الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوردي يحذر الأطباء من التلاعب في الشواهد الطبية في حقل التعليم والوفا يستنفر المعلوميات لضبطها
نشر في تازة اليوم وغدا يوم 08 - 09 - 2012


________
موضوعان يشوشان على مسار الإصلاح في حقل التربية والتعليم اليوم ، ويربكان المدرسة المغربية لتصبح موسومة بالتخلف والركون إلى المراتب المتأخرة جهويا وقاريا . الأول: الهدر المدرسي وتبعاته وتداعياته حيث يؤشر آخر إحصاء في هذا الصدد أن عدد الأطفال الذين غادروا الدراسة وصل إلى عشرة ملايين و18 ألف طفل. الأمر الثاني : طوفان التغيبات المرتبطة بالشواهد الطبية والتي ناهزت مليونين من الأيام حسب بعض الإحصائيات الرسمية ، مع ما تطرحه هذه الغيابات من تأثيرات سلبية على مردودية وأداء منظومة التربية والتكوين ببلادنا
فيما يتعلق بضبط عملية منح الشواهد الطبية والتدقيق في أمرها ، تجدر الإشارة إلى الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الصحة خلال نهاية ماي المنصرم حيث بادر وزير الصحة الحسين الوردي إلى توجيه منشور يحمل رقم 73 / م.ت.م /20 نهاية شهر ماي 2012 موقع من طرفه إلى المديرين الجهويين ومندوبي الصحة بمختلف جهات وأقاليم المملكة يذكرهم فيه ببعض الضوابط المؤطرة لعملية منح الشواهد الطبية.وذلك في تجاوب مع الملتمسات المرفوعة الى وزارة الصحة سواء من قبل الفاعلين في القطاع العام او الخاص من ناحية ، وبناء على ما اصبح يثيره موضوع بعض الشواهد الطبية الممنوحة من طرف اطباء القطاعين الخاص والعام من إشكالات خاصة في مجال التعليم ، حيث لا وجود لأرقام دقيقة حول عدد المتغيبين من الأساتذة إلا إن الرقم الوحيد الذي” نتوفر عليه حسب الدراسة التي تمت منذ سنتين بخصوص الغيابات المبررة بشواهد طبية التي تصل إلى مليون و880 ألف يوم في السنة كغياب، ولا يمكن للفعل التربوي ومشروع المدرسة أن ينجح بغياب الفاعلين ” الأساسيين فيه حسب تصريح أدلى به وزير التربية الوطنية السابق أحمد اخشيشن. وبالتالي وجب التصدي بحزم للتداعيات المدمرة والخطيرة لمثل هذه التجاوزات بضبطها وتقنينها
وأبرز المنشور بوضوح أن أي تلاعب أو استعمال لرخصة المرض عبر الحصول عليها صوريا أو على سبيل المجاملة أو غير دقيقة أو متضمنة لمغالطات بشأن صحة المستفيد يثير مسؤولية الطبيب ويعرضه لعقوبة تأديبية، مستندا في ذلك إلى المادة 8 من مدونة أخلاقيات مهنة الطب التي تمنع الأطباء الممارسين بالقطاعين من تسليم الشواهد الطبية على سبيل المجاملة، الوزير لم يكتف بالتذكير ، بل أوكل إلى الهيئة الوطنية للأطباء مهمة اتخاذ القرارات التأديبية بالإضافة إلى السلطة الإدارية الوصية.
