20 سنة إلى المؤبد للمتابعين في «اكديم إيزيك» أدانت المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية، في ساعة متأخرة من ليلة أول أمس السبت إلى الأحد، المتهمون على خلفية أحداث تفكيك مخيم «اكديم إزيك» من أجل المنسوب إليهم، وقضت في حقهم بأحكام تراوحت ما بين الاكتفاء بما قضى من العقوبة، والسجن المؤبد. كما قضت المحكمة بمصادرة المحجوزات من وسائل اتصال لاسلكية وهواتف نقالة وأجهزة إلكترونية، والمبالغ المالية المحجوزة لدى المتهمين. في حدود الساعة الخامسة وبضع دقائق من عشية السبت، أعلن رئيس الهيئة رفع الجلسة واختلاء الهيئة للمداولة في الملف، بعد أن طلب من الحاضرين الوقوف أو قراءة الفاتحة ترحما على أرواح الضحايا الذين سقطوا في الأحداث. وقبل أن تغادر الهيئة قاعة الجلسات، وتعبيرا عن سعة صدر المحكمة، التي اعترف بها المتابعون أنفسهم خلال كلمتهم الأخيرة، أمر رئيس الجلسة بنقل المتهمين إلى السجن لأخذ قسط من الراحة، لأن المداولات ستطول بحسبه، وسيبلغهم بموعد إعادتهم إلى المحكمة لحضور النطق بالأحكام. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف ليلة السبت الأحد، عندما شرع رئيس الجلسة في تلاوة الأحكام الصادرة عن هيئة المحكمة، بعد أزيد من سبع ساعات من المداولة، وبدأ أولا بإصدار حكم غيابي في حق المتهم حسن عليان، الموجود في حالة فرار، والذي تشير الأخبار أنه يتواجد بجزر الكناري، والقاضي بإدانته من أجل الأفعال المنسوبة إليه والحكم عليه بالسجن المؤبد. وأبدى رئيس الهيئة ذكاء وحنكة وشجاعة وعبقرية كبيرة في تدبير هذه المحاكمة، منذ أول أيام بدايتها إلى بآخر نهاية أطوارها بصدور الأحكام، حيث تفتقت تلك العبقرية بالمناداة على المتهمين المتابعين في الملف مثنى مثنى، تفاديا لوقوع أي فوضى أو قلاقل داخل قاعة المحكمة، ومباشرة بعد النطق بالحكم يأمر المتهمين بالتقدم أمام وكيل الملك لإبلاغهم أجل الطعن. خلال النصف الساعة التي استغرقتها تلاوة الأحكام، حبس الحاضرون داخل قاعة الجلسات أنفاسهم، ولم تكد تسمع سوى همهمات من هنا، وتنهيدات من هناك، تكسر بين الفينة والأخرى السكون السائد بها. وقضت المحكمة في حق ثمانية متهمين آخرين، المتابعين أمامها في حالة اعتقال، ويتعلق الأمر بكل من سيدي عبد الله ابهاه، ومحمد باني، وإبراهيم الإسماعيلي، محمد البشير بوتنكيزة، سيدي عبد الجليل العروسي، وعبد الله الخفاوني، وسيد أحمد المجيد، وأحمد السباعي، بالسجن المؤبد. وقررت المحكمة إدانة كل من النعمة أسفاري، ومحمد بوريال، والشيخ بانكا، وحسن الداه، من أجل المنسوب إليهم والحكم عليه بثلاثين سنة سجنا نافذا. وعلى كل من محمد لمين هدي، ولحسن الزاوي، وعبد الله التوبالي، ومحمد التهليل، ومحمد مبارك لفقير، والديش الضافي، ومحمد خونا بوبيت، والعربي البكاي، ب 25 سنة سجنا نافذا. كما قضت المحكمة في حق كل من البشير خدا، ومحمد الأيوبي المتابع في حالة سراح بعشرين سنة سجنا نافذا. وقررت المحكمة في حكمها الصادر في حق كل من التاقي