لم يكد عبد الحميد أمين يفتح عينيه من " الدوخة" التي افتعلها ذات يوم بشارع محمد الخامس، وسط الرباط، في محاولة بئيسة لإثارة انتباه، وبالتالي تعاطف المارة إلى مشهد سخيف من تمثيلية أسخف كان بصدد الإعداد لها تحت شعار الاحتجاج على ميزانية القصر، إذا بهاتف، من القصر بتونس، يوقظه، ويقول له : تعالى يامسكين، فالرئيس المنصف وضع اسمك ضمن قائمة المكرمين بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان. سافر " ممون الصداع " أمين إلى تونس، ودخل من الباب الكبير لقصر قرطاج هو الذي يدعي مقته وكراهيته للقصور. ولا شك أن الناشط الحقوقي قد شعر بالدوخة حين وجد نفسه وسط أروقة وممرات وفضاء وحدائق قصر قرطاج الذي ما زالت رائحة الديكتاتور بن علي تعشش في كل ركن من أركانه، وأكيد أن لحظة التكريم كانت عليه بردا وسلاما نسي خلالها ما استنشقه من بقايا روائح الزين بن علي التي لا شك أنها افتقدت للكثير من عطرها وأفقدته الكثير من توازنه.
أتساءل فقط : لو كان " ممون الصداع " – أمين - تونسيا، ماذا كان سيقول في الرئيس المنصف، وهو يرى هراوات وقنابل قوات الأمن التونسية المسيلة للدموع تنزل على المحتجين، وتوالي الاعتقالات في صفوف الغاضبين، وسقوط الجرحى والقتلى أيضا، ومظاهر العنف التي أصبحت مشهدا يوميا تؤثث فضاء الشوارع في" تونس الخضراء " ؟ وبماذا سيصف حكومة " الإخوان " الديموقراطية وزعماءها في تونس الشقيقة ؟
لنفترض، جدلا أن" ممون الصداع " أمين، القيادي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ليس له علم بالقمع الذي يتعرض له المحتجون، ولا بسقوط ضحايا، ولا باعتقالات، ولا بحالة طوارىء في " تونس الخضراء ".
لنفترض أن أمين، ربما، لا يعرف أن تونس الشقيقة تمر بأزمة سياسية – نتمنى صادقين أن تخرج منها سليمة معافاة – لدرجة أن الرئيس المنصف ألغى زيارات كانت مبرمجة لبعض الدول الأوربية بسبب الوضع المضطرب في البلاد.
لنفترض أيضا أن " ممون الصداع " أمين يجهل تماما أن نقابيين ومناضلين تابعين للاتحاد العام للشغل التونسي – أكبر نقابة في تونس - يتعرضون للاضطهاد والتضييق والاعتقال، وأن البلاد تعيش على إيقاع المواجهات والاشتباكات ..
لنفترض كل هذا وغيره، ونحن نبحث للناشط المغربي عن الأعذار والمبررات، ونتساءل فقط : ألم يعرف " ممون الصداع " أنه في الوقت الذي كان يحظى بالتكريم والتو شيح من الرئيس المنصف، كان الشارع التونسي يغلي بالمواجهات والاحتجاجات والاصطدامات مع قوات الأمن، والسياسيون في حيرة من أمرهم في مسعاهم للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر ؟
ألم يتساءل الناشط الحقوقي – الذي يفتخر بنفسه في المغرب بأنه أكثر الناشطين حضورا في أية جلبة وضوضاء – عن أوضاع حقوق الإنسان بهذا البلد الشقيق ؟ ألم يدر بخلده، لحظة تسلم الوسام من الرئيس المنصف، الانتهاكات – لن نصفها لا بالخطيرة ولا بالجسيمة – التي تمت في ذلك الوقت، وربما قبله، وربما بعده ؟
ألم يتساءل الناشط الحقوقي الذي لا يشق له غبار، في قرارة نفسه، بأن ما أقدم عليه لا يمت ببصلة ( وليس بصلة) لحقوق الإنسان في منطوقها ومفهومها العادي، فبالأحرى معيارها الكوني ؟
ألم تخجل ياهذا الذي يتمشدق بحقوق الإنسان في بلده المغرب فقط من الزاوية التي يريد وفي الوقت الذي يريد، ونكاية بهذا أو ذاك .. بينما تعرف وتدرك وتعي جيدا أن حقوق الإنسان وحدة واحدة لا تتجزأ، كنت في المغرب أو في الصين أو في المريكان أو في أي بلد ؟
لا أستطيع أن أتصور كم من هراوة نزلت على الرؤوس، وكم من قنابل غاز خنقت النفوس، وكم محتج تم اعتقاله، وكم جريح أو قتيل لفظ أنفاسه، والناشط الحقوقي المغربي عبد الحميد أمين يمشي مرحا، مزهوا بنفسه، وسط قصر قرطاجبتونس العاصمة، يحتفي بتكريمه وتوشيحه !!!
لقد خانتك اللحظة يا أمين. هلا استحيت؟ بما أنك لا تستحي، فافعل ما شئت.