل مع الأجنبي وتأجيل كلّ شيء لإيقاف نزيف الوطن. وبعد أن دخلت سوريا في مرحلة التآمر على أمنها وبعد عمليات التخريب التي تستهدف بنيتها ونسيجها الاجتماعي، فلا أهمية ولا أولوية للحديث عن المعارضة. ويبقى أن أسألكم سيادة الرئيس عن بعض الأمور، منها ما يتعلّق بزعم البعض القيام بوساطة بينكم وبين المعارضة ومنها ما يتعلّق بمسألة مستقبل الديمقراطية في سوريا. هنا لا أتحدث بالضرورة عن ديمقراطية (أبو ساكوش) أو (أبو صندوق)(يضحك)، بل عن وجود شعب صمد مع دولته وجيشه، يستحق كل الخير. هل ننتظر من سوريا تحوّلا نوعيا على مستوى الانفراج والديمقراطية؟؟ وبقي لي سؤال يتعلّق بخبر روّجته الصحافة وهو سؤال سأطرحه كشكل من الكوميديا السخيفة إذ كلّ ما في ربيع الأعراب يصلح للكوميديا السوداء أو الصفراء. تحدّثت الصحافة بناء على تصريح أحدّ الضباط المجاهيل من الجيش الحرّ عن أنّ بشار الأسد قبل اندلاع الأحداث كان يخطط لمشروع انقلاب في المغرب ليؤمّن ممرا لإيران باتجاه جبل طارق. هل صحيح سيادة الرئيس كنت تريد فعل ذلك؟
ضحك الأسد وقال: أين قيل هذا؟ أنا أوّل مرّة أسمع حقيقة مثل هذا الكلام. بالفعل لقد خيم جوّ من الدهشة والتعجّب أمام هذا الخبر. مما جعلني أؤكد بأنّ الأمر لا يعدوا أن يكون مجرد حديث عن فصل من فصول كوميديا الربيع الأعرابي. فلربّما وهذه من عوائد المعارضة السورية في الخارج التي نهجت أسلوب الكذب، وتحاول من خلال ذلك التحريض ضد سوريا لاستجلاب الدّعم واستعداء الدّول على سوريا. تابع الرئيس كلامه وهو مندهش لهذا الكلام وقال: شيء غريب، نحن في البداية نحترم إرادة الشعوب المختلفة. ولم نسمع من إيران أنها تريد أن تتمدّد باتجاه جبل طارق. ولا إيران تتمدّد في سوريا. ثم قال بخصوص الوساطة التي عرضت على سوريا من قبل بعض العرب، بأنّ هذا ليس صحيحا. ولم يعرض أي مسئول عربي الوساطة هناك فقط مجموعات عربية كانت تأتي بأجندة قطرية وأمريكية. وبهذا الصدد يعتبر الأسد أنّ الغربيين كانوا أفضل من العرب. يقول بأنّنا نحن في البداية رفضنا تلك القرارات من الإبراهيمي والممثل العربي. وها قد رأينا كوفي عنان "احترم حالوا وراح والإبراهيمي لا يزال". لقد لاحظت أنّ الأسد لم يكن يعتبر أي مبادرة تحاول إملاء وجهة نظر على سوريا مبادرة للوساطة. ذلك لأنّ الوساطة في اعتقادي لا تمنح الوسطاء حقّ إعطاء دروس لدولة أو أن يكونوا رسلا للمجموعات المسلحة أو التي تدعمها في الخارج لا سيما إذا كان الوسطاء لا يملكون نفوذا على 2000 منظمة مسلّحة داخل سوريّا. إنّ هؤلاء الوسطاء كان يعتقدون دائما أنّ سوريا هي سبب وجود مسلحين على إثر الطريقة التي أدار بها النظام الأزمة الأولى في درعا. وهؤلاء في الحقيقة ينظرون إلى الأزمة السورية نظرة ساذجة جدّا للأسف.
في نهاية اللّقاء تمّ تقديم درع التجمع للسيد الرئيس(درع القائد المقاوم) قدّمه الأخ الأمين العام د. يحيى غدّار على وقع تصفيقات من أعضاء الوفد، ومن ثمّة صورة تذكارية جماعية مع فخامته.
قبل توديع الرئيس
حصلت دردشة قصيرة مع الرئيس الأسد أثناء توديعه، سألته مازحا: هل أنت منزعج من المغاربة؟ قال وهو يضحك:لالالالا، أبدا، لا يوجد أي موقف، لدينا هنا من هؤلاء(يقصد المتطرفين) أكثر مما عندكم.
*الاستاذ ادريس هاني: عضو الأمانة العامة للتجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة عضو المجلس التأسيسي للرابطة الدّولية للخبراء والمحلّلين السياسيين