عاد إلى الضوء في الأيام الأخيرة إقليم كشمير، الذي يشهد نزاعاً عمره 72 عاماً، بعد قرار الهند إلغاء الوضع الخاص بالإقليم. فماذا يعني هذا الأمر؟ وكيف تطوّرت الأحداث فيه منذ استقلال الهند عام 1947 وحتّى يومنا هذا؟ بدأت أزمة كشمير عام 1947، إثر قانون استقلال الهند الذي أصدره البرلمان البريطاني، وأنهى حكم بريطانيا لها. وبموجب هذا القانون، قُسّمت شبه الجزيرة الهندية على أساس عوامل ديمغرافية ودينية، وتقرّر أن تنضمّ الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، على أن تنضمّ تلك ذات الغالبية المسلمة إلى باكستان، وهذا ما حصل، إلا أنّ قضيّة إقليم كشمير، الذي انضمّ إلى الهند، بقيت عالقة حتّى يومنا هذا، حتّى تحوّلت إلى أقدم نزاع في العصر الحديث. ما هو إقليم كشمير وما هي قصّته؟ كشمير منطقة جغرافية تقع شمال غرب شبه قارة الهندوباكستان والصين في وسط آسيا، وتعرضت للاحتلال من قبل الدول الثلاث. وفي منتصف القرن التاسع عشر، كانت كلمة "كشمير" تشير إلى الوادي الذي يقع بين جبال الهيمالايا وجبال بير بنجال، أمّا اليوم، فباتت تشير إلى منطقة أوسع، تتضمن المناطق التابعة للهند جامو وكشمير، (والتي تتألف من جامو، ووادي كشمير، ولاداخ)، والمناطق التابعة لباكستان وهي أزاد كشمير، وجيلجيت - بالتيستان، والمناطق التابعة للصين، وهي: أكساي تشين، وترانس كاراكورام تراكت. وتبلغ مساحة الإقليم حوالي 222 ألف كيلومتر مربع، يقيم فيه 12 مليونا و550 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية صدرت عام 2011. بموجب خطة التقسيم المنصوص عليها في قانون الاستقلال الهندي، كان لكشمير الحرية في اختيار الانضمام إلى الهند أو باكستان، واختار حاكمها هاري سينغ الهند، على الرغم من معارضة الغالبية المسلمة للأمر، فاندلعت الحرب في أكتوبر عام 1947. في يناير 1948، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 39 (1947)، الذي أسّس بموجبه لجنة الأممالمتحدة للهند وباكستان، من أجل التحقيق والتوسط في النزاع. وفي إبريل من العام نفسه، وبموجب قراره رقم 47 (1948)، قرّر مجلس الأمن توسيع عضوية اللجنة، والتوصية بإجراءات مختلفة، منها الاستعانة بمراقبين من أجل وقف القتال. بعد ذلك بثلاثة أشهر، وفي يوليو 1949، وقّعت كلّ من الهندوباكستان اتفاق كراتشي الذي ينصّ على خطّ لوقف إطلاق النار، يُشرف عليه مراقبون عسكريون، شكّلوا نواة فريق مراقبي الأممالمتحدة العسكريين في الهندوباكستان. كيف تطوّرت الأحداث في كشمير وما هي أبرز محطات النزاع؟ - شهد عام 1965 مناوشات بين الهندوباكستان، بدأت في إبريل ، قبل أن تندلع أعمال عسكرية على نطاق واسع في غشت من العام نفسه، على طول خط وقف إطلاق النار في كشمير. وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة في 3 سبتمبر أنّ وقف إطلاق النار، المؤرخ في 27 يوليو 1949 قد انهار، مشدداً على أنّ عودة البلدين للالتزام به، ستوفر المناخ للسعي لحلّ الخلافات السياسية. في 4 سبتمبر 1965، دعا مجلس الأمن بموجب القرار رقم 209 إلى وقف لإطلاق النار، طالباً من حكومتي البلدين التعاون مع فريق "مراقبي الأممالمتحدة العسكريين في الهندوباكستان"، في مهمته لمراقبة وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من جهود مجلس الأمن والأممالمتحدة، إلا أنّ خروقات وقف إطلاق النار ظلّت مستمرّة. في 10 يناير، أعلن رئيس الوزراء الهندي والرئيس الباكستاني، اللذين التقيا في طشقند بدعوة من رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي، اتفاقهما على أنّ سحب جميع المسلحين من الجانبين إلى المواقع التي كانوا يشغلونها قبل 5 غشت 1965 يجب أن ينتهي بحلول 25 فبراير 1966، وأنّ على الجانبين مراقبة شروط وقف إطلاق النار على خطّ وقف إطلاق النار. وفعلاً، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في 26 فبراير أنّ انسحاب الطرفين قد اكتمل وفق الجدول الزمني المحدّد في 25 من الشهر عينه. وبهذا، تكون الحرب الثانية بين الهندوباكستان حول كشمير قد انتهت باتفاق على وقف إطلاق النار، وصعود القومية