عن الزميلة الاتحاد الاشتراكي دون أن نلاحظ ذلك، فإن الترسانة التكنولوجية للحواسيب و الهواتف الذكية و البطاقات الرقمية المختلفة، لديها نقطة مشتركة مع أدوات القمار و النرد و باقي أجهزة الكازينوهات. فهي مستهلكة كبرى للصدفة و صانعة لها. فأي تبادل رقمي و أي اتصال لاسلكي و أي أداء بالبطاقة لا تخضع سلامته للحظ و الصدفة و اللامُتوقع. فالصدفة ضرورة إذن. في هذا الصدد يقول "جون بول ديلاهاي" البروفيسور بمختبر الرقميات الأساسية في جامعة ليل : "هذا الوضع مُفارق إلى حد ما، لأنه مع الحواسيب نحاول بالضبط أن نتفادى أي وضعية غير متوقعة. فكل فعل ينبغي أن يكون قابلا لإنتاج فعل آخر محسوب سلفا. و مع ذلك فمن الضروري أن يُقدم الحاسوب أمورا ناتجة عن الصدفة". لا يتضمن الحاسوب بالطبع أي مكعبات للنرد أو لعب الحظ في مُكوناته، لكنه يتضمن عُلبا سوداء إلكترونية تسمى مُوَلدات لعدد من التوليفات بالصدفة، يمكنها تحت الطلب أن تقدم الآلاف من الجمل المشكلة من 0 و 1 ، تسمى "مفاتيح". و هذه الأخيرة تصلح لعدة أمور ذات علاقة مع التشفير. و التشفير معناه تحويل نص أو رقم مفهومين إلى سلسلة من العلامات بدون رأس أو ذيل. عملية التحويل الرياضية هاته، تستخدم المفتاح، الذي ينبغي أن يبقى سريا و غير مفهوم. و هذا هو قلب التشفير الحديث، الذي يسمح أيضا بالتعرف على هوية صاحب الوثيقة أو الصفقة (تأكيد هوية المرسل)، و بتأمين عدم تعرضها للضرر خلال عملية التوصيل (سلامة الرسالة) و بتفادي نشر مضمونها إلى طرف ثالث غير مسموح له (السرية). و حول هذا الموضوع يقول "غينائيل رونو" من مختبر الحواسيب بجامعة بيير و ماري كوري : "هناك نظرية تؤكد أنه إذا ما تم اختيار المفتاح بالصدفة، و بنفس طول الرسالة، على أن يتم استخدامه مرة واحدة فقط، فإنه من المستحيل فك شفرة الرسالة بدون المفتاح…لكن خلال السنوات الأولى للحرب الباردة، اضطر الروس، بسبب كثرة الطلب على التشفير، إلى إعادة استعمال بعض المفاتيح مرة أخرى و بذلك تمكن الأمريكيون من فك طلاسم بعض رسائلهم السرية". و مع ذلك، فإنه لم تتم الاستفادة من الدرس لسوء الحظ ، و استمرت بعض أخطاء المبتدئين في الظهور. ففي سنة 2010 ، تمت قرصنة لعبة "بي إس 3″ لسوني، مما أتاح تغيير المنظومة الأصلية بمنظومة أخرى. و السبب هو مفتاح كان من المفترض أن يخضع تغييره للصدفة لكنه لم يتم . و في 2013 ، اكتشف فريق من جامعة "فريدريش-ألكسندر" في إيرلنغن بألمانيا بأن الكلمات الكودية التي تقترحها "الأيفون" ليست خاضعة للصدفة كما تدعي الشركة، و بذلك تمت قرصنة أحد الارتباطات في ظرف خمسين ثانية… و هناك مثل آخر أكثر قربا، ففي 19 ماي، عمم فريق "روس أندرسون" من كامبريدج، ما أبلغ به الأبناك و مسؤولي أنظمة الأداء قبل عامين. و مفاده أن الموزعين الآليين و محطات الأداء لدى التجار لا تعتمد على مولدات أعداد جيدة تنتج توليفات جديدة كل مرة، و بالتالي فإنها تسمح بمرور صفقات مغشوشة، إذ أن هذه المولدات المعطوبة تنتج سلسلة أرقام مشفرة أقل عشرة آلاف مرة من المولدات الأصيلة. و بذلك ظهر بأن مولدات الأعداد تمثل الحلقة الضعيفة في السلسلة الأمنية للحواسيب. و تستخدم الصدفة أيضا في مواجهة الهجمات المعلوماتية. ففي السنوات الأخيرة تبين أنه من الممكن من خلال قياس التيار الكهربي المستهلك من طرف الحاسوب التوصل إلى المفاتيح السرية المستعملة، و لذلك كان الرد هو إضافة بعض "الضجيج" على شكل سلسلة من الموجات الخاضعة للصدفة من أجل التعتيم على هذا "التصنت" المُقرصن. بيد أن صنع مولد جيد للصدف ليس بالأمر الهين. و في هذا الصدد يفسر "جون بول ديلاهاي" الأمر بقوله أن "هناك ثلاثة أنواع من الصدف: الصدفة الضعيفة و المتوسطة و القوية" و كلها ينبغي أن تحترم سلسلة من الاختبارات الإحصائية: إنتاج نفس الأعداد من 0 و من 1، و الحرص على أن يكون هناك توزيع موحد في الزمان و في المكان، و تفادي العلاقات المترابطة بين الأرقام في كل توليفة. كل الحواسيب تملك برمجيات تتكفل بصنع الصدفة. لكن هذه الأخيرة غالبا ما تكون ضعيفة أي قابلة للتوقع، بحيث يُمَكن تحليل التوليفات الرقمية الأولى من توقع المستقبل. و هذه المولدات تكون كافية في عدد من التطبيقات و المحاكاة كما في المسائل الفيزيائية التي يتيح فيها هذا النظام توليد آلاف الأوضاع المتشابهة و تحليلها حين تكون المعادلات مستحيلة الحل. و في المقابل، فإن برمجيات أقوى تكون ضرورية في تطبيقات التشفير، التي تتطلب صدفة أقوى مع أرقام غير متوقعة. و هي البرمجيات الملقبة بذات الاتجاه الوحيد، و هي تمتح "صدفيتها" من الآلة نفسها :توقيت الرقن على الحاسوب، توقيت الولوج إلى معطيات القرص، حركة فأرة الحاسوب، الأصوات الإلكترونية المختلفة…و هو ما يقدم احتياطيا ضخما من الاحتمالات و من الصدف. و هذا من الناحية الرياضية يظل "صدفة متوسطة" لأن الصدفة القوية معناها الاستحالة المطلقة للتوقع. و مع ذلك، و كيفما كانت الأنماط الحالية لصنع الحواسيب، فإنها لا تستطيع منع الهجمات التي قد تكون أكثر عنفا كما حصل سنة 2009 حين قام فريق من كامبريدج بحقن تيار طفيلي في نظام الصدفة مما جعل احتمالات السلاسل الرقمية تتقلص من ملايير التوليفات (2 و خلفها 64 صفرا) إلى 3300 توليفة فقط. ختاما، يبدو أن الصدفة أمر جدي جدا كي يُترك للصدفة.