وذكر في منشوره هذا بمسؤولية الطبيب الجنائية استنادا إلى المادتين 364 و248 من القانون الجنائي بحيث يمكن أن تصل العقوبة إلى خمس سنوات حبسا وغرامة مالية، ومدنيا يمكن للغير المتضرر من عدم مصداقية الشهادة الطبية أن ينصب نفسه مطالبا بالحق المدني، ويطالب الطبيب بالتعويض”. المنشور ذكر كذلك بان عملية تحرير الشواهد الطبية تكتسي أهمية خاصة لأنها من جهة تتعدى العلاقة بين الطبيب الذي منحها وبين المريض الممنوحة إليه ، لتشمل اطرافا أخرى ، أي ان الشهادة الطبية التي تخول للمعنى بالأمر الاستفادة من المرض في حالة ما إذا كانت صورية او تمنح على سبيل المجاملة او غير دقيقة قد تلحق ضررا بالمؤسسة او الادارة او القسم الذي تربطه علاقة شغل او توظيف او مهمة تربية وتعليم مع الحاصل على الشهادة ، كما تأثر سلبا على تامين الزمن المدرسي للمتعلمين ، وتبلغ درجة أكثر خطورة حين يتم استعمالها في بعض النزاعات القضائية للحصول على حقوق غير مشروعة “
وبالموازاة مع هذه الخطوة الهامة لوزارة الصحة ، كان لابد من رد فعل تعليمي ، إذ أعربت أطر تعليمية عن عميق أسفها معتبرة الاجراء استهداف متكرر متواصل يعاني منه الإطار التعليمي ، ذات المصادر التعليمية وإن أقرت بأن الشواهد المفبركة تعد غشا يعاقب عليه القانون، بررت موقفها المناهض لمنشور الوزير بالظروف الصعبة التي يمارس بها الأساتذة مهمة التربية والتكوين خاصة الاستاذات حيث لا يخلو مناخ العمل من مسببات أمراض مباشرة ناتجة عن الاكتظاظ وغياب الصيانة الاعتيادية للمرافق الصحية بل انعدامها في بعض الأحيان ، ناهيك عن انعدام وسائل النقل وتردي الممرات والمسالك خصوصا إبان التساقطات المطرية
في فضائح كثيرة كان سببها الشواهد الطبية غير المستحقة اهتزّت لها مستشفيات ومحاكم وأطاحت بالعديد المنسوبة لقطاع الصحة من الأطباء و ممرضين ووسطاء ، وذلك إثر ” اكتشاف أدلة قطعية تثبت تورّطهم في الموضوع، وضمنهم أطباء محلفون ومعتمدون لدى المحاكم، كان آخرهم شبكة مدينة وجدة التي أودت ب12 شخصا وراء القضبان” . ويهدف المنشور التذكير بأن الهدف من إنشاء شهادة طبية وفق الشروط الموضوعية والشكلية المتطلبة قانونا وتسليمها لمن له الحق في تسلمها دون إخلال بمقتضيات الالتزام بالسر المهني هو استعمالها من طرف الاخير كوسيلة إثبات أو توضيح امام جهة قضائية او ادارية معينة
وحث الوزير في منشوره المصالح التابعة لوزارته التعامل بمهنية مع موضوع الشواهد الطبية وعدم منحها إلا عند الاستحقاق وبالكيفية المناسبة معولا في مواجهة الظاهرة اولا وقبل كل شيء الضمير المهني ثم اخلاقيات المهنة داعيا الى الوقوف صفا واحدا ضد الممارسات غير اللمشروعة التي تضر بالمنظومة الصحية وبسمعة الطبيب على حد سواء
الهدر المدرسي بعيدا عن الأسباب قريبا إلى حلول أكثر نجاعة وتشاركية
من شبه المؤكد أن هدر الزمن المدرسي، يتحقق خلال غياب الأساتذة عبر مختلف الأسلاك التعليمية عن ممارسة مهامهم التربوية تحت ذرائع وأعذار مختلفة ومتباينة ، وهو ما أصبح يشكل خطورة حقيقية على المنظومة التربوية . وقد سبق لوزير التربية الوطنية التأكيد بمجلس النواب قبل شهرين ، أن آفة الهدر المدرسي غير مرتبطة بالمغرب فقط، بل هذه الظاهرة تعيشها فرنسا كذلك. ” رغم أن لا قياس مع وجود الفارق ” مضيفا أن وزارته اتخذت ثلاثة تدابير عاجلة لوضع حد للهدر الزمن المدرسي، وأنه سيتم تدبير هذه النقطة عبر محورين الكمبيوتر، والخط الأخضر ، الذي يمكن استعماله من قبل المواطنين للتبليغ عن غيابات رجال ونساءالتعليم . ولن يقتصر الأمر على الأستاذات والأساتذة، بل سيهم كذلك رجال الإدارة والعاملين في الحق التربوي .
