اعتبر محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مساء يوم الجمعة الأخير، خلال المائدة المستديرة التي نظمتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاسمكناس، في موضوع "المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية : الأدوار والتقاطعات مع باقي المتدخلين في مجال حماية حقوق الإنسان"، أن القضاء هو الرافعة الأساسية للتنمية والاستقرار في بلادنا، مذكرا ببعض الأعطاب في مجال العدالة، واستشهد ببعضها، قائلا، "إننا في حاجة إلى قضاة لهم القدرة على تطويع النص وليس على تأويله، قضاة مبدعون ويتميزون بالشجاعة". وقد تطرق في عرضه، بإسهاب إلى دور القضاء في تكريس حماية حقوق الإنسان، وإلى حضور المجلس الوطني لحقوق الإنسان وما قام به في نطاق الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العادلة من خلال التقارير والاقتراحات التي تروم إلى الرقي بالعدالة الوطنية إلى مراقي النماء، ثم تحدث على الاختصاصات الموكولة للمجلس والتي نص عليها الظهير الشريف المحدث للمؤسسة لاسيما في المجال الحمائي، مبرزا أنه وبعد مصادقة المغرب على بروتوكول مناهضة التعذيب، فقد أصبحت الحاجة معه ملحة لإحداث آلية وطنية لمراقبة التعذيب، الذي ستمكن من القضاء على سوء المعاملة التي تقع داخل أماكن الاحتجاز، مشيدا بالمجهودات المبذولة من أجل ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها. كما علق الأستاذ محمد الصبار على وضعية السجناء والسجون بالمغرب، التي قد تؤدي، حسب تحليله، إلى خلق أعداء للمجتمع، وإنتاج مجرمين في حالات العود، بسبب أوضاع السجون التي تعاني الاكتظاظ وغياب الرعاية النفسية وتتبع المعتقلين، مشيرا، إلى أن السياسة المعتمدة تكرس الأوضاع المقلقة للسجون بالنظر لغياب جهاز مختص ينظر في مشروعية اعتقال المشتبه فيهم من طرف النيابة العامة، وقضاة التحقيق مما يجعل المعتقلين الاحتياطيين، الذي يتجاوز عددهم أكثر من 45 في المائة، يظلون في السجون إلى غاية النظر في ملفاتهم، موضحا، أن الدولة تنهج أسلوب المقاربة الأمنية عوض مقاربة التأهيل والإدماج، مقترحا، من أجل استرجاع السجون طبيعتها أن لا تتعدى طاقتها الاستيعابية 35 ألف سجينا، واعتماد النموذج الدانمركي المبني مجتمعه على أساس الثقة بدل القانون. وفي كلمته الافتتاحية، أكد الأستاذ عبد المجيد المكني، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاسمكناس، أن هذا اللقاء يندرج في إطار حرص اللجنة الجهوية على تعميق سياسة الانفتاح والتواصل بهدف التفاعل وإثراء النقاش الفكري والمؤسساتي والوقوف على الآليات القانونية والقضائية وعلى الممارسات العلمية، وتقوية الروابط بين كل القطاعات والمؤسسات والهيئات المكلفة بإنفاذ القوانين، خدمة لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها على مستوى الجهة، مذكرا، أن مختلف الإصلاحات التأسيسية التي شهدها المغرب منذ تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مرورا بطي صفحة الانتهاكات الجسيمة، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، إلى إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى دسترة المؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان، جعلت البلاد تدشن عهد جديد يروم تعميق حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، باعتبارها إحدى اللبنات الأساسية في بنيات دولة الحق والقانون، موضحا، أنه إذا كان المجلس الوطني، أحد الركائز الأساسية في بناء صرح هذا البنيات الحقوقي، باعتباره مؤسسة مستقلة هدفها حماية حقوق الإنسان والنهوض والتحسيس بها، فإن لجانه الجهوية شكلت طفرة نوعية في آليات عمله، مكنت من نهج لسياسة القرب في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، تفعيلا للبعد الجهوي والمقاربة المجالية، وإشراكا للفاعلين المحليين، وتعزيزا للبناء الحقوق والديمقراطي للبلد. واستنادا لأرضية المائدة المستديرة الجهوية، والتي عرجت الفرص المتعددة لتعزيز حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات هذه الحقوق وضمانها عبر مواثيق وإعلانات ومبادئ توجهية وهيئات تعاهدية، وآليات متعددة لضمان ممارسة مختلف الحقوق والحريات، كما نص البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المتعلق أساسا بفرض تعزيز حماية حقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم ومن التعذيب وإساءة المعاملة، أوضح الأستاذ محمد النجاري، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بفاس، من خلال موضوع "أي الرقابة على تنفيذ العقوبات الحبسية وحماية