رفعا لكل لبس أو إبهام فكاتب هذه السطور من القراء الدائمين والمتتبعين المنتظمين لما تنشره جريدة ” الأسبوع الصحفي “ ، غير أن ما أثارني ودفعني للكتابة وأنا أتصفح العدد ما قبل النصف الأخير من شهر أكتوبر ( وهي الغواية التي تمكنت مني وجرت في دمي منذ 28 سنة تقريبا رغم مقالبها – أي الكتابة – ومخاطرها في مغرب يمكن أن ينقلب فيه كل شيء إلى ضده ) قلت ما أثارني كإعلامي ومهتم ومنقب في تاريخ تازة والأحواز، المقال المنشور في إطار صفحة ” الحقيقة الضائعة ” للسيد المحترم مصطفى العلوي تحت عنوان ” عيد شبط والمائدة الملكية ” (ع 1148 / 711 الخميس18 أكتوبر 2012) وتهمني منه الفقرات الثلاث ، إذ ذكرت فيها مدينتي تازة التي أعشقها حتى الثمالة ولا عيب في ذلك لأن ” حب الأوطان من الإيمان ” كما جاء في الحديث الشريف ، غير أن هذا العشق لا يجب أن يحجب عنا حقائق التاريخ والجغرافية بما تحمله من دلالات ايجابية أو سلبية ومهما كانت قاسية أحيانا ، وهنا نقع في التماس تماما مع صلب الموضوع ، فالأستاذ المحترم السيد مصطفى العلوي ، المسؤول عن الجريدة وصاحب عدة كتب حول تاريخ المغرب المعاصر ( مذكرات صحفي وثلاثة ملوك – المهدي بن بركة …) يبدأ النقاش من تازة بمناسبة ارتباط عائلة حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال بإقليمتازة ، هذا الارتباط الذي ما زال مستمرا لحد الآن ( خاصة بجماعة ” البرارحة “ القروية وسط قبيلة البرانس الكبيرة / دائرة تايناست إقليمتازة وبالضبط شمال غرب الإقليم البالغة مساحته أزيد من 7000 كلم مربع ) ثم يختزل حكم قيمة جاهزا نوعا ما بعبارة ” كل البرغزة تأتي من تازة والتي أعطتنا بوحمارة ” أي أن كل العجائب وربما المصائب تأتي من تازة !!! أقول : حادث امراة ولدت إنسانا برأسين وثلاثة أرجل يمكن أن يقع في تازة وغير تازة ، إذا توفرت شروط وظروف صحية وجسدية معينة قيضها المولى عز وجل في مرحلة تاريخية معينة وقد تكون مظلمة على البلاد ككل ، أما العبارة الثانية ” تازة أعطتنا بوحمارة ” فهي تظهر وتبطن أيضا حقيقة كون الجيلالي الزرهوني هو من تازة قلبا وقالبا اسما ونسبا وسيرة مما يوحي بأن لهذه المنطقة كل قصب السبق في التمرد والعصيان والخروج عن سلطة المخزن واتباع البهتان وزد ماشئت من النعوت والصفات والأسماء ، مع أن أغلب المناطق المغربية إن لم نقل كلها ، شهدت ثورات وتمردات مختلفة المقاصد والأهداف متنوعة الزعامات والمشارب وفي كل المراحل التاريخية انتهاء بالدولة العلوية ، ولم تسلم من هذا الأمر حتى العواصم المخزنية الكبرى كفاس ومراكش ومكناس ، والحديث هنا قد يأخذ منا ومن القارئ طاقة كبيرة على تتبع التفاصيل لأنها كثيرة إلى درجة الملل والإملال ، مثلما نلاحظ عند كل المؤرخين الثقات : مغاربة وأجانب ….ومع أن بوحمارة لا ينتمي إلى تازة كما هو معروف ولا إلى باديتها فهو من زرهون ( انظر ” إتحاف أعلام الناس ” لابن زيدان ص400) فلماذا تختزل تازة و تربط دائما بثورة الدعي الجيلالي بن ادريس الزرهوني الملقب ببوحمارة ولا يلتفت مثلا إلى دورها الهام في مساندة ادريس الأول ؟؟ ( والذي قال في حق غياثة إنها تغيث ولا تغاث ) أو في الوقوف إلى جانب المولى الرشيد عند بداية تأسيسه للدولة العلوية وقصة ” ابن مشعل ” هنا غنية عن التعريف وأشهر من نار على علم عند الباحثين والمؤرخين في أقل تقدير ( انظر على سبيل المثال لا الحصر كتاب ” نشر المثاني ” لابن الطيب القادري و ” الاستقصا ” للناصري و “تاريخ الضعيف الرباطي ” فضلا عن ” الإتحاف ” ) مما يطرح أكثر من علامات استفهام حول هذا الربط الظالم والمقصود أحيانا ، والذي نبرئ الأستاذ العلوي أن يسقط في مطبه ، وإذا كانت تازة قد أعطت بوحمارة بهذا المعنى ، فيجب التذكيرفقط بأن الرجل هو قبل كل شيء ابن دار المخزن فقد اشتغل مهندسا للقناطر وكاتبا لمولاي عمر ابن السلطان المولى الحسن بمعية المهدي المنبهي حيث سيسجنان معا لجرايتين ارتكباها وكانت بينهما صداقة وطيدة إلى درجة أن أبا حمارة لما بلغ إلى علمه تولي المنبهي الصدارة العظمى ووزارة الدفاع بالمخزن العزيزي فاه بقولته الشهيرة ” اذاأصبح المنبهي صدرا أعظم فلماذا لا يصبح الجيلالي سلطانا ؟ يرجع في هذا الصدد إلى مذكرات الحجوي وكتاب ” التنبيه المعرب لما عليه حال المغرب ” للحسن بن الطيب بوعشرين) والمعروف أنه بمجرد تولي العرش من طرف مولاي عبد العزيزوقع نفى أخيه المفترض أنه ولي العهد الحقيقي مولاي امحمد إلى تافيلالت مما أفسح المجال أمام الأدعياء أي الروكيات ومفردها روكي ( بثلاث نقط ) وهي كلمة تعني الفتان الروكيات الذين ظهروا خلال هذه الفترة وأخطرهم بالطبع كان هو الجيلالي بن ادريس الزرهوني ، إذن فالمسألة فيها نظر ونقاش ، ولولا ضيق المقام لفصلنا كثيرا في الملابسات التي جعلت غياثة مثلا يساندون الجيلالي الزرهوني أي بوحمارة باسم مولاي امحمد ثم تبعتهم أغلب قبائل المنطقة ولفهم تلك الملابسات لا بد من العودة إلى علاقة المخزن بهذه الجهة من البلاد منذ عهد السلطان الحسن الأول والمشاكل الناجمة عن عسف / ظلم القواد وثقل الضرائب وتكاليف ” الحركات المخزنية ” والضعف العام للسلطة المركزية ومعها البلاد ككل ، ثم من جهة ثانية التكالب الاستعماري والصراع حول العرش بعد وفاة الحسن الأول…وإذا كانت الفقرة الثانية من مقال السيد مصطفى العلوي تثير ما تثير من أخذ ورد ، فان الفقرة الثالثة في المقابل تبرهن على قدم وعراقة التواجد الحضاريبموقع ورباط ثم ممر تازة ( قصة فلورندا تنسب إلى فترة الفتح العربي للأندلس سنة 92هجرية متم القرن السابع الميلادي والمرجع المذكورفي المقال هو الوحيد الذي يتحدث عنها )…وأضيف قبل الختم أن مدينة تازة وأحوازها لم تعد روكية بعد انكشاف ألاعيب بوحمارة عند توجهه إلى وجدة فالريف ولما بدأ يعقد الصفقات ويحيك المؤامرات مع الأجانب مناقضامبدأه الجهادي الذي ادعاه في بداية أمره … ودون هذا فان المدينة كانت دوما تتبع السلطة المركزية بشهادة المؤرخين المغاربة والأجانب ( أقول المدينة لا أحوازها) باستثناء بعض النزاعات بين عمال تازة وأهلها في القرن 19 م ، علما بأن منطقتها الجبلية إلى الجنوب خاصة وهي من معاقل غياثة ظلت محسوبة على بلاد السيبة ، وعانت المدينة نفسها من هذا الوضع : نهب وسلب وقتل وقطع مياه وغيرها من المصائب التي كابدتها مناطق مغربية أخرى وليس تازة فقط …وهي بدورها نتجت عن القحوط وقلة الموارد والحروب والمجاعات والأوبئة الفتاكة … فمسألة الأمن ذات حيوية كبيرة وخطورة بالغة ربما قبل أشياء أخرى ولذا يجب أخذها بعين الاعتبار في مقاربة حركة الدعي الجيلالي الزرهوني …( كتاب بن كيران التازي الذي أورده الحجوي في مذكراته ) وضمن منطق تضافر العوامل والشروط التاريخية المختلفة والمتعددة من أجل مقاربة موضوعية منصفة . هذه بعض النقاط التي رأيت أن أضيفها إلى مقال الأستاذ العلوي القيم تعميما للفائدة وخدمة للحقيقة التاريخية وإنصافا للمنطقة . * كاتب / صحفي منتسب / فاعل جمعوي / تازة