تخلد أسرة المقاومة ومعها سكان إقليمالعيون، يوم 28 فبراير الجاري و1 و2 مارس المقبل، الذكرى ال 61 لمعركة الدشيرة المجيدة التي تصادف الذكرى ال43 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية، بكل ما يرمز إليه هذان الحدثان من معاني الوطنية والإيمان القوي للدفاع عن وحدة الوطن والذود عن ثوابت الأمة ومقدساتها الدينية والحضارية. وتعتبر ذكرى معركة الدشيرة، وذكرى جلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية المسترجعة، محطتان وضاءتان في تاريخ الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، ومناسبة لاستحضار محطات تاريخية بارزة في ملحمة استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية، والاعتزاز بفصول وأطوار مسيرة الكفاح الوطني. كما تجسد معركة الدشيرة واسطة عقد منظومة الملاحم الغراء التي تحققت بفضل النضال المستميت والتلاحم المكين بين العرش العلوي المنيف والشعب المغربي الأبي، والمسيرة التي تكللت بالمسيرة الخضراء وإنهاء وجود الاحتلال الأجنبي بالأقاليم الجنوبية للمملكة. لقد واصل الشعب المغربي، وفي طليعته أبناء الأقاليم الجنوبية، مسيرة نضاله البطولي من أجل تحرير باقي الربوع السليبة من تراب الوطن، مجسدين مواقفهم الراسخة ارتباطا بمغربيتهم وإيمانا ببيعة الرضى والرضوان الذي تربطهم بملوك الدولة العلوية الشريفة، ورافضين لكل المؤامرات التي تحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب. وتعتبر معركة الدشيرة بحق معلمة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني، ألحق فيها جيش التحرير هزيمة نكراء بقوات الاحتلال ما بين 1956 و1960، تظل ربوع الصحراء المغربية شاهدة على ضراوتها كمعارك "الرغيوة"، و "المسيد"، و" أم لعشار"، و"مركالة"، و "البلايا "، و "فم الواد ". وأمام هذه الانتصارات المتتالية لجأت قوات الاحتلال الأجنبي إلى إبرام تحالف في معركة "اكوفيون"، التي خاض أطوارها جيش التحرير بالجنوب مبرهنا على صموده في سبيل استكمال الوحدة الترابية تعزيزا للأعمال البطولية وما صنعه المغاربة من أمجاد لإعلاء راية الوطن خفاقة في سمائه وعلى أرضه بقيادة العرش العلوي المجاهد. لقد قدم المغرب جسيم التضحيات في مواجهة المستعمر الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بالشمال والجنوب، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة بذل العرش والشعب خلالها تضحيات جسيمة في غمرة كفاح متواصل طويل الأمد ومتعدد الأشكال والصيغ لتحقيق الحرية والخلاص من أخطبوط الاستعمار بنوعيه والمتحالف ضد وحدة كيان المغرب إلى أن تحقق الاستقلال في 16 نونبر 1955. ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. وفي هذا المضمار، كانت ملاحم التحرير بالجنوب سنة 1956 لاستكمال الاستقلال في باقي الأجزاء المحتلة من التراب الوطني، حيث استمرت مسيرة الوحدة في عهد بطل الحرية والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس الذي تحقق على يديه استرجاع طرفاية سنة 1958 بفضل العزم الأكيد والإرادة القوية والإيمان الراسخ والالتحام الوثيق بين العرش والشعب وترابط المغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وتواصلت هذه الملحمة النضالية في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني بكل عزم وإيمان وإصرار، وتكللت باسترجاع مدينة سيدي افني سنة 1969، ثم بالمسيرة التاريخية الكبرى، مسيرة فتح المظفرة في 6 نونبر 1975 التي جسدت عبقرية ملك استطاع بأسلوب حضاري فريد يرتكز على قوة الإيمان بالحق استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حظيرة الوطن. وكان النصر حليف الإرادة الوطنية، وارتفعت راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976 مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري في الصحراء المغربية، لتتكلل الملحمة الغراء باسترجاع إقليم وادي الذهب إلى حظيرة الوطن يوم 14 غشت 1979. وها هو المغرب اليوم يواصل مسيرته الحضارية بقيادة جلالة الملك محمد السادس دفاعا عن مقدسات الوطن وانخراطا في المسار التحديثي للمغرب وفقا لمتطلبات المرحلة التي تقتضي إسهام كافة فئات الشعب المغربي في مسلسل التنمية الشاملة والمستدامة وإعلاء صروح الديمقراطية وصيانة الوحدة الترابية وتثبيت مغربية الأقاليم الجنوبية للمملكة في ظل السيادة الوطنية. وبالمناسبة، تنظم المندوبية السامية للمقاومة واعضاء جيش التحرير مهرجانات احتفالية حاشدة بكل من العيون (28 فبراير) والسمارة (فاتح مارس) وبوجدور (2 مارس) تلقى خلالها كلمات وشهادات تستحضر هذين الحدثين المشرقين في التاريخ الوطني الطافح بالمكرمات والبطولات من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية واستكمال الوحدة الترابية. ويروم تخليد هذين الحدثين المجيدين إبراز المعاني الجليلة من أحداث الكفاح الوطني الطافح بالأمجاد والبطولات وتعريف الأجيال الصاعدة واللاحقة والمتعاقبة بما يزخر به تاريخ المغرب من كنوز ثمينة تماشيا مع روح التوجيهات السديدة لجلالة الملك محمد السادس القاضية بضرورة إيلاء التاريخ المغربي المجيد ما هو جدير به من عناية واهتمام، والتزود بما يطفح به من قيم سامية ومعاني عميقة واستلهامها في ملاحم بناء الحاضر الزاهر بتجند تام تحت القيادة الحكيمة لجلالته.