ينص الفصل 2 من دستور المملكة على أن السيادة للأمة ، تمارسها مباشرة بالاستفتاء ، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها وتختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم. والزم الفصل 6 من الدستور السلطات العمومية بتوفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين ، والمساواة بينهم ، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وأكد الفصل 11 من الدستور على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. كما أكد الفصل 11 من الدستور على أن لكل مواطنة ومواطن الحق في التصويت وفي الترشح للانتخابات واعتبر التصويت حقا شخصيا وواجبا وطنيا في نفس الوقت. وكرست المواثيق الدولية وعلى رأسها الإعلان العامي لحقوق الانسان والميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ، حق مشاركة المواطنين في الحياة السياسية وإدارة الشؤون العامة للدولة. كما أعطى الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الحق لكل المواطنين في المشاركة بحرية تامة في إدارة شؤون بلدهم، إما بشكل مباشر، أو عن طريق ممثلين يتم اختيارهم بحرية تامة، وفق ما ينص عليه القانون، و قد استلهم الميثاق الإفريقي، هذه المقاربة المعيارية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي شكل نقطة التحول الأساسية في مجال تكريس المشاركة السياسية بصفة عامة، والمشاركة في الانتخابات بصفة خاصة. وغير خاف أن العالم توزع إلى كتلتين فيما يخص الأولوية على مستوى حقوق الإنسان، إذ بقدر ما كان المعسكر الشرقي يولي أهمية بالغة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أعطى المعسكر الغربي أهمية للحقوق المدنية والسياسية، وهو الأمر الذي جعل العالم يتوفر على عهدين اثنين في مجال حقوق الإنسان، من أجل إرضاء الكتلتين معا. ومع نهاية الحرب الباردة، وتراجع منطق التكتلات، ظهرت الحاجة أكثر إلى تعزيز حقوق الإنسان، انطلاقا من إعادة التفكير فيها عبر تشخيص حقيقي لوضعيتها، على ضوء ما تم تحقيقه منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فكان مؤتمر فيينا لسنة 1993 وهو المحطة الأساسية التي سمحت بذلك، حيث تم الربط لأول مرة بين الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، انطلاقا من كون الديمقراطية تقوم علىإرادة الشعب، المعبر عنها بحرية في تقرير نظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومشاركته الكاملة في جميع جوانب حياته، كما أولى المؤتمر أهمية بالغة، لمشاركة المرأة مشاركة كاملة وعلى قدم المساواة في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، داعيا بذلك إلى استئصال جميع أشكال التمييز علي أساس الجنس. وسيرا عل نفس الهدي أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سلسلة من القرارات كلها تصب في اتجاه تعزيز المشاركة في الانتخابات نذكر من بينها على الأخص القرار رقم A/RES/56/154 الصادر في 13 فبراير 2002، حيث تم التأكيد على أن إجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة يمثل أداة أساسية وفعالة لتعزيز حقوق الإنسان و تيسير حمايتها ، مع تكفل الدول بالآليات والوسائل اللازمة لتيسير المشاركة الشعبية الكاملة والفعلية في العمليات الانتخابية، وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه الدستور المغربي، الذي خص الانتخابات بمقتربين : - المقترب الأول معياري سعى من خلاله إلى تبني المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث أكد على الحرية و المساواة واستبعاد كافة أشكال التمييز، و ضمان الحريات والحقوق الأساسية المرتبطة بالانتخابات، من خلال اختيار الأمة لممثليها في المؤسسات المنتخبة، بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، و