لم تكن متابعة أطوار محاكمة المتهمين في الأحداث المرتبطة بأحداث اكديم أيزيك٬ التي تجري حاليا بالمحكمة العسكرية بالرباط٬ أمرا هينا بالنسبة لعائلات الضحايا٬ لاسيما جلسات الاستماع للمتهمين في هذه القضية٬ حيث استرجعت خلالها هذه العائلات لوعة فراق ابن أو أخ أو زوج قدم روحه فداء للوطن.
جلسات استماع استغرقت أربعة أيام منذ استئناف المحاكمة الجمعة الماضية٬ أثارت لدى هؤلاء العائلات تساؤلا ملحا "هل من جلسات استماع للمآسي" التي خلفها فقدان فلذات أكبادهم وهم في ريعان شبابهم٬ من قبل الرأي العام الوطني والدولي وجهات تسعى إلى قلب الأدوار بين الجناة والضحايا.
أمام فاعلين حقوقيين وملاحظين وطنيين ودوليين لم يكتفوا بالترجمة التي وفرتها المحكمة بل استعانوا بمترجمين خاصين٬ وبحضور إعلامي وطني ودولي٬ ومآزرة هيأة دفاع تضم سبعة محامين٬ أتيحت الفرصة للمتهمين ال24 المتابعين في هذه القضية للإدلاء بأقوالهم بكل تفصيل وبدون تحديد الوقت٬ في التهم الثقيلة الموجهة إليهم.
ويواجه المتابعون في الأحداث التي شهدتها مدينة العيون على إثر تفكيك مخيم اكديم ايزيك في شهري أكتوبر ونونبر 2010٬ تهما تتعلق ب"تكوين عصابات إجرامية واستعمال العنف ضد قوات الأمن مما أدى إلى القتل العمد والتمثيل بالجثث".
لم يكتف المتهمون أثناء استنطاقهم ببسط الوقائع المرتبطة بظروف اعتقالهم بإسهاب٬ بل تجاوزوا ذلك إلى التعبير عن آرائهم ومواقفهم بالرغم من تدخل رئيس المحكمة لمطالبتهم بالتقيد بالدعوة العمومية وتذكيرهم بأن المحكمة "ليست منبرا لتمرير الخطابات السياسوية".
وفي المقابل٬ كان أقرباء الضحايا جالسين في المقاعد الخلفية بالمحكمة٬ يتابعون تعاقب المتهمين٬ وقد خيم الوجوم على وجوهم٬ جراء ما يعتصر قلوبهم من آلام بعد أن رزؤوا في أبنائهم٬ وهم يمنون النفس بأن يحظوا بنفس الفرصة التي أتيحت للطرف الآخر في القضية للكشف عن الحقيقة٬ لاسيما لدى بعض الجهات التي انبرت للدفاع عن المتهمين في هذه القضية وفق "أجندة سياسوية".
وأبرز أقرباء الضحايا٬ في تصريحات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء قبيل انعقاد الجلسة السادسة من المحاكمة أمس الأربعاء٬ حجم المعاناة النفسية والظروف المادية الصعبة التي يعيشونها لاسيما وأن بعض الضحايا كانوا يعيلون هذه الأسر.
نعيمة٬ أم الفقيد عبد المجيد أطرطور (23 سنة) التي قدمت من مدينة تازة لمتابعة المحاكمة٬ لا زالت تحت تأثير الصدمة٬ وترفض أن تصدق أنها فقدت فلذة كبدها الذي كان قد التحق لتوه بالدرك الملكي.
تسترجع هذه الأم الثكلى بنبرة حزينة شريط الأحداث٬ قائلة إنها لا زالت تتذكر عندما تلقت اتصالا هاتفيا من الفقيد من مدينة العيون قبل وفاته بيوم واحد٬ يخبرها فيه أنه سيبعث لها مبلغا من المال لشراء أضحية العيد٬ رغبة منه في مساعدة والده الذي يعيل أسرة تتكون من ثمانية أفراد.
وفي الوقت الذي كانت الأم تنتظر اتصالا ثانيا منه٬ تلقت خبر مقتله بطريقة بشعة حيث تم دهسه عمدا بواسطة سيارة من نوع "راندروفر". وبالرغم من أن الفقيد كان المعيل الوحيد للأسرة٬ فإن هذه الأم تعتبر أن "فقدانه ليس خسارة لأنه استشهد في سبيل الوطن".
إحدى الامهات لم تكن تتوقف عن البكاء طيلة أطوار المحاكمة بالنظر إلى الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق ابنها (عنصر من القوات المساعدة) حيث "تم ذبحه مثل خروف بواسطة سكين"٬ على حد قولها.
تقول هذه الأم "إني أبكي الدم على فلذة كبدي٬ منذ فقدته ومنذ أن علمت أنه قتل بتلك الوحشية٬ لم يغمض لي جفن٬ وحالتي الصحية ما فتئت تتدهور".
