أكد أستاذ العلاقات الدولية، ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، عبد الفتاح البلعمشي، أن الأزمة التي تشهدها العلاقات المغربية-الإسبانية مرتبطة بالأسباب المباشرة في حدوثها ونشوئها، وستزول بزوال أسبابها. وأوضح السيد البلعمشي، الذي حل اليوم الثلاثاء ضيفا على الفقرة الصباحية لإذاعة الأخبار المغربية (ريم راديو)، أن المغرب كان واضحا فيما يتعلق باستضافة إسبانيا للمدعو إبراهيم غالي، وبالتالي فإنه يتعين على الإدارة الإسبانية اليوم أن تغلب المنطق السليم والمرتبط بالمصالح وتبتعد عن إقحام مواضيع ومجالات جديدة في موضوع واضح. وأضاف أنه ينبغي وضع هذه الأزمة غير المسبوقة التي تشهدها العلاقات الثنائية المغربية-الإسبانية في سياقها، مشيرا إلى أن السياق المباشر يتعلق باستضافة إسبانيا للمدعو إبراهيم غالي، زعيم مليشيا (البوليساريو)، للخضوع للعلاج في مستشفى حكومي بعد دخوله الأراضي الإسبانية انطلاقا من الجزائر بهوية منتحلة ووثائق مزورة. وسجل المحلل السياسي أن هذا السلوك لا ينطلي على الإدارة الإسبانية أو الاستخبارات الإسبانية، وبالتالي فإن هناك إرادة للتعامل مع هذا الشخص بهذه الكيفية، لافتا إلى أن المغرب طلب استفسارا حول هذا السلوك غير الودي الذي يضرب في الصميم العلاقات الثنائية والتعاون فيما يتعلق بالشراكة المغربية-الإسبانية. وتابع أن هذه السلوكات غير مقبولة بالنسبة لدولة تدعي أنها دولة ديمقراطية، خصوصا وأن الرجل متابع أمام القضاء الإسباني، مبرزا أن عدم تفعيل العدالة والقضاء الإسبانيين في هذا الموضوع يطرح مجموعة من علامات الاستفهام. وبخصوص السياقات غير المباشرة للأزمة، قال البلعمشي إن الحكومة الإسبانية نهجت منذ العاشر من دجنبر من سنة 2020 عقب اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بمغربية الصحراء، وبروز توازنات جديدة في شمال إفريقيا، مجموعة من السلوكات غير المفهومة. وأوضح أن هذه السلوكات تتجلى في التزامها الصمت إزاء هذه التطورات الجديدة، وفي بعض التشريعات والمبادرات الإدارية فيما يتعلق بالمعابر، ثم عدم الأخذ بعين الاعتبار الجالية المغربية الهامة المتواجدة بالأراضي الإسبانية في السياسات الجديدة لمرحلة ما بعد كوفيد 19. وأشار إلى أنه انطلاقا من ذلك ثمة نوع من الشك في استمرارية العلاقات المتينة والقوية التي يضبطها حسن الجوار بين المغرب وإسبانيا، مسجلا أن إسبانيا إما تتخوف من هذه التوازنات الجديدة وإما تسعى إلى أن تكون طرفا فيها، على الخصوص، في أبعادها الاقتصادية. من جهة أخرى، قال رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات إن التصريحات الصادرة عن مختلف أعضاء الحكومة الإسبانية تسعى إلى إقحام هذه الأزمة الناشئة عن أسباب مباشرة، في علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن إسبانيا لم تستطع أن تخلق من هذه الأزمة أزمة مغربية-أوروبية. وسجل في هذا الصدد، أن التصريحات الرسمية الأخيرة، خصوصا تلك الصادرة عن وزيرة الدفاع الإسبانية، "تنطوي على منطق ولغة فوقية، وكأن المنطق الاستعماري لا يزال حاضرا لدى جزء من النخبة الإسبانية، وهذا أمر خطير". ولاحظ البلعمشي أن إسبانيا تحاول أيضا تحوير النقاش الأساس إلى نقاشات أخرى مرتبطة بملفات لا يمكن المزايدة فيها بالنسبة للمغرب كملف الهجرة الذي يؤدي فيه المغرب أدوارا هامة، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سواء من حيث التشريعات الداخلية أو من حيث الإسهام الدولي للمملكة فيما يتعلق بهذا الملف، مؤكدا أنه لا يمكن إغفال كل هذا التراكم من أجل النزاع الراهن بين إسبانيا والمغرب لأسباب مباشرة. أما المسألة الأخرى المرتبطة بهذه الأزمة، يضيف المحلل السياسي، فهي محاولة إسبانيا مؤخرا التعامل مع الأراضي المحتلة، لا سيما مدينة سبتة، على أنها أراضي أوروبية، مبرزا، في هذا الصدد، أنه لا يمكن القفز على الجغرافيا، وأن الأمر يتعلق بمنطق استعماري بائد. وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن كل هذه الأمور التي طفت على السطح اليوم تبرز أن إسبانيا تقف الآن أمام أزمة اختيار من حيث التعامل مع دول شمال إفريقيا، وهي الأزمة التي بدأت ترخي بظلالها على النخب السياسية الإسبانية، مسجلا أن السلوكات الأخيرة والخطاب الرسمي الإسباني الأخير ليس خطابا وديا، بل يضرب في الصميم كل الشراكة التي تراكمت منذ سنوات طوال إلى اليوم. وفي هذا السياق، ذكر البلعمشي بأن إسبانيا تتوفر على أكثر من ألف شركة بالمغرب، إلى جانب استثمارات أخرى ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وبأن المغرب لديه جالية هامة مقيمة بإسبانيا، مشددا على ضرورة التطرق إلى كل هذه القضايا بشكل متداخل وفي رزنامة واحدة لإعادة العلاقات الثنائية إلى نوع من الضبط والتثبيت، خصوصا إذا تراجعت الإدارة الإسبانية ودبلوماسيتها عن مواقفها الأخيرة.