ردّ الجزائريون بقوة، خلال مسيراتهم الضخمة للجمعة الثامنة عشر على التوالي، على مناورات قايد صالح ومحاولته الفاشلة لتقسيم الحراك الشعبي الذي انطلق منذ 22 فبراير المنصرم والذي يطالب برحيل النظام وكل رموزه بما فيهم قائد أركان الحرب نفسه، الذي كان إلى وقت قريب يدافع عن بوتفليقة ويدعم ترشحه لولاية خامسة.. ورغم تنفيذ قوات الأمن بالحرف لأوامر قايد صالح، الحاكم الفعلي بالجزائر، إلا أن الجماهير الشعبية لم تتراجع أمام قمع النظام ومحاولات زرع التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، حيث ردّ المتظاهرون في مختلف أنحاء البلاد على استفزازات مؤسسة الجيش برفع شعارات "أمازيغي وعربي خاوة خاوة"، و"كلنا شعب واحد..تتنحّاو كاع"، و"إدّزايْرييْن خاوة خاوة..تتنحاو كاع"(الجزائريون إخوة..ارحلوا جميعا)، ورفعوا الأعلام الأمازيغية شكل مكثف إلى جانب الرايات الوطنية وذلك لتفنيد ادعاءات قايد صالح الذي قال يوم الاربعاء 19 يونيو، خلال زيارته الى الناحية العسكرية الثالثة، إن "للجزائر علم واحد استشهد من أجله ملايين الشهداء، وراية واحدة هي الوحيدة التي تمثل رمز سيادة الجزائر واستقلالها ووحدتها الترابية والشعبية". وفي محاولة لاستفزاز الشعب الجزائري ومناضلي الحركة الامازيغية، الذين تصدوا لمخططات الجيش منذ أمد طويل وواجهوه عبر العديد من المحطات التي سالت فيها دماء الشهداء سواء في الربيع الامازيغي أو خلال الربيع الاسود، قال قايد صالح بكل وقاحة إن "رفع رايات أخرى غير الراية الوطنية من قبل أقلية قليلة جدا قضية حساسة تتمثل في محاولة اختراق المسيرات"، مؤكدا أنه "تم إصدار أوامر صارمة لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين سارية المفعول والتصدي لكل من يحاول مرة أخرى المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال الحساس". وكان منتظرا أن يردّ الشعب بقوة على ترهات قايد صالح، الذي يحاول بكل الطرق تقسيم الحراك الشعبي وزرع بذور التفرقة بين الشعب الواحد من خلال تصوير القبائل وباقي الامازيغ كعدو للوطن ولباقي أبناء الجزائر، وهو ما تجسد أمس الجمعة من خلال حمل الأعلام الامازيغية بكثافة ورفع شعارات تجسد وحدة الشعب الجزائري ووعيه بالمخططات الجهنمية لنظام العسكر، التي دأب على اعتمادها لتأبيد حكمه منذ 1962 وذلك من خلال التطبيق الحرفي لسياسة فرّق تسد، التي ورثها عن المستعمر الفرنسي، والتي أسعفته في حكم الجزائر بقوة الحديد والنار.. إلا أن هذه السياسة العنصرية المبنية على التفريق بين أبناء الشعب الواحد، واستعداء طرف على آخر، لم تعد تنفع بعد تنامي الوعي بين صفوف الجزائريين بهويتهم الأمازيغية واكتشافهم أن اخوتهم في القبائل أو الأوراس او امزاب او في الهكار وباقي المناطق الاخرى الناطقة بالامازيغية هدفهم هو اقتلاع النظام الديكتاتوري وليس تقسيم البلاد، كما حاولت ولاتزال المؤسسة العسكرية إيهام الرأي العام بذلك، وها هو الشعب يُفشل اليوم مخططات قايد صالح ويعاكس رغباته الرامية إلى ضرب الحراك وتسفيه مطالبه في أفق تأبيد النظام العسكراتي الذي جثم على قلوب الجزائريين منذ سرقة ثمار الثورة سنة 1962 من خلال الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية المؤقتة. إن عداء قايد صالح، وزمرته، للعلم الأمازيغي هو عداء للامازيغ الذين وقفوا سدّا منيعا أمام مخططات النظام العسكري الديكتاتوري، منذ انقلاب محمد بوخروبة(هواري بومدين) على الحكومة المؤقتة المدنية للمجاهد بن يوسف بن خدة سنة 1962، لذلك فإن العداء لهذه الراية، هو في الحقيقة عداء لكل ما ترمز إليه من مقاومة وتشبث بالوطن ودفاع عن الحقوق الفردية والجماعية، والتوق إلى بناء مجتمع ديمقراطي ودولة المؤسسات بعيدا عن وصاية العسكر، الذي يحاول اليوم إسكات هذا الصوت المزعج من خلال زرع الشقاق بين ابناء الشعب الواحد..