حقوق الإنسان"، أن الثورة التشريعية التي عرفها ويعرفها المغرب، جعلت المشرع يتدخل في أكثر من مجال للاهتمام بحقوق الإنسان مسايرا للتطور العالمي في هذا الإطار بداية من الدستور والانخراط في المواثيق الدولية الصادرة في الموضوع ومرورا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ثم الإعلان بصفة واضحة في الدستور الجديد على الارتقاء بالقضاء إلى سلطة قضائية مستقلة والتنصيص فيه على معاقبة كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة، منتقلا للحديث على الملاحظات التي دونها القضاة خلال زيارتهم لمراكز الاعتقال ومراكز إعادة التربية بتراب نفوذ المحكمة، والتي حددوها في ظاهرة الاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسة السجنية بالمقارنة مع طاقتها الاستيعابية، مما ييسر انتشار مجموعة من الأمراض الجلدية في أوساط النزلاء وحالات العنف بين السجناء، إلى جانب عدم فصل المعتقلين الاحتياطيين عن المدانيين، وحجم بناية السجن مقارنة مع عدد النزلاء الذين يتكدسون في غرفة واحدة في ظروف غير لائقة تفتقد لمقومات مكان الاعتقال خاصة في ظل غياب أسرة حديدية تقي النزلاء الرطوبة، مع افتقاد المؤسسة لأجنحة خاصة بالأحداث وبالمعتقلين الاحتياطنين والمكرهين، مشيرا في الأخير، بأن للقضاء ومساعديه دور أساسي في حماية حقوق الإنسان. وخلال الجلسة الموالية، اعتبر محمد صقلي حسيني، ممثل مؤسسة الوسط بجهة فاس وعضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاسمكناس، أن نوعية الحضور الوازن في أشغال هذه المائدة المستديرة، برهانا ينم عن الاهتمام الكبير من أجل مواصلة الحرص على جلب حد أدنى من الإنسانية إلى أماكن الاحتجاز، وإلى المؤسسات العقابية والاجتماعية، وضمان احترام كرامة المحتجزين والمعتقلين والسجناء على نحو منتظم، بالرغم من المعرفة المسبقة بأن هذه المهمة تقتضي عزما لا يلين، مشيرا، إلى أن هذه الندوة تهدف إلى مواصلة جو الانفتاح الذي يطبع عمل اللجنة، تماشيا مع ما دأبت عليه من انخراط مسؤول في صلب النقاشات الجادة حول الإصلاحات العميقة التي تعرفها بلادنا في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وانسجاما مع مبتغاها في إرساء مبادئ الحكامة الجيدة وترسيخ المواطنة الكريمة والمسؤولة، وأيضا لتبادل الرؤى بينها وبين الفاعلين والمتدخلين المعنيين، من أجل تكريس احترام كرامة المحتجزين والمعتقلين والسجناء، والدعوة لمناهضة التعذيب الذي يطالهم بشتى أشكاله، وفي مقدمتها القضاء لما يتوفر عليه من الدراية والمعرفة الحقوقية، والاستقلال في الرقابة على أعمال الإدارة، خصوصا وأن الاتجاه يسير نحو التوسع في الحماية القضائية المقررة للمواطنين، في مواجهة السلطات الغير المألوفة للإدارة، مضيفا، أن أهميتها تكمن في دراسة ووضع الخطوات اللازمة لتكريس الرقابة القضائية والإدارية والمؤسساتية لأماكن الاحتجاز والاعتقال داخل المؤسسات السجنية والاجتماعية، وجعل هذه المراقبة ليست هدفا في حد ذاتها، بل يتعين المساهمة، كل من موقعه، في تقديم تقارير واقتراحات حلول وتعديلات تشريعية ورفع التوصيات، من أجل حماية أضمن للمواطنات والمواطنين، بعد ملاءمتها مع المواثيق الدولية، لتعزيز مصالح المحتجزين والمعتقلين، وتغيير ظروف احتجازهم، وتحسين الخدمات المقدمة لهم وتطوير إدارة عملياتها، وتوفير شروط أكثر تجانسا لإعادة تربيتهم وإدماجهم في المجتمع، حتى لا يصبح السجن مجرد تقييد للحرية فحسب. ولا شك أن التعاون الحقيقي، والتنسيق الجاد، والتواصل البناء، والتشاور الهادف بين جميع المعنيين، يقول الأستاذ صقلي، سيمكن لا محالة من اجتثاث جذور بعض مظاهر التعذيب، والحد من بعض الظواهر المتفشية والسائدة، وسن عقوبات صارمة على كل من يثبت ارتكابه عملا أو فعلا يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، حتى يأمن كل فرد على سلامته وحريته وهو الغرض المنشود من هذا اللقاء العلمي. وقد استدل بما أشار إليه الفقيه السنهوري رحمه الله: " … إن كل ديمقراطية ناشئة لم تنضج فيها المبادئ الديمقراطية، ولم تستقر هذه المبادئ في ضمير الأمة، فإن دوائها الناجع، هو العمل على تقوية السلطة القضائية، فهي أدنى السلطات الثلاث إلى الإصلاح، إذ القضاء نخبة من رجال الأمة، أشربت نفوسهم احترام القانون، وانغرس في قلوبهم حب العدل، وهم بطبيعة وظيفتهم يؤمنون بمبدأ الشرعية "، مذكرا، بالعديد من الهيئات والمؤسسات المعنية بمراقبة أماكن الاحتجاز والمؤسسات العقابية والتربوية، إلى جانب الرقابة الإدارية الموكولة للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الهيئة