عقب أحدهم على مقالي الموضح لموقفي من الحديث عن المقاطعة الذي التبس على البعض فظنوه تنكرا لمطالب هيئة الإدارة التربوية ، واستشهد بفقرة من مقالي من أجل أن يستنتج أن حق الإضراب يعني الحق في المقابل عليه ، وهو ما تطلب مني توضيحا أراه ضروريا لرفع لكل لبس . أماالمقاطعة كما مر في مقال سابق فهي مجرد ابتداع لا أساس له ، ولا يستند إلى قانون ، ذلك أنه وضعية ثالثة شاذة بين العمل وبين الانقطاع عنه بحيث لا يستطيع أحد الجزم بأن المقاطع يعمل أو هو مضرب ، وحاله ينطبق عليه المثل العامي » غضبان وينش على غذائه » . والمقاطعة في حقيقة أمرها مجرد تحايل جبان من أجل تجنب الإضراب الذي هو حق يضمنه الدستور، لأن هذا الأخير لا يمكن أن يقع في تناقض، فيسمح من جهة بحرية الانخراط في الأحزاب والجمعيات والهيئات النقابية دون أن يقر بما يستوجبه الانخراط فيها من حقوق بما في ذلك حق الإضراب .والإضراب عبارة عن انقطاع عن العمل ولكنه مبرر عكس الانقطاع الذي لا مبرر له . ومع أن الإضراب انقطاع عن العمل مبرر، فإنه عكس غيره من أنواع الانقطاع المبررة لا يخول لصاحبه حق الاستفادة من المرتب الذي هو جزء من الأجرة وينزل بسبب ذلك منزلة الغياب غير المبرر ، علما بأن المرتب يدفع مقابل الخدمة ، فإذا انتفت الخدمة توقف المقابل ضرورة ، فضلا عن كون المقابل يصرف لمن يقدم الخدمة في الوظيفة العمومية من المال العام ،وهو مال الأمة وليس مال القطاع المشغل . ولا يعقل أن يستسيغ من لم يقدم خدمة لفائدة الأمة أن يتقاضى أجرا من مالها العام . والإضراب عبارة عن إعلان من أشخاص متحالفين على شروط محددة بينهم عن وقف العمل أو الشغل من أجل مطالب يبتغونها وهو تضحية بأجورهم من أجلها . ويشترط في الإضراب إعلانه وإشهاره كما يعلن ويشهر النكاح في الإسلام ، وذلك بوسائل معلومة كما يكون ضرب الدف وسيلة إعلان النكاح . والإضراب بدون اقتطاع يجعله مبتذلا وبدون معنى ، بل يجعله مطية المتهاونين في أداء الواجب إذ يشجعهم عدم الاقتطاع على المبالغة في الإضراب والإكثار منه الشيء الذي يجعله فاقدا للمصداقية والمعنى والتأثيرأيضا ، كما أنه يعطي الجهة المشغلة مبررات للمزيد من المماطلة والتنكر للمطالب والحقوق ،. والمضربون مع الاحتفاظ بالأجر لا يخسرون شيئا في حال إضرابهم بل الخاسر هو الأمة عندما يتعلق الأمر بالإضراب في القطاعات العمومية . ولا أظن أن صاحب ضمير حي وموضوعية وعدل وأخلاق وكرامة يرضى أن يحصل على أجر وهو مضرب ،لأن في ذلك إهانة له ، بحيث يسجل عليه أنه يأكل السحت لتقاضيه أجرا بدون عمل يقابله ، وهو الباطل عينه . والمضرب الذي يقتطع من مرتبه يشعر بالعزة والكرامة أمام الجهة المشغلة ، ويكسبه ذلك احتراما لأنه بموقفه هذا ينأى بنفسه عن الانتهازية وعن كل تهمة . ولا يمكن أن يبرر مطلب الاحتفاظ بالأجر في حالة الإضراب بتماطل الجهة المشغلة أو ظلمها أو تسويفها . ولا بد في الإضراب من أخلاقيات بحيث لا يتدنى المضرب صاحب المطالب المشروعة والحقوق المهضومة إلى مستوى مشغل دون أخلاق ولا قيم مع الإصرار على الظلم والغمط والتسويف . والذي يطالب بالحصول على أجر وهو مضرب،ويعتقد أنه يلحق الضرر بالجهة المشغلة خصوصا في القطاع العام إنما يلحق في الحقيقة الضرر بالأمة عندما يستفيد من مالها العام دون أداء ما عليه من واجب نحوها وليس نحو الجهة المشغلة . والمضربون مع الإصرار على الحصول على الأجور قوم ضز بضم الضاد والزاي وتضعيفها ومفردها أضز وهو السيء الخلق والصفة من فعل ضاز يضوز ضوزا وهو الذي ينقص من حق غيره ، ومنه قول الله تعالى قسمة ضيزى أي جائرة ، ومن معاني ضاز أن يلوك الإنسان الثمرة في فمه . والمضرب الأضز المطالب بأجر على عدم الخدمة يلوك بفمه ما لا يحق له . وليس من قبيل الصدفة أن يكون من صيغ الإضراب ترك الطعام والانقطاع عن تناوله. فعلى غرار ترك المضرب على الطعام طعامه يجب على المضرب على العمل ترك المقابل . ولا يعقل أن يترك المضرب عن الطعام طعامه وهو حق مشروع ، ولا يترك المضرب عن العمل الأجر وهو حق غير مشروع. وإذا كانت المطالبة بالأجر في حالة الإضراب معرة ، فإن المطالبة بها في حالة ما يسمىالمقاطعة أعر . وفي اعتقادي أنه قد ولى زمن تسمية الأشياء بغير مسمياتها ، ومن المفروض أن يكون الربيع العربي ومعه الربيع المغربي قد جاء بغطاء نباتي بشري جديد ، وفرض ذهنيات جديدة تقطع مع الذهنيات البالية التي نأمل أن تكون قد ولت بلا رجعة ، وقد مقتناها واعتبرناها فسادا في الأرض لا بد له من إصلاح يطرده إلى الأبد. الأستاذ محمد شركي