المشضوفي وسيدي عبد الرحمان زايو بالاكتفاء بما قضيا من العقوبة. ويتابع المتهمون ال 25، منهم 23 متابعون في حالة اعتقال، ومتهم واحد في حالة سراح، وآخر في حالة فرار من أجل تكوين عصابة إجرامية، والعنف في حق رجال القوة العمومية أثناء ممارستهم لمهامهم المفضي إلى الموت بنية إحداثه، والمشاركة في العنف والتمثيل بجثة، كل حسب المنسوب إليه. كما قضت المحكمة بمصادرة المحجوزات من وسائل الاتصال والهواتف والنقالة والأسلحة البيضاء والتجهيزات الإلكترونية، والمبالغ المالية الأجنبية التي ضبطت لدى المتهمين لفائدة الدولة، وإتلاف ما تبقى من هذه المحجوزات. وشهد الساحة المقابلة للمحكمة، مباشرة بعد رفع الجلسة لاختلاء الهيئة للمداولة، مظاهرتين متقابلتين، الأولى لأسر المتهمين، والثانية لأسر الضحايا، لا تفصل الواحد عن الأخرى سوى أمتار قليلة انتشر بها أفراد الأمن تفاديا لأي احتكاك بين الطرفين، وبعد نقل المتهمين، كما أمرت المحكمة، إلى السجن، انفضت المظاهرتين، بسلام. ومع حلول الظلام أخلي مكان اعتصام كلا العائلتين، إلا من بعض الأفراد الذين يروحون جيئة وذهابا. ومع اقتراب موعد صدور الأحكام، كانت الساحة التي عرفت اعتصامات متواصلة لأهالي الضحايا والمتهمين، فارغة إلا من أفراد الأمن الذين انتشروا فيها. وفي الحيز المخصص لعائلات الضحايا أشعلت شموع ونثرت بعض الورود على الطريق لذكرى أرواح الشهداء الذين راحوا ضحية «الأعمال الإجرامية الوحشية». وكانت المحكمة خصصت جلسة أول أمس السبت لإعطاء الكلمة الأخيرة للمتهمين، حيث أبدى رئيس الجلسة أكثر من مرة تسامحا لا مثيل له، وترك بعض المتهمين يسترسلون في الحديث لعشرات الدقائق، دون أن يقاطعهم، إلا أثناء خروجهم عن الموضوع، وأحيانا كثيرة بلباقة. وجدد المتهمون في كلمتهم الأخيرة إنكار التهم الموجة إليهم، والتأكيد على ضرورة اعتبار أنهم نشطاء حقوقيون ومعتقلون سياسيون يحاكمون من أجل قناعاتهم السياسية. وأثناء المناداة عليهم من طرف المحكمة، كانوا كلهم يلوحون بشارة النصر ويرفعون شعارات مؤيدة للبوليساريو من قبيل «لا بديل لا بديل عن تقرير المصير» والجمهورية الصحراوية هي الحل»، البعض منهم صدح بشعارات معدية للمغرب من قبيل «لا مجال لا مجال لأحكام الاحتلال» حتى بعد سماع الحكم الصادر في حقه، ومنهم من تجرأ على هيبة المحكمة بالجهر «لا شرعية للمحكمة العسكرية»، ولم ينتج عن مثل هذه التصرفات أي رد فعل سواء من هيئة المحكمة أو من ممثل النيابة العامة، أو حتى من الحضور. وأطلق أفراد عائلات وأسر الضحايا العنان لفرحتهم وتبادلوا التهاني فيما بينهم، مباشرة بعد النطق بالأحكام، منهم من لم يتمالك نفسه وأجهش بالبكاء داخل القاعة، بعضهم صرخ عاليا تحية للمحكمة. ورغم الوقت المتأخر من الليل ورغم برودة الطقس أبى الحاضرون منهم إلا أن يعبروا بطريقتهم الخاصة عن ارتياحهم للأحكام الصادرة في حق من يعتبرونهم متورطين في فقدان أبنائهم وفلذات أكبادهم، وشعورهم بان المحكمة اقتصت لهم، وعوضتهم ولو معنويا بفقد أعزائهم.