القضائية، في نطاق مقتضيات المواد 249 و 473 و 616 من قانون المسطرة الجنائية، البرلمان، تبعا للفصل 40 من النظام الداخلي لمجلس النواب، اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون طبقا لأحكام المادة 620 وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية، المجلس الوطني لحقوق الإنسان وفق المادة 11 من الظهير الشريف رقم 1.11.19 الصادر في 25 ربيع الأول 1432 ( فاتح مارس 2011 )، المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، منظمات المجتمع المدني خصوصا منها ذات الصلة بالعمل التربوي أو الاجتماعي أو الحقوقي، حسبما ورد في الفصول 10 و 11 و 12 من المرسوم التطبيقي رقم 2.00.485 لقانون السجون 23/98 الصادر في 3-11-2000، الهيئات الدينية، الإعلام الذي أصبح يشكل أداة رقابة حقيقية على المؤسسات السجنية وغيرها من المؤسسات الأخرى، والهيئات الدولية والإقليمية كمقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بالتعذيب، في أفق إنشاء الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب، المنصوص عليها في البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، ومن خلال مداخلتي كل من نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس حول موضوع : " دور الرقابة القضائية على أماكن الاحتجاز ( مخافر الشرطة والدرك ) في حماية حقوق الإنسان "، ورئيس غرفة حوادث السير حول موضوع: " دور الغرفة الجنحية في مراقبة الاعتقال الاحتياطي"، وقف الحضور على الأسباب الكامنة وراء التمادي في سوء التعامل الذي يلقاه بعض المشتبه بهم خلال مرحلة توقيفهم، أو وضعهم تحت الحراسة النظرية، أو مرحلة تنفيذهم للعقوبات السالبة للحرية، من طرف المكلفين بإنفاذ القانون، والدعوة إلى تعزيز الرقابة القضائية لأماكن الاحتجاز، وأمكنة الاعتقال داخل المؤسسات السجنية والاجتماعية، الموكولة لجهاز النيابة العامة، ولرؤساء الغرف الجنحية، وقضاة تنفيذ العقوبات، وقضاة التحقيق، كوسيلة فعالة لمنع التعذيب وسوء المعاملة وغيرهما من انتهاكات حقوق الإنسان، تماشيا مع روح الدستور والقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الصادرة في هذا الشأن. كما أشار الأستاذ صقلي، في معرض تقديمه، أن سلطة الملاءمة التي خولها القانون للنيابة العامة وقضاة التحقيق في تقرير الاعتقال الاحتياطي، أو المتابعة في حالة سراح، أو حفظ المسطرة، هو في الحقيقة نظام أثبت نجاعته وفعاليته، على اعتبار أنه يوفر للمؤسستين الإمكانيات المتاحة لاحترام حقوق الإنسان، موضحا، أن قانون المسطرة الجنائية، استحدث مقتضيات تساعد على استخدام سلطة الملاءمة، في اتجاه التخفيف من الاعتقال الاحتياطي، إلا أن هذه السلطة (أي سلطة الملاءمة ) يتم التعامل معها في غالب الأحيان في إطار نظرية الاستثناء، رغم أن المشرع منح إمكانات قانونية لأجل عدم المغالاة في الاعتقال، من خلال سن مجموعة من التدابير البديلة المنصوص عليها في المواد من 160 إلى 174 من قانون المسطرة الجنائية، في ما يصطلح عليه بالمراقبة القضائية، إذ جعلها تدبيرا استثنائيا لا يعمل به إلا في الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، وبمفهوم المخالفة، فإن الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط، لا يمكن أن يتخذ بشأنها هذا التدبير، إلا أن الملاحظ هو أن الإجراءات القانونية المتصلة بسلطة الملاءمة لا يتم تفعيلها بما فيه الكفاية، مما يطرح أكثر من تساؤل حول فعالية ونجاعة الجانب التشريعي والمنظومة القانونية، ومدى ملاءمة هذه المنظومة مع مقتضيات الدستور، ومقتضيات القانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان. في مداخلته، تطرق الدكتور علي حضروني، إلى الإشكاليات القانونية المرتبطة بالاعتقال بين سلطة الملاءمة والإجبار، والحلول المطروحة لمعالجة هذه الظاهرة. وفي الأخير أوصى المشاركون بضرورة احترام الكرامة الإنسانية بشكل عام وكرامة المحتجزين والسجناء بشكل خاص، موجهين الدعوة لمناهضة التعذيب بشتى أشكاله، مطالبين بتيسير زيارات ومراقبة أماكن الاحتجاز من قبل المؤسسات الوطنية والهيئات المعنية بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل قرارات اللجنة الإقليمية المختصة بمراقبة الاحتجاز، مع تأهيل وتكوين المكلفين بإنفاذ القانون على تطبيق المعايير الدولية لحقوق المحتجزين. كما أوصى المجتمعون بتقوية التواصل والتنسيق والتشاور بين مجموع المتدخلين المكلفين بإنفاذ القوانين واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها بالجهة، وغيرها من التوصيات التي تهم حقوق الأحداث….