اعتبار الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. - أما المقترب الثاني، فإجرائي حيث وضع الدستور عددا من الإجراءات العملية الخاصة بالانتخابات، من بينها إلزام السلطة بالحياد، و إعمال الإنصاف في الاستفادة من وسائل الإعلام العمومية، واعتماد الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات، و تجريم المس بنزاهة الانتخابات. إذا كانت الانتخابات مثل ما رأيناه آنفا، مرتبطة بحقوق الإنسان فهل يقبل المنطق الحقوقي أن يسلك الناس أسلوب عدم المشاركة فيها؟ قبل أن نجيب على ذلك من الضروري التأكيد على أن الحرية تقتضي أيضا أن من لا يرغب في المشاركة فيها، هو أيضا حر في ممارسة اختياراته، ولكن علينا أن ندرك، أن ما وصلنا إليه اليوم من حقوق هو نتيجة أجيال ضحت بالغالي والنفيس، ودفع الكثيرون في سبيل ذلك أقدس حق، ألا وهو الحق في الحياة من أجل أن يصوت الناس بشكل متساو، حقا إن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن اللحظات التاريخية التي كانت فيها الشعوب تطالب بالحق في الانتخاب والمساواة في التصويت ليستببعيدة، فهل يعقل أن يتخلى المواطنون عن هذا الحق. لقد أكدت الكثير من التجارب الديمقراطية التي شهدها العصر الحديث، أن امتناع الناس عن المشاركة، لا يخدم إلا بعض التيارات التي تستغل تقاعس الناس عن المشاركة في التصويت، فيختلس حق الأغلبية غير المفعل، من طرف أقلية تمنحها صناديق الاقتراع مكانة متميزة على مستوى ممارسة السلطة، ليس بناء على قوتها العددية، ولكن انطلاقا من تمسكها بممارسة حقها في التصويت، فتصبح قادرة على إصدار النصوص القانونية، التي قد تسلب الأغلبية الكثير من الحقوق، بل قد تكرس هذه الأقلية عبر وصولها إلى السلطة التشريعية نوعا من التفوق الدائم عن طريق القوانين. إن أهمية المشاركة في الانتخابات ليست ترفا يمكن الاستغناء عنه، بل تدفع إلى تغيير المواقف السياسية للفرد ، بحيث يتوقف عن النظر إلى ذاته كضحية، ويصبح متملكا لقدرة التغيير. إن الانتخابات ليست انتقالا إلى مكتب التصويت، والقيام بوضع ورقة في صندوق للتخلص من عبء يعتقد البعض بأنه لا فائدة منه، بل هي فرصة تمنح للفرد : - أولا: الشعور بالحرية السياسية وممارستها كحق من حقوق الإنسان، على ضوئه ستتحدد ممارسة الشأن العام لمدة معينة، ذلك أن الحرية السياسيةليست بمثابة تحرر من شيء، بل تحرر للقيام بشيء ما ؛
- ثانيا: ممارسة فعلية للمواطنة ذلك أن الانتقادات التي طالما مارسها بين الولايتين، والشعور بالغبن أو بالرضا بإمكانه من خلال المشاركةفي التصويت أن يعطيها حمولة مادية، يؤطرها فعل حر بمقتضاه يحسم في من يجب أن يمارس السلطة باسمه؛
- ثالثا : إن المشاركة في التصويت هي لحظة تقديم الحساب من طرف أولئك الذين منح لهم المواطن صلاحية اتخاذ القرارات باسمه، فإما يمدد تفويضهم أو ينتزع منهم سلطته التي منحها لهم عبر الانتخابات، فإذا ما تخلى عن المشاركة يكون قد تخلى عن ممارسة حق أساسي، عدم استعماله يتجاوز التأثير السلبي على صاحب الحق وقد يتعداه إلى المجتمع؛
- رابعا: إن عدم المشاركة في الانتخابات، لايعني أن الآخرين سيسلكون نفس السلوك، ذلك أن الانتخابات تعتمد نتيجتها حتى ولو كانت فئة قليلة هي التي عبرت عن إرادتها، فإذا ما كان الفاسدون هم من وصلوا إلى السلطة، فلا يجب أن يلام الذين صوتوا عليهم، بل على الممتنع أن يكثر من لوم نفسه وبشدة، فهو من منح لمن لا يستحق مرتبة القيادة؛
- خامسا:تجعل المشاركة في الانتخابات من صاحبها إنسانا مهتما بقضايا الشأن العام، على اعتبار أن الغاية منه هي إسعاد المواطن وتلبية حاجياته المتعددة والمختلفة، ومن تم فهو يكون حريص على تملك المعطيات اللازمة لتحديد اختياراته في الوقت المناسب.