وكان لابد من تسجيل استياء رجال التعليم وغضبهم إزاء إصدار مثل هذه القرارات حيث يعتبرون أنه من العيب أن تتعامل الحكومة بمنطق التشديد مع هذه الفئة من الموظفين ، علما أن إصلاح التعليم يبدأ حسب رأي الغالبية العظمى من المدرسين من اصلاح أحوالهم والاهتمام بالبنيات التحتية وبالبرامج المقدمة للتلاميذ ، وليس إلى خلق أجواء من التوتر في أوساط رجال التعليم ونسائه، خاصة والوزارة تعلم أن العديد من هؤلاء مصاب بداء السكري وضغط الدم نتيجة لتفاعل يومي لعقود في مناخ لا يتسم بالاستقرار ولا يلبي انتظارات وحاجات صناع الأجيال
وحسب المعطيات المتوفرة بخصوص ضبط التغيبات معلوماتيا من قبل وزارة التربية الوطنية ، فبمجرد أن يتغيب أي واحد من هيئة التعليم ستكون نيابة التعليم والأكاديمية الجهوية والوزارة مركزيا على بينة من هذا الأمر في حينه، وبشكل متزامن وأكد الوزير في نفس السياق ، أن التدبير الأول سيتم من خلال التسيير عبر الإعلاميات كيفما كان السبب الذي دعا إلى هذا الغياب وذلك بهدف وضع الوزارة في الصورة، أما التدبير الثاني يقول الوفا فهو أن من حق أسرة التعليم التغيب لأسباب موضوعية، ولكن لابد من ربط ذلك الغياب بتقديم الحجة، إذ شدد على أنه من المفروض على المتغيب أن يبرر غيابه بعد 24 ساعة وإلا سيتم الاقتطاع من أجره. أما التدبير الثالث فقد تم الاتفاق بشأنه بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الصحة، ورئيس هيئة الأطباء والمفتشية العامة للجيش الملكي المكلفة بالصحة للتدقيق في الشواهد الطبية، إذ لوحظ أن منح هذه الشواهد الطبية غير خاضع للضوابط، وعلى هذا الأساس سيوجه رسالة إلى أسرة التعليم مؤكدا أنه ليس لدينا الحق التغيب،وترك التلاميذ عرضة لهذه الغيابات” التي لاضفاف لها ولاحد
والسؤال اليوم وبعد ثبوت أن كل مؤشرات المشهد التعليمي تشير إلى أن أوضاع المدرسة المغربية ليست بمستوى ما يطلبه المجتمع سواء على مستوى تنشئة المواطن أو على صعيد ضبط حاجياته وانتظاراته في التقدم والتنمية ، هو هل يجني الوزير الوردي ثمار تحذيره بضبط عمليات منح الشواهد الطبية وفق منطق ” الحق الذي يراد به باطل ؟
وهل بإمكان التدابير المعلوماتية الثلاث التي كشف عنها الوزير محمد الوفا والتي تعزم وزارة التربية الوطنية اتخاذها مع بداية الدخول الدراسي الجديد 2012-2013 أن تفي بالغرض ؟ وأن تخفف من آفة الهدر للزمنين المدرسي والإداري وبالتالي لضبط تغيبات أسرة التعليم ؟
وماذا بعد كل هذا الرصد المعلوماتي الدقيق ؟ هل ستجرؤ الوزارة على الاقتطاع من رواتب رجال التعليم زمن الإضرابات ؟ وكيف ستواجه ضغط المركزيات النقابية وكذا تباين المواقف إزاء الخلط بين الحق في الإضراب كالغياب والغياب الطبي والغياب التمارضي ؟
وعلى سبيل المقارنة لماذا لا تعاني المؤسسات المحسوبة على القطاع الخاص من هذا الوباء وبنفس الحدة ؟ وأخيرا ما هو السبيل الأمثل للتواصل مع مختلف مكونات المجتمع للحد من خطورة الظاهرتين ؟
في الحاجة إلى إذكاء نقاش هادئ ومتزن حول الظاهرتين
أن إذكاء نقاش هادئ ومتزن حول تفاقم الظاهرتين اليوم من منطلق أن المدرسة المغربية تحتاج لهذا السجال عبر تعبئة شاملة، عبر الإعلام الوطني بكافة تجنيساته بات ضرورة ملحة ، حتى يتسنى رسم معالم استراتيجية واضحة المعالم لا تخوض في تحديد المفاهيم بقدرما تروم إيجاد الحلول الفورية المناسبة خاصة وأن الأفق الاستراتيجي للمنظومة وللمدرسة العمومية تم الحسم فيه بجرأة في ثنايا الميثاق الوطني، وبعده البرنامج الاستعجالي الذي أثبت عجزه رسميا بلوغ أهدافه
