يعود تاريخ الرشوة لوجود الإنسانية دلك أن الكتب السماوية كلها تحدثت عنها كأفة تنخر المجتمع, كما ورد دكرها و النهي عنها في السنة النبوية الشريفة, و نبدأ بالقرأن الكريم, تعظيما له, يقول عز و جل في سورة البقرة / {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. و عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الرَّاشي والمُرْتَشيَ " رواه أبو داوود و الترمدي. أما التوراة فتقول عن خطايا درية إسرائيل /لقد غطسوا في الرشوة ... الدائم سيتدكر ظلمهم/ أوزي 9/9 و التعريف بالرشوة هو ما جاء به ابن الأثير: الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء؛ فالراشي الذي يعطي من يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا. و ما قاله الجرجاني: ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل. و هكدا نفهم مما سبق أن الرشوة وسيلة لبلوغ هدف معين يدر على شخص فائدة لا حق له فيها, و لكن هدا المفهوم تجاوزه الزمن و صارت الرشوة تتنوع من شكل إلى أخر و ندكر منها : 1- الرشوة الاستباقية هدا النوع من الرشوة يعني تقديم هدايا لأشخاص دوي مسؤوليات, ليس من أجل غاية معينة, و لكن بغية كسب مودتهم أو اتقاء شرهم, و لدلك نعتناها بالاستباقية, و الفرق بينها و بين الهدية أن الهدية تقدم لشخص لداته أم الرشوة فتقدم لصاحب كرسي المسؤولية, وحينما يطول الأمد بالشخص في نفس المهام تقع الموازات ما بين الشخص بعينه و مسؤولياته فيصعب حينها التفريق بين الهدية و الرشوة. أما الربح الدي يجنيه الراشي من هده الوضعية هي ضمانه لمودة الشخص, إد يحس هدا الأخير بالعرفان إزاء الراشي فيتحاشى كل ما يمكن أن يضر به, فإدا لم يكن بمقدوره دلك فإنه يقوم بإعلامه ساعة وقوع المشكل و يزوده بالنصائح لتفادي الضرر و من بينها من بيده قرار تسوية الوضع لصالحه. يمكن محاربة هدا النوع من الرشوة بتحديد زمن معين في نفس المنصب لا يجوز تجاوزه, وقد فطن الغربيون لدلك فقالوا, مثلا, بأن موظفي المشتريات لا يجوز أن يمكثوا في مناصبهم أكثر من 4 سنوات, وهي قاعدة تدبيرية تحترمها جل الشركات الكبرى. 2- الرشوة من أجل تحقيق هدف غير مشروع هدا النوع من الرشوة هو ما يعتبربالشكل البدائي, دلك أن الراشي يعلم جيدا أن هدفه غير قانوني و أن المرتشي بيده قرار منحه ما يريد, لكن هدا الأخير معرض للمساءلة و المحاسبة و يعتبر قراره تهديدا له يمكن أن يعرضه للعقاب, لدلك يجب تقديم مقابل أو حافز يمكن من خلاله ترجيح المرتشي للمنفعة المحصل عنها على الخطر الدي يمكن أن تتسبب له فيه. و محاربة هدا النوع من الرشوة يكمن في تشديد العقوبات على المرتشي لكي تصبح المنفعة المحصل عنها دون خطر العقاب المحدق بالمرتشي. 