التف المغاربة قاطبة من أجل إنقاذ الطفل ريان بالدعاء والعمل الجاد. سابقت فرق الإنقاذ الزمن بل سابقت الموت قبل أن يصل إليه، لكن من هو رحمان رحيم اختاره إلى جواره، ولا راد لقضاء الله النافذ، غير أن الحادثة وحّدت قلوب المغاربة نحو هذا الطفل الصغير، الذي كان ملاكا في الأرض وهو الآن تزفه الملائكة في السماء، وأكدت أن هذه البلاد تختزن معادن أصيلة من الحب والكرم والتضحية. ملك البلاد كان أول المعزين، فهو أول من اتصل بوالديه ليتقاسم معهم الألم، وليقول لهم، بأنه كان متتبعا للوضعية من الأول إلى الآخر، وأنه أعطى التعليمات وكان يعطي التعليمات كل وقت وحين من أجل القيام بما يلزم لإنقاذ الطفل ريان، فقضية ريان تشغل جلالة الملك مثلما تشغله باقي القضايا الكبرى وكل شيء كبير عنده مادام يهم المغاربة أينما كانوا. ما وقع يقول بالملموس: هذه أمة وليست تجمعا بشريا يوجد وسط حدود جغرافية. هذه أمة لها تاريخ ولها ثقافة راسخة ميزتها التضامن والتآزر. فليس سهلا أن نرى سائق جرافة يشتغل أكثر من 22 ساعة متواصلة دون توقف، لأنه يجري من أجل إنقاذ روح مغربية، وليس سهلا أن نرى رجلا يأتي من المغرب العميق لا يملك سوى خبرة سنوات طويلة في حفر الآبار ليساهم بشكل كبير في عملية الحفر اليدوي، لا ينتظر أي جزاء ولا شكور. كل مغربي في أي مكان كان مستعدا للتضحية من أجل إنقاذ ريان. هذا الطفل، الطير من طيور الجنة الذي أعطانا درسا في الإنسانية، وذكّرنا بقيمتنا في هذه الدنيا التي لا تساوي شيئا إلا عندما ترتبط بالتآخي والتآزر. تطوع شباب من أجل النزول إلى قعر البئر لكن العملية لم تكن ممكنة، وتطوعت النسوة لتقديم ما يلزم لمن حل بعين المكان من رجال سلطة ودرك ومسعفين ورجال إنقاذ ومهندسين وصحفيين وإعلاميين. نعم رحل ريان ليرافق الملائكة بالجنة غير أنه دوّن ملحمة كبيرة، ستبقى في سجلات التاريخ، سيكتب عنها اللاحقون، وفي فصول التاريخ الذي سيقرأه أحفادنا سيجدون أن دولة إسمها المغرب حركت جبلا كاملا لإنقاذ طفل، وهذا لم يحدث من قبل. رحم الله ريان. لقد قام المنقذون بأدوار تاريخية وبطولية ما قصّروا في شيء. وكما قيل في الأثر: يا رب هذا الجهد ولك الأمر من قبل ومن بعد. قام المغرب ملكا وشعبا بكل ما يمكن تقديمه من تضحيات ويد الرحمان اختارت الطفل ريان إلى السلام الأبدي.