ماهي الرشوة؟ ربما لا يختلف اثنان حول تعريف الرشوة بأنها المقابل المادي الذي يدفعه الإنسان ابتغاء تحقيق غرض “ما” ، يكون تحقيقه رهينا، أو وقفا على الطرف القابض المرتشي ، ومهما بدت هذه العملية ، بسيطة وعادية إلا أنها تخفي وراءها مفاسد عظيمة ، سنحاول من خلال هذا الموضوع أن نقارب بعضها. لقد أصبح من البديهي بل من المسلم به في مجموعة من الإدارات والمؤسسات الرسمية وغيرها أن تحمل ضمن ملف الوثائق ورقة نقدية تكون هي العنصر المحوري الأساسي، الذي يخولك الحق في الحصول على ما تريد، وليست في الحقيقة هذه القطعة النقدية رسوما ولا واجبا إداريا، وإنما هي جزء من العرف الذي درجت العامة على تسميته ب” القهوة” قصد الإخفاء أو التمويه عن اسمها الشرعي “الرشوة” وبغض النظر عن مخالفة هذه المسألة لشرع والقانون، تبقى مدانة اجتماعية وإنسانية لأنها ابتزاز إجباري يمارسه المرتشي من منطق اعتباره المسؤول المباشر عن مصلحة ما، و بدونها سيكون على المواطن الكادح ،الذهاب والمجيء إلى أن يرضخ لمنطق اللعبة القذرة، ويدفع ثمن حقه في المواطنة التي تخول له كل الشرائع والقوانين الوضعية في حين يسلب منه مجالات أخرى وبالإكراه. وحتى إذا كان المرتشي يبرر سلوكه هذا بضغط الحاجة أمام هزالة الدخل الشهري فبأي حق يدفع المواطن الكادح المسحوق المنعدم الدخل أحيانا ؟ ثمن فوارق سلالم الأجور. رغم ما تشكله هذه الظاهرة من ابتزاز، واستغلال واضح، إلا أنها في مستواها هذا علاقة المواطن بالإدارة تبقى أقل خطورة إذا ما قارناها بمستويات أخرى، تتعدى الفئة النقدية البسيطة إلى الملايين حيث البيع والشراء في المناصب والوظائف العمومية ومن يملك أكثر يفوز بفرصة العمل والشغل حيت يتم، وبشكل تعسفي ،إقصاء الكفاءات والشواهد ، لتبقى “المادة” هي لغة الحوار الوحيدة والممكنة ، والضحية دائما هو المواطن المنتمي لأسفل الهرم الاجتماعي من لا يملك ثمن المزايدة وبين هذين المستويين الأكثر انتشارا تطرح المادة أيضا، كمجدد محوري للحصول على رخص للبناء العشوائي قد يؤدي بحياة البسطاء ، واستغلال الممتلكات العامة ، ولتملص من واجبات المواطنة ولمراوغة القانون إذا كثيرا ما يصبح الجاني برئ والمجني عليه متهما وقس على ذلك كثيرا ، حتى أننا لن نكون مبالغين ، إذا ما قلنا أن ” الرشوة” صارت جزءا من منظومة حياتنا العامة في كل مستوياتها ومجالاتها إنها مرض عضال يفتك بجسد الدولة ويفتت العلاقات الاجتماعية بشكل يصبح معه من المستحيل خلق أي جو من الثقة بين المواطن والمؤسسة والتي أصبحت علاقته معها تتسم رسميا بالقطيعة والجفاء، والبديل الحقيقي قيام إصلاح جذري يواكب المتغيرات والرهانات الكبرى، وبغير ذلك، سنبقى دوما في الحظيظ ودون مستوى التاريخ الذي لا يرحم ولا يواكب الضعفاء بل يلقي بهم في مزبلة النتنة والتهميش .