3- الرشوة من أجل تسريع بلوغ هدف مشروع هدا النوع من الرشوة يرجى من ورائه ربح عامل الوقت و التمتع بمعاملة معينة و خاصة, وقد طور هدا النوع من الرشوة التجار من دوي المال دون نفود, دلك أن أصحاب الجاه و النفود كانوا دائما يحضون بالأسبقية في قضاء الحوائج الإدارية, و من منا لم يكن دات يوم في طابور إدارة معينة ثم جاء شخص ومر إلى مكتب المسؤول فجلس على كرسي مريح و قام المسؤول فحمل ملف الشخص إلى موظف الشباك فيترك هدا الأخير الملف الدي بيده و يقوم بمعالجة ملف الشخص المحظوظ توا. وكما قلت فإن أصحاب المال دون النفود, قاموا بسن هدا النوع من الرشوة لاستفادة من الأسبقية التي يحظى بها أصحاب الجاه و النفود, و تبلغ هده الرشوة أوجها حين يصبح دوي النفود كدلك مجبرين على دفع رشوة لتسريع بلوغ هدفهم. يحارب هدا الشكل من الرشوة عبر اعتماد الطرق الحديثة و خصوصا الأنترنيت في التعاملات الإدارية و المعاملات التجارية و دلك بتقليص فرص اللقاء المباشر بين طالب الحق و المسؤول عن تلبية الطلب. 4- الرشوة من أجل بلوغ هدف مشروع هدا النوع هو أخبث أشكال الرشوة, إد يصبح الشخص مضطرا لدفع الرشوة للوصول إلى حق مشرع قانونا, و الدي يمنع منه مادام لم يؤدي مقابلا ماديا. يستشري ورم هده الرشوة من خلال جميع أشكال الرشوة السابقة الدكر, دلك أن المسؤول الدي استفاد من مقابل مادي جراء عمل يقوم به والدي يقتضي عنه أجرا قانونيا, يألف هدا النوع من المعاملة فتصير لديه عادية و تكون مصدرا ماديا شبه قار, وهكدا فكل شخص لم يقم بتقديم "الهدية" المعتادة يعتبر كأنه أجرم في حقه و يجب معاقبته عن دلك بتعطيل مصالحه إلى أن يقوم ب"واجبه" اتجاه المرتشي. و كما سلف القول فهدا النوع من الرشوة, حين يسري في المجتمع, فهو كالداء المعدي, دلك أن أي مسؤول يجد نفسه مضطرا لدفع مقابل مادي عن حق مشروع, فإنه يسلك كدلك نفس المنهجية في مسؤولياته مهما كانت و يعامل الناس مثلما عومل. و هكدا تصير الطبقات الفقيرة, و كل من لا مسؤولية له, هي كبش الفداء و الضحية التي تأدي الثمن في الأخير. لكي يتفادى المجتمع بلوغ هدا الحد المتفشي من الرشوة, لابد من محاربة الأنواع الثلاث السابقة قبل أن تأدي إلى الشكل الرابع و الدي يصعب كثيرا الشفاء منه. لمحاربة الرشوة بشكل ناجع لابد من : 1- تعديل القوانين الحالية و دلك بحصر أنواع الرشوة و تخصيص كل نوع منها بعقوبة, والسماح للهيئات المسؤولة قانونيا عن محاربة الرشوى, باعتماد الوسائل الحديثة كالكاميرا المخفية للدليل على تلقي الرشوة. 2- اعتماد الطريقة الأمريكية الاستباقية قانونا, و التي تعطي الشرطة حق وضع فخ للشخص المشكوك في نزاهته, دلك أن الشرطة لا تنتظر أن يأتي مواطن عادي ليبلغ عن ابتزاز المرتشي, بل يتقمص الشرطي دور المستفيد, بل أكثر من هدا, يقوم الشرطي المتخفي في دور المواطن طالب المصلحة في عرض الرشوة على الموظف و في حالة قبوله لها يتم القبض عليه في حالة تلبس و يكون الملف مقبولا قانونيا أمام المحكمة. 3-إحداث هيئة قضائية متخصصة تنظر في قضايا الارتشاء تكون تابعة للمحكمة الادارية أو المحكمة التجارية, أما التحريات الميدانية فيجب أن توكل لفرقة خاصة من الشرطة القضائية تنحصر مسؤوليتها في محاربة الرشوة و ينتقى أفرادها بمنهجية صارمة.
* خريج معهد العلوم النووية بكرونوبل- فرنسا حاصل على الماسترز في إدارة المقاولات من جامعة كاين- فرنسا