وإذا تحقق أن ظاهرة الهدر المدرسي وراء تعثر المدرسة المغربية ، حسب بحث أنجزه جميل حمداوي يورد فيه انقطاع أكثر من 380 ألف طفل عن المدرسة سنويًا قبل بلوغ 15 سنة، أي بنسبة تقدر ب40٪، وهو رقم يعاكس فلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ينص على تعميم التعليم، والقضاء على الأمية نهائيًا في 2015م. كما أن التلاميذ يغادرون الفصول الدراسية كل عام عن إرادة شخصية، وعن اقتناع وطواعية، وفي أحيان كثيرة بمباركة الأسرة وتشجيعها، لأن المدرسة المغربية في نظر هؤلاء لا تحقق المستقبل بأي شكل من الأشكال. وبالتالي، لا تضمن الشغل، ولا تعطي الخبز، ولا توفر الأمان، ولا تحقق الاستقرار المادي والمعنوي”. وتشير بعض المقاربات أن المؤسسات التعليمية المغربية اليوم غاصة بالإناث على حساب الذكور، الذين بدؤوا يغادرونها بحثًا عن العمل أو استعدادًا للهجرة إلى الضفة الأخرى. وهذا سيترتب عنه في المستقبل- بلا ريب- أزمات خانقة كاستفحال ظاهرة البطالة، وقلة الموارد البشرية، وتفاقم ظاهرة العنوسة بين الإناث، وانتشار الإجرام بين الذكور” .
إلى جانب الهدر المدرسي، هناك ظاهرة خطيرة أخرى وهي ظاهرة التكرار (الإعادة) التي بدأت تزداد كل سنة بنسبة عالية (13٪ في السلك الابتدائي، و17٪ في الثانوي مع نسبة مرتفعة تتجاوز نسبة 30٪ في الثالث الإعدادي والسنة الثانية من البكالوريا)(4)، بينما يلاحظ أن التكرار في البلدان المتقدمة ممنوع بموجب القانون. حيث يعتبر أقوى مؤشر عن تردي المنظومة التربوية عمومًا، التي تضم في مؤسساتها أزيد من 6ملايين و535 ألف متعلم، ناهيك عن ضعف مردودية التعليم معرفيًا ومهاريًا وديداكتيكيًا وبيداغوجيًا ونفسيًا وثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وضعف التكوين عند المدرسين الذين يقدر عددهم ب220ألف، بينما الوزارة لا تخصص لتكوينهم البيداغوجي سوى 84 مليون درهم حسب إحصائيات سنة 2007م، وهذا الغلاف المالي في الواقع ضعيف بالمقارنة مع العدد الهائل من رجال التعليم، الذين هم في حاجة ماسة إلى التكوين التربوي والتأطير المعرفي والثقافي.”
عشرة ملايين أمي فضلا عن أكثر من مليون طفل بين 9 سنوات و14 سنة خارج المدرسة
المعضلتان معا يجب ان لا يحجبان كذلك الوضعية المتدهورة للفضاءات التربوية والتعليمية على مستوى البنايات والتجهيزات، فالقاعات غير الصالحة تفوق تسعة آلاف قاعة. كما أن 60٪ من المدارس الموجودة بالأرياف غير مرتبطة بشبكة الكهرباء، وأكثر من 75٪ من هذه المؤسسات لا ماء لها، في حين أن 80٪ ليس لها دورات مياه، فالحاجة إلى الفصول الإعدادية مثلًا تصل إلى 260 مؤسسة سنويًا، بينما لا تبني منها الدولة سوى 90 كل سنة.. أضف إلى ذلك، عدم قدرتها على استيعاب العدد الهائل من التلاميذ الذين يتزايدون كل سنة، مما سبب في ظاهرة الاكتظاظ الصفي (41 تلميذًا في كل فصل” انظر التقرير الأخير لوزارة التربية الوطنية “
إن عدم التحاق الأطفال بالمدرسة في الوسط القروي وانقطاعهم عنها لعدم التمكن من ولوج مستويات أعلى، آفة تؤرق بال المسؤولين عن تدبير قطاع التربية و التكوين ببلادنا دون شك ، فرغم اعتمادات الدولة في هذا الميدان إلى ما يفوق 20% من الميزانية العامة السنوية، ورغم ما أعطي للتعليم من أهمية، باعتباره أولوية تأتي مباشرة بعد استكمال الوحدة الوطنية، فإنها تبقى عاجزة عن تحقيق الأهداف المسطرة.