بدورها٬ تصرح السيدة خديجة٬ أم المرحوم ياسين بوغطاية (24 سنة٬ عنصر من القوات المساعدة)٬ التي أصيبت بانهيار عصبي واكتئاب بعد أن فقدت ابنها وزوجها في نفس العام٬ "لقد قدر لابني أن يكون شهيد الواجب٬ لكن ما يحز في نفسي هو قتله والتمثيل بجثته دون أدنى اعتبار لمشاعرنا ولقيمنا الدينية".
لم تتمكن هذه الأم٬ التي تبدو صبورة وقوية٬ من حبس دموعها وهي تنظر إلى صور ابنها التي تحملها معها أينما حلت وارتحلت٬ مبرزة أن ابنها كان قدره أن يموت في مدينة العيون حيث ولد.
ويزداد الجرح عمقا لدى أم الفقيد وليد آيت علي٬ الدركي الذي لم يكن يتجاوز عمره 20 ربيعا عندما أردته يد الغدر قتيلا٬ ذلك أنه لم يكن ابنها الوحيد فقط بل أيضا أملها الوحيد في الحياة بعد طلاقها.
تقول وهي تجهش بالبكاء "كان بالنسبة لي المعيل الوحيد٬ وكان يرغب في تعويضي عن كل ما عانيته من أجل تربيته وتعليمه".
نفس مشاعر الحزن والألم كانت مرسومة على وجوه الآباء٬ الذين تركوا عملهم من أجل متابعة هذه المحاكمة التي جددت الآلام التي تجرعوها٬ و"كأن المصاب وقع البارحة".
أحد الآباء قال بأسى وحسرة "قمنا بدفن جثث أبنائنا٬ والآن نريد دفن هذا الملف بعد صدور الحكم وإحقاق الحق ونيل المجرم القصاص الذي يستحقه".
وبالرغم من حجم المعاناة النفسية والمادية التي يتقاسمها أفراد أسر الضحايا٬ فإنهم لا يضمرون أي شعور بالانتقام.
يقول أب أحد الضحايا "أعتبر المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم٬ لكنني تأثرت كثيرا عند عرض المحجوزات بالمحكمة٬ والتي تشمل سيوفا وخناجر. ذكرني المشهد بالطريقة البشعة التي قتل بها أبناؤنا".
ويقول أب آخر "نحن لا نشمت في المتهمين ولا نضمر لهم شعورا بالانتقام لأننا أبناء وطن واحد"٬ مثمنا التسهيلات التي وفرتها المحكمة للمتابعين.
وبالرغم من لوعة الفراق٬ أعرب أفراد أسر وأقارب الضحايا عن شعورهم بالفخر والاعتزاز لكون الضحايا قضوا شهداء٬ ودفعوا أرواحهم فداء للوطن.
وفي هذا السياق٬ أكد الناطق باسم تنسيقية أسر وعائلات وأصدقاء ضحايا أحداث كديم إزيك٬ أن هذا الملف "ليس له أي طابع سياسي٬ بل يتعلق الأمر بجرائم بشعة ارتكبت ضد أشخاص عزل".
وندد الناطق في هذا الإطار بمحاولة تغليط الرأي العام الدولي حول حقيقة وقائع أحداث اكديم ايزيك٬ داعيا الإعلام الدولي إلى "التحلي بالنزاهة والحياد والاستماع إلى طرفي القضية"٬ معربا عن أمله في البت بسرعة في هذه القضية٬ ومؤكدا أنه "لا يمكن في الوقت ذاته سلب حقوق الدفاع عن المتهمين".
وكانت المحكمة قد رفضت خلال جلسة أمس الأربعاء طلب تنصب محام من هيئة الرباط عن ذوي حقوق الضحايا كمطالب بالحق المدني مستندة في ذلك للفصل 9 من القانون العسكري الذي يمنع تنصيب المطالب بالحق المدني أمام القضاء العسكري وعلى الفصل 125 من نفس القانون الذي أعطى للمدان إذا ما ظهرت دلائل براءته الحق في أن يطلب مراجعة محاكمته وتعويضا عما قد يلحقه من ضرر نتيجة إدانته.
وبهذا الخصوص٬ أوضح المحامي محمد ألمو٬ في تصريح للوكالة٬ أن النظام القانوني للمحكمة العسكرية لا يسمح لضحايا الجرائم التي تختص في البت فيها بالتنصيب كمطالبين بالحق المدني بما في ذلك المؤازرة بالدفاع.
وبالمقابل٬ يضيف الأستاذ ألمو٬ يمكن لأسر الضحايا المطالبة بالتعويض عن الضرر أمام المحاكم العادية في إطار المساطر المدنية (المسؤولية التقصيرية).
يذكر أن أحداث اكديم ازيك خلفت 11 قتيلا و 70 جريحا بين صفوف قوات الأمن.
وأبرز المحامي ألمو٬ من جهة أخرى٬ أن طول جلسة الاستماع للمتهمين وإعطائهم الحيز الكافي للإدلاء بأقوالهم٬ والاستعانة بالمترجمين إلى جانب عرض المحجوزات يعزز حق الدفاع.