الكشميرية، وتأسيس "جبهة تحرير جامو وكشمير"، بهدف إقامة دولة مستقلة، من خلال اتحاد القطاعين اللذين تديرهما الهندوباكستان من كشمير. - في ديسمبر 1971، اندلعت الحرب ثالثةً بين الدولتين النوويتين، اشتعلت بهجوم هندي شامل على الشطر الشرقي من باكستان، الذي كان يُعرف باسم باكستان الشرقية، والذي كان يشهد تمرداً من جانب الأغلبية البنغالية في الأقاليم التي كانت تسعى إلى الانفصال، وهو ما حدث بقيام دولة بنغلاديش. وفي يوليو/ تموز 1972، وقّعت كلّ من الهندوباكستان اتفاقية "سيملا" لإنهاء الحرب بينهما وتحديد خط وقف إطلاق النار للسيطرة، كجزء من مفاوضات تسوية الخلافات بعد حربهما. - في عام 1989 بدأت مقاومة مسلّحة للحكم الهندي في كشمير، ومطالبة بالانفصال عنه، اتّهمت فيها الهندباكستان بدعم المقاتلين المحليين بالأسلحة والتدريب، الأمر الذي نفته إسلام أباد، قائلة إنها تمنح الكشميريين المحليين دعماً "معنوياً ودبلوماسياً" فقط. وقُتل عشرات الآلاف من الأشخاص في النزاع المستمرّ بين البلدين، نتيجة الحروب، والمناوشات، والعمليات الانتحارية، والحملات التي يشنّها جيشا البلدين من حين إلى آخر، في وقت تعرّضت فيه الدبلوماسيّة بينهما، في كثير من الأحيان، للاهتزاز. - في عام 2008، رأى البعض بوادر انفراج للأزمة التي كانت قد تخطّت في حينها عامها الستين، إثر افتتاح طريق تجاري بين الهندوباكستان، عبر خط السيطرة، للمرة الأولى منذ 6 عقود. إلا أنّ احتجاجات وُوجِهت بالقمع، اندلعت ضدّ الهند في الإقليم بعد سنتين، وراح ضحيتها زهاء مئة شخص، ما أدّى إلى تدهور العلاقات بين الطرفين مجدداً. - سياسياً، عاد المشهد إلى التأزم بعد انتخابات عام 2015 في الشطر الهندي من الإقليم، التي شهدت صعود حزب "بهاراتيا جاناتا"، القومي الهندوسي الحاكم، للمرة الأولى كقوة سياسية رئيسة في الإقليم، بتشكيله ائتلافاً حكومياً مع "حزب الشعب الديمقراطي المحلي". استمرّت المناوشات بين البلدين، وصولاً إلى 14 فبراير/ شباط 2019، حيث أدّى تفجير سيارة مفخخة في الشطر الهندي من كشمير إلى مقتل 40 جندياً من قوات الأمن الهندية، في أعنف هجوم على هذه القوات خلال 30 عاماً. وأعلنت جماعة "جيش محمد" المسلحة، التي تتمركز في باكستان، المسؤولية عنه، ما دفع بالهند إلى إلقاء اللائمة على باكستان، والتوعّد "بردّ ساحق". على الأثر، استدعت الهند سفيرها في باكستان، لبحث العلاقات مع إسلام أباد، وقامت باكستان بخطوة مماثلة حيث استدعت سفيرها في الهند للتشاور. وأكد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أنّه ما من سبيل لتهدئة التوتر إلا عبر الحوار، متوعداً بأنّ بلاده ستردّ إذا تعرضت لهجوم من الهند. وتوالى التصعيد الأمني والسياسي على حدّ سواء بين البلدين، وصولاً إلى إعلان الجيش الباكستاني أسر طيار بعد إسقاط مقاتلتين تابعتين لسلاح الجو الهندي، اخترقتا المجال الجوي الباكستاني، في فبراير من هذا العام، قبل أن يفرج عنه في وقت لاحق، في الأول من مارس. في هذه الأثناء، وبينما كانت كشمير تغلي، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحقّق انتصاراً مذهلاً في الانتخابات التي انتهت في مايو 2019، ليكون حزبه "بهاراتيا جاناتا" أول حزب يحقق الأغلبية مرتين متتاليتين منذ عام 1984. ومهّد هذا الفوز لمزيد من التصعيد في إقليم كشمير، حيث كان الحزب قد أعلن في برنامجه الانتخابي في إبريل، عن نيته إلغاء القانون "A35" الذي يمنح سكان جامو وكشمير حقوقاً خاصة. وبحسب رؤية الحزب الحاكم، فإنّ القانون عقبة في وجه تنمية الإقليم وتحسن حالة سكانه، ومن هنا فلا بد من إلغائه. وفعلاً، أعلنت الحكومة المركزية الهندية في 5 غشت 2019، إلغاء الحكم الذاتي الدستوري في ولاية جامو وكشمير، بموجب مرسوم رئاسي. وبحسب نصّ أصدرته الحكومة، يدخل المرسوم "حيز التنفيذ فوراً"، وهو يستبدل النصوص الدستورية الخاصة بجامو وكشمير، خصوصاً المادة 370. ماذا يعني إلغاء الوضع الخاص لكشمير؟ تعطي المادة 370 من الدستور الهندي، والتي ألغتها الهند، سكان جامو وكشمير هامشاً واسعاً من المناورة في إدارة شؤون ولايتهم، وبموجبها، لم تكن الحكومة المركزية في نيودلهي مفوضة بسنّ تشريعات في هذه المنطقة، إلا في مسائل الدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات، أمّا الأمور المتبقية، فتتولاها سلطة تشريعية محلية. وإلغاء هذه المادة يعني أنّ جامو وكشمير ستتمّ إدارتهما بشكل كبير من قبل الحكومة المركزية، ولن يكون لهما دستور وعلم منفصلان. وبإلغائها أيضاً، يصبح القانون "35A" باطلاً تلقائياً، وهو الذي يمنع الأجانب في جامو وكشمير من شراء الأراضي والحصول على فرص عمل في المنطقة. ويعود تاريخ القانون رقم "35A" الخاص بسكان جامو وكشمير، إلى عام 1952، حين قرّر رئيس الوزراء آنذاك، جواهر لال نهرو، ورئيس وزراء جامو وكشمير، الشيخ عبد الله، صياغة قانون جديد خاص بسكان إقليم جامو وكشمير. بناء على ذلك، اقترح نهرو في 14 من شهر مايو عام 1954، على الرئيس الهندي راجيندرا براساد، الاعتماد على القانون "35A"، ومعلوم أنّ المادة رقم 370 من الدستور الهندي تمنح الرئيس صلاحية الاعتماد على القانون الجديد، وإجراء تغييرات في الدستور، من دون اعتماد البرلمان عليه، وقد فعل ذلك. بالتالي أصبح القانون رقم "35A" جزءاً من الدستور الهندي. ويهدف الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير إلى الحفاظ على حقوق سكانه، وهو من الشروط التي وضعتها إمارة كشمير للقبول بالانضمام إلى الهند عام 1947. وينصّ القانون على حفظ حقوق المقيمين في الإقليم، كما يفرق بين حقوق سكانه وحقوق باقي سكان الهند. ويجعل القانون أيضاً قضية العمالة في الإقليم تحت سيطرة الحكومة الإقليمية وليس المركزية؛ بالإضافة إلى ذلك، يحدّد القانون مواطني الإقليم، وهم كلّ من ولد فيه من أبوين كشميريين وكل من عاش عشرة أعوام فيه قبل سن هذا القانون، علاوة على منحه حقوقاً تعليمية خاصة لسكان إقليم كشمير. ويخشى سكان كشمير، ذات الغالبية المسلمة، من أن يكون هدف حكومة رئيس الوزراء الهندوسي من وراء هذه الخطوة، تغيير التركيبة السكانية لمنطقتهم على المدى الطويل. كيف تلقفت باكستان القرار الهندي وهل تستعدّ للحرب؟ تطالب باكستان منذ فترة طويلة بالسماح للأشخاص في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، بالتصويت على استفتاء لتقرير ما إذا كانوا يريدون قطع العلاقات مع الهند. وبعد القرار الهندي الأخير، أعلنت باكستان أنها ستطلب من الأممالمتحدة الضغط على الهند للتراجع عن قرارها هذا، مؤكدة أنها ستواصل تقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي والمعنوي للأشخاص الذين يعيشون في كشمير و"حقهم في تقرير المصير". ودفع قرار نيودلهيبباكستان إلى طرد السفير الهندي، واستدعاء سفيرها، وتعليق التجارة مع الهند، في إطار خفض العلاقات الدبلوماسية معها. بدوره، أعلن قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا، أن جيش بلاده سيذهب "إلى أي مدى" لدعم سكان كشمير، مشدداً على أنّ "جيش باكستان يقف بصلابة إلى جانب الكشميريين في كفاحهم العادل حتى النهاية". وفي أوج التوتر مع الهند، مضت باكستان في احتفالات الاستقلال (الذي يصادف في 14 أغسطس)، حيث نزل عدد كبير من السكان إلى الشوارع، ملوّحين بالأعلام الوطنية من سياراتهم ودراجاتهم النارية، في وقت توجه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى كشمير، للتعبير عن تضامنه مع سكان الشطر الهندي من الإقليم. بدوره، دان الرئيس الباكستاني عارف علوي، بمناسبة يوم الاستقلال، تغيير وضع كشمير في الدستور، واعتبر ذلك انتهاكاً للقانون الدولي، قائلاً إن باكستان "لن تترك الشعب الكشميري بمفرده"، طالباً من مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع لمناقشة هذه القضية، ومؤكداً أنّ المسلمين لا يريدون الحرب ولكن "إذا فرضت علينا، فلن نتراجع". وأمام كلّ ما ذُكر، يبدو أنّ طبول الحرب تُقرع مجدداً عند حدود كشمير، الإقليم المتنازَع عليه بين الهندوباكستان، فهل تكون الغلبة هذه المرّة أيضاً للغة السلاح، أو تنجح الدبلوماسيّة في تجنيب المنطقة حرباً رابعة قد تكون الأشدّ، مع سباق التسلّح الذي يخوضه البلدان النوويان؟