فحسب الإحصاء السكاني الأخير عام 2004 يوجد نحو عشرة ملايين أمي فضلا عن أكثر من مليون طفل بين 9 سنوات و14 سنة خارج المدرسة.
وبالإضافة إلى هذه الكتلة الضخمة من الفتيان الأميين هناك 400 ألف طفل يتركون المدرسة سنويا بينما كان العدد في عامي 2004 و2005 حوالي 368 ألف طفل.
وتتصدر المدرسة الابتدائية قائمة المؤسسات التي يغادرها الأطفال دون أن يتمكنوا من فك ألغاز الكلمات أو كتابتها، ففي الموسم الدراسي 2005-2006 ترك مقاعد الدرس حوالي 216176 طفلا، ويمثل هذا العدد 6% من عدد الأطفال المسجلين خلال 2006، وذلك ما يشكل ضربة قوية لجهود الحكومة المغربية لتعميم التمدرس بالمرحلة الأولية والابتدائية.
ومقارنة مع دول المغرب العربي الأخرى يقف المغرب في مؤخرة الترتيب من حيث الحرص على إبقاء الأطفال في المؤسسات التعليمية، فنسبة المغادرة لدى الجزائر وتونس تتراوح بين 2 و3% في المستوى الخامس من الفترة الابتدائية.
أول ضحايا الهدر المدرسي بالمغرب هم الفتيات بنسبة 58.4% وأطفال البادية بنسبة 80%، و40% من الأطفال المغادرين يحترفون الآن مهنا مختلفة.
وحسب دراسة أنجزتها كتابة الدولة المكلفة بمحو الأمية بتعاون مع اليونيسيف حول “الانقطاع عن الدراسة بالمغرب”، أحصت فيها الأرباح التي كان من الممكن أن يجنيها المغرب لو لم تكن أمية أبنائه مرتفعة، ظهر أن كل سنة يقضيها الطفل بالمدرسة الابتدائية كفيلة بتحقيق 12.7% من رفع مستوى الدخل مقابل 10.4% بالمدرسة الثانوية.
ويزداد الربح بنقطة عند الفتيات إلى أن يصل مجموع الخسائر بالنسبة للمجتمع نصف نسبة الدخل السنوي لسنة 2004، أي ما يقارب 2.8 مليار درهم.
ومن خلال البحت الذي قامت به منظمة اليونسكو سنة 2004 تبين أن المغرب يتوفر على أكبر نسبة من الهدر المدرسي في العالم العربي. و هو يحتل في نفس الوقت المرتبة الثانية على مستوى المغرب العربي بعد موريتانيا. إن نسبة الهدر المدرسي مرتبطة بالناتج المحلي، و لهذا تونس و الجزائر اللتان تتميزان باقتصاد قوي بعائد إجمالي أكبر من 5000 أورو. هذان البلدان نسبة الهدر المدرسي فيهما هي 2-3% فيما يتعلق بالسنة الخامسة من التعليم الابتدائي. أما بالنسبة للمغرب و موريتانيا اللذان يتراوح عائدهما الإجمالي بين 3350 أورو إلى 1750 أورو،فإن نسبة هدرهما المدرسي في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي هو ما بين 6% و 22% . و رغم ذلك حقق المغرب نتائج مشجعة فيما يتعلق بنسبة التمدرس و المساواة بين الفتيات و الذكور على سبيل المثال قامت وزارة التربية الوطنية بتعاون مع منظمة اليونيسيف ببحث حول البنات و الذكور لاحظت من خلاله تراجع نسبة الهدر المدرسي ب 12 نقطة بين 1997/98 و 2002/03 على المستوى الوطني. و سجلت 22 نقطة على مستوى الوسط القروي. برغم من هذا النجاح المسجل يبقى هناك عمل الكثير للتقليل من هذه الظاهرة.
