رئيس جمعية فاس للسلامة الطرقية وتيرة حوادث السير ببلادنا في تصاعد، قتلى ومعاقون في تزايد، معدل 10 قتلى في اليوم راوح مكانه طويلا، وبدلا من أن يسير بعد تفعيل المدونة المبشر بها في تناقص، اختار أن يسير في تزايد ليصل إلى 11، وليس يُدْرَى أيَّ هاوية نشارف ما دامت طلعات وزير التجهيز والنقل، وخرجات اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير تكرر مَقُولةً واحدة تُرْجِعُ فيها مسؤولية الحوادث في مجملها إلى العنصر البشري بنسبة 80% دون أن يتغير شيء على أرض الواقع، ليوكل الأمر إلى ما قد تجود به التربية والتحسيس ، وما قد يأتي به الزجر والتغريم. بيد أن المستورَ المسكوتَ عنه : *ملكٌ عمومي محجوز لفائدة المترامين عليه بمهادنة أو محسوبية أو زبونية. *وعائداتُ اقتصاد الريع على المستفيدين من الامتياز الذين تم الكشف عن أسمائهم دون أن يُتخذ في حقهم أيّ إجراء، والذين يوثرون مراكمة الأرباح دون مبالاة بحصاد الأرواح. *والمسؤولون عن تنظيم السير والجولان الذين يرتجلون القرارات، ويختزلون المسؤولية في التشوير وتثبيت العلامات . فلنكشف المستور عن المسكوت عنه في حوادث المرور : 1) الأطفال والراجلون وأصحاب الدراجات يُصنَّفون ضمن الفئات عديمة الحماية التي تشكل نسبتها 50 % بين ضحايا حوادث السير، فحين يُقتلون أو يُصابون بإعاقة على الطريق يقال عادة إن ذلك عائد إلى خطإ بشري بسبب قلة الانتباه عند العبور أو سوء التعامل مع الطريق ، وحقنا أن نتقصى واقع الرصيف المحجوز في أغلب مدننا فنحرره بعزم لا تراجع عنه، وحزم لا هوادة فيه، حقنا أن نتساءل عن واقع الرصيف ومخاطره، وعن الولوجيات وسر غيابها أو عدم احترام معاييرها، وعن ممرات الراجلين وسبب غيابها أو انمحاء صباغتها، وعن الدراجات وكيف تُتْرَكُ عندنا تحت رحمة العربات، وكيف تحظى لدى غيرنا بمسالك ومسارات . 2) والمستفيدون من المأذونيات (الكريمات)، أصحاب الحافلات وسيارات الأجرة التي تجوب البلاد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، بمركبات متقادمة متهالكة، وبصيانة تكاد تكون غائبة، وارتجال في اختيار سائق مياوم للعربة، دون أن يُعَنُّوا أنفسهم بتوفير مستودع للصيانة، ولا بتعاقد مع من تُسْندُ إليه السياقة، فإلامَ يستمر التغاضي والمهادنة؟ وإلام التباطؤ في إخضاع النقل العمومي لتنظيم محكم؟ وتأهيل متسارع، ومراقبة حازمة؟ ! فالمفارقة واضحة بين حافلات تابعة لشركة لها أسطولها، ومستودع صيانتها، ونظامها في التعاقد مع سائقيها بما يضمن حقوقهم، ويحفظ حياة الركاب، ويصون سمعة الشركة، وبين أخرى تابعة لصاحب مأذونية هَمُّهُ تحصيل الأرباح، ولا يعنيه في شيء ضياع الأرواح. والشواهد على ذلك عديدة : منها فاجعة الحوز التي كان السببَ الرئيس فيها إهمالُ تجديد الحافلة أو صيانتها، وحادث القصر الكبير الذي أناب السائقُ عنه مساعدَهُ حمَّالَ الأمتعة في مواصلة الرحلة، فكان الاندفاع وكانت الحادثة، وحادث الحافلة بباب الخوخة بفاس التي قادها العطب التقني بسبب إهمال الصيانة إلى قتل راجل ودهس العديد من العربات، وغير ذلك كثير …. 3) والمسؤولون عن تنظيم السير والجولان بالجهات والجماعات الذين يتخففون من المسؤولية بإسناد الأمر إلى تقني يحصر كل همه في تثبيت العلامات، ولجنةٍ قد لا تجتمع إلا لدراسة طلبات أو تلبية رغبات. بيد أن المسؤولية جسيمة، وحماية َأرواح الناس، وتأمينَ سلامتهم الطرقية تقتضي عند الغير ممن قطعوا أشواطاً في ذلك، وباتوا يراهنون على صفر حادثة وصفر قتيل استشارة الخبراء، وتشغيل المختصين، وتأهيل الأكفاء. والحال أن لدينا إستراتيجية وطنية أُعِدَّت ْبإحكام، ولجنة وطنية تتحرك باستمرار فأين يكمن الخلل؟ نقولها بكل وعي ومسؤولية : يجب تفعيل الإرادة السياسية للمواجهة المسؤولة والحازمة للأسباب الكامنة وراء مخاطر الطريق، ولتتلاحق المبادرات لتحرير الملك العمومي ، ووضع حدٍّ لنزيف امتيازات الريع، واتخاذِ الخطوة تلو الأخرى لتحيين النص التشريعي بما يضمن واقعية التغريم، وعدالة ونزاهة التطبيق، وتفعيل اللجان الجهوية والمحلية، وتطوير تهيئة الفضاء الطرقي، وتأهيل النقل العمومي والحضري، وتفعيل الحكامة الجيدة، وإشراك الجميع في تعبئة وطنية لربح رهان السلامة الطرقية . بمثل هذا سنربح الرهان، ونتخطى الأزمة المتفاقمة باستمرار، وبدونه سنظل نُعَلِّقُ مسؤولية كل المآسي على مِشْجَبِ العنصر البشري، ونرهنُ التحسن والتغيير، بما قد يجود به التحسيس، وما قد يأتي به التغريم