لا أحد يمكن أن يزايد على المغرب والمغاربة بخصوص القضية الفلسطينية. كما إنه لا أحد لديه الحق لإعطاء المغرب والمغاربة دروسًا حول فلسطينوالقدس. المغاربة هم الشعب الوحيد الذي لديهم باب باسمهم في القدس يخلد لتضحياتهم عندما هبوا لنجدة صلاح الدين الأيوبي دفاعا عن الأقصى، فبنى لهم هذا الأخير حارة باسمهم وحينما سئِل من قبل حاشيته عن سبب إسكان المغاربة بهذه المنطقة، أي عند السور الغربي للمسجد الأقصى، وهي منطقة سهلية يمكن أن يعود منها الصليبيون مجددًا لسهولة الدخول عبرها أجاب بقوله : "أسكنت هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة". والمغاربة هم الجيش الوحيد الذي ترك أحسن قادته العسكريين في 67 و 73 دفاعا عن فلسطين والجولان وسوريا. والمغرب والمغاربة هم من استمروا في دعم الفلسطينيين ماديا ومعنويا إلى اليوم، وإذا كان هناك من يؤاخذ المغرب على إنشائه لعلاقات مع إسرائيل فعليه أن يعلم أن هذا القرار سيادي وأنه لا يعني التخلي عن دعم حق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس، وهذا ما سيظل المغرب متشبثًا به طالما أنه أقصى ما يطلبه الفلسطينيون لكي يعيشوا في سلام مع إسرائيل. يجب أن نكون صريحين، الجميع في عالم اليوم لديه علاقات مع إسرائيل، وحتى أولئك الذين سيهاجمون المغرب على اختياراته السيادية فلديهم علاقات تجارية وأمنية مع إسرائيل. قطر التي تهاجم قناتها "الجزيرة" إسرائيل يوميا لديها علاقات تجارية مع إسرائيل منذ 1996. تركيًا التي يهدد رئيسها تل أبيب كل يوم يقيم معها علاقات تجارية وأمنية وعسكرية جد وثيقة. دون أن نتحدث عن مصر والأردن وبقية الدول العربية الأخرى. ولعل ما تفتخر به الإمارات هذه الأيام من تدشين مؤسسات ومحلات وشركات يهودية على أرضها معتبرة ذلك إنجازا تاريخيًا فقد سبقها المغرب إليه منذ قرون. فهم يعتبرون الترخيص بافتتاح مطعم يهودي في أبو ظبي فتحا مبينا بينما في المغرب لدى اليهود منذ مئات السنين مطاعمهم وأماكن ذبح ذبائحهم على يد حاخاماتهم. كما أن المطبخ المغربي غني بالأكلات التي أصلها يهودي وهذا لا يشكل أي عقدة بالنسبة للمغاربة. في مدينة كالصويرة كانت الأمهات اليهوديات يرضعن الأطفال المغاربة الذين انقطع الحليب عن أثداء أمهاتهم، والعكس صحيح. وعندما يعتبر بعضهم أن افتتاح كنيس يهودي في دبي إنجاز كبير فهم ينسون أنه لدينا نحن في المغرب ميعارات ومعابد يهودية ومزارات لأولياء يهود يزورها مئات الآلاف من اليهود على مدار السنة. لذلك فما تم الإعلان عنه اليوم بعد المكالمة الهاتفية بين الملك محمد السادس، ودونالد ترامب، رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما أخبر الرئيس الأمريكي الملك بأنه أصدر مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية، يمكن أن نعتبره حدثًا تاريخيًا عظيمًا لطالما انتظره المغاربة. وكأول تجسيد لهذه الخطوة السيادية الهامة، قررت الولاياتالمتحدة فتح قنصلية بمدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية. وبالمقابل، يعتزم المغرب تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي، وهم حوالي مليون و300 ألف، إضافة إلى السياح الإسرائيليين من وإلى المغرب، واستئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الديبلوماسية في أقرب الآجال، وتطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي، مع العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقا ولسنوات عديدة، إلى غاية 2002. إذن، تم الإعلان عن قرارين سياديين من طرف المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، اللذين تربطهما علاقات تاريخية، حيث كان المغرب أول بلد يعترف باستقلال أمريكا، كما أن قرار الاعتراف بسيادة المغرب على صحراءه هو تكريس لموقف ثابت اتخذته الولاياتالمتحدةالأمريكية في السنوات الأخيرة، يتمثل في إدراج الأقاليم الجنوبية في كل البرامج والاتفاقيات الموقعة بين البلدين. ويبقى الهدف المشترك بين القرار الأمريكي والقرار المغربي هو تحقيق الأمن والسلام بالصحراء المغربية، وكذلك بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك في احترام تام للشرعية الدولية. وبالنسبة للقرار الذي اتخذه المغرب بإطلاق رحلات جوية مباشرة بين المغرب وإسرائيل، سيمكن ذلك من إعادة الاتصال بعدد كبير من أفراد الجالية من اليهود المغاربة في إسرائيل، وليس للقرار أي مَس بحقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما أكده الملك في مكالمته مع ترامب، عندما أشار إلى أن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع. ولذلك، فإن دور المغرب ليس جديدا في تعزيز الأمن والسلام بمنطقة الشرق الأوسط، فقد سبق له أن قاد عدة مبادرات في هذا الإطار، كما أن الملك يعتبر أول مدافع عن القدس، باعتباره رئيسا للجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، ولذلك شدد الملك في اتصاله بالرئيس الأمريكي على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه الملك، والبابا خلال الزيارة التاريخية التي قام بها للرباط في 30 مارس 2019. إذن، ليس هناك أي تغيير في التزام المغرب بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، فالتدابير المعلن عنها من طرف المغرب لا تمس بأي حال من الأحوال الالتزام الدائم للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط. كما أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء، التي تعتبر القضية الوطنية الأولى لكل المغاربة، وبالتالي فإن العمل على التوصل إلى حل للقضية الوطنية لن يكون أبدا على حساب القضية الفلسطينية. قبل أسابيع كتبت مقالة عنوانها "المغرب أولًا المغرب أخيرا" خلاصتها هي أن أولى الأولويات بالنسبة إلينا في المغرب ليس لصالح من ستؤول الأمور في هذا البلد أو ذاك بل أين توجد مصلحتنا بالضبط. أي أن مصالح المغرب يجب أن تكون هي المبتدأ والمنتهى بالنسبة لكل مغربي. القرار الأمريكي يؤكد ما ذهبنا إليه دائما من كون أفريقيا على موعد مع التاريخ والبوابة الوحيدة لدخول هذا التاريخ تبدأ من المغرب. وهناك إشارات دالة تحدث أمام أعيننا لكننا لا ننتبه إليها، كلها تسير في اتجاه أن المغرب أصبح حجر الزاوية في الرهان على أفريقيا، ومن يراجع الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة سيكتشف أن ثلاثة دول كبرى هي أمريكا وألمانيا وأستراليا أطلقت مشاريع لبناء قنصليات وسفارات كبرى في الدارالبيضاء والرباط. وعندما تتسابق الدول العظمى لتوسيع قنصلياتها وتجديد سفاراتها في بلد ما فهذا يعني أن هذه الدول ترى أن بلدنا سيصبح بوابة العالم الجديد الذي سيتحول إلى سلة غذاء العالم ومصدر طاقاته وموارده البشرية.