إن مشكل الهدر المدرسي يؤدي حتما إلى انتشار الأمية، البطالة ،الجريمة في المجتمع و هدر الموارد المالية للدولة. كما خلصت إلى ذلك العديد من المقاربات التربوية الوطنية كما أن له تأثيرات مباشرة على القدرات الاقتصادية للمجتمع.
وكان التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للتعليم والذي حدد أولويات المدرسة المغربية في أفق السنوات المقبلة في أربعة محاور رئيسية للمخطط الاستعجالي، تفعيل إلزامية التمدرس إلى حدود 15 سنة، ثم حقوق التميز والمبادرة في الثانويات التأهليلية وفي الجامعات، وقضية التعاطي مع القضايا الأفقية العويصة لمنظومة التربية والتكوين، قضايا الموارد البشرية، وأخيرا، توفير الموارد والانخراط الجماعي من أجل إنجاح هذا المخطط.فإن مقاربات جادة خلصت إلى أن مشكلة التربية في المغرب ليست في تنصيص أربعة محاور انكب عليها الإصلاح الاستعجالي في ظرف و سنوات ولا في أن نسبة كبيرة من الميزانية الدولة تذهب للتعليم، ولكن في كون مكونات المغرب كمجتمع لا تخلق ما يكفي من الثروات، وحتى مع تخصص نسبة 26 في المائة في الميزانية العامة للقطاع، والتعبير لوزير التربية الوطنية السابق يجد المغرب نفسه في أدنى المستويات في دول العالم العربي، حيث ينفق حوالي 520 دولار سنويا على كل مواطن إلى حدود 21 سنة ، في حين تصل النسبة إلى 1020 دولارا في تونس و1600 دولارا في جنوب إفريقيا هي 950 دولار في الأردن.“
مأزق الانخراط الجماعي أزمة حقيقية
لكن المشكلة أعمق بكثير، إذ على الرغم من وجود التزام من أعلى المستويات يقضي بتدخل وانخراط كافة الفاعلين في مصالح الدولة من خلال مئات الاتفاقيات التي يتم توقيعها في اجواء حماسية ، فإن تنزيل مضامين الالتزام تظل خاضعة لسلطة المزاج والتطوع خارج سلطة التتبع والمراقبة والمحاسبة إذا استدعى الأمر ذلك ، لم لا ؟ لقد بات مؤكدا أن هناك أزمة حقيقية يمكن تسميتها ”مأزق الانخراط الجماعي” أي إن قطاع التعليم وحده هو الذي يسبح في اتجاه الإصلاح، في حين أن القطاعات الأخرى لا تشارك، الوزارات الأخرى لا تكمل ولا تدفع في اتجاه العمل فكيف يمكن إقناع المتتبع بأن هناك إرادة الحكومة معبر عنها ويجب تفعيلها؟حسب ذات المصدر
إن واقع الحال سيظل على حاله إن لم نسجل انخراط الآباء والمسؤولين الجماعيين ورجال السلطة حول المؤسسات التعليمية، بشكل يومي حول واقع المدرسة المغربية، وحده هذا الانخراط الجماعي الجدي سينتشلنا لا محالة من التصنيف المنظوماتي الذي يعتقد أن الإصلاح مرتبط فقط برجال التعليم وبوزارة التربية الوطنية ، لذلك لا نستغرب حين نجد منظومات تربوية قليلة في العالم والمغرب ضمنها ، ما يزال تدبير المدارس التعليمية فيها من مسؤوليات الوزارة ، في حين أن العالم بأسره يتعامل مع المدرسة كبنايات وتجهيزات وحاجيات موكولة للفاعلين المحليين، لأن لهم القدرة على تشخيص حاجياتهم بشكل دقيق ولديهم القدرة على تعبئة الموارد والخبرات الضرورية من أجل سد هذه الحاجيات”
وفي مشكلة ترتبط بالغياب المدرسي تشير بعض الأبحاث الى ضلوع بعض النقابات في تكريس وشرعنة الظاهرة بتفريغها أكبر عدد ممكن من الأطر التربوية لتأطير مسارها النقابي ، بحيث يتم انتداب عدد من الأطر التعليمية لحضور اجتماعات ذات طابع نقابي أو حزبي محليا جهويا أو على المستوى المركزي ، ما يخلق فراغا حقيقيا في الأقسام التي يدرسون بها ، وهو عينه عامل من عوامل الهدر في الزمنين التعليمي والادراي ، الأنكى من ذلك نجد أن متفرغا نقابيا شبحا يمارس تجارة السيارات المستعملة ولا علاقة له بمشاكل التعليم بثاثا .
فكيف تتعاطى الوزارة مع العمل النقابي في التعليم حيث تتناسل النقابات وتتوالد كالفطر أصبح معه العمل النقابي يأخذ مسارا متشعبا فما بين الإعتراف بالنقابة وسن قرار الإضراب مجرد رمشة عين وهو ما يكاد يعيق سير المنظومة في بعض المجالات ؟ وحسب المعطيات الرسمية المتوفرة في هذا الصدد ، فإن العدد الإجمالي للمتفرغين للعمل النقابي لا يتعدى 164 في منظومة تعليمية فيها ما يفوق من 200 ألف مورد بشري ، ومع ذلك، فإن الأمر بالنسبة للطرفين لا يمنع النقاش حول ماهية العمل النقابي، لأن النقابات والفرقاء الاجتماعيين مع أخذ بعين الاعتبار معيار الأكثر تمثيلية لكن وكيف ما كان الحال هم طرف أساسي في الحياة اليومية للمدرسة ، فالمنظومة في حاجة إلى مؤسسات ترصد الحاجيات وتقوم بدور الوساطة والاقتراح الفعلي. لدفع التسيب المضر بالجميع الذي يحتاج إلى تأطير بشكل توافقي كما ثم في حالات الإضراب، من هنا تبدو الحاجة ماسة إلى إلى وضع ضوابط التشارك المبنية على أسس منظمة وتنظيمية بشكل تعاقدي ولضبط كل مكونات التمثيلية”.
وارتباطا بمحور التغيبات ذات العلاقة بالشواهد الطبية وغيرها وكذا هول الايام المرصودة بخصوص المردودية الفعلية للنساء ورجال التعليم، كشف مسؤول تعليمي رفيع المستوى أن المدرسة المغربية منذ الخمسينات إلى الآن لا تتوفر على أداء دقيق لمردودية المدرس لاعتبار بسيط هو أن الوزارة لم تتخذ أي قرار منذ بداية المدرسة المغربية لربط تطور مسار المهني للمدرس بالمردودية،
ثمة إجماع اليوم ” كون إشكالات قطاع التربية والتكوين هي من قبيل الأمراض المزمنة المستعصية ليس على المعالجة وحسب بل والتشخيص حتى، إذ كلما انبرى المرء لتشخيص معضلة من معضلاته إلا ويجد نفسه إزاء قضايا متشابكة ومترابطة نسقيا على نحو يصعب معها فرز الأسباب عن النتائج، وهذه عن التداعيات والتأثيرات، صحيح أن مشكلات الهدر المدرسي والانقطاع والتكرار مثلا، مشكلات لا يتوقف تأثيرها عند الشخص موضوع الظاهرة،حسب مصطفى مرادا بل تتعداها لتكون مشكلة مجتمعية عامة، مشكلة في التنمية والقيم الثقافية وحقوق الإنسان وغيرها، غير أنها مشكلات تتبادل المواقع في كل تحليل موضوعي، فتارة يبدو ضعف وتيرة التنمية سببا في ارتفاع نسب الهدر والإنقطاع والتكرار، وهذأ من جهة تفسير سليم، وتارة يبدو أن ضعف التنمية هو نتيجة للعوامل السابقة، خصوصا في عالم قروي مهمش وفقير جدا”
إعداد عزيز باكوش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.