لعل من أهم معاني حقوق الإنسان لأمة ما أو شعب ما هو شيوع مفهوم حرية التعبير بكافة محاوره كثقافة , وإنتشاره كمنهج اصيل بين عموم المجتمع، وهذا بالفعل مانجده متوفر ولو بالحد المعقول في الدول المتحضرة والتي تحترم مشاعر الانسان فضلا عن احترام حقوقه ، مع إننا نعترف بأن حرية التعبير وصفة الاعلام الحر تمر احيانا في مخاضات عسيرة ومنعطفات ضيقة تُمتحن فيها مصداقية حرية الصحافة في الدول المتحضرة. وأنا هنا لست بصدد تقييم حرية الصحافة في العالم المتمدن والمتحضر والتي لها مالها وعليها ماعليها، فما يهمنا في الموضوع هو مناقشة مستوى حرية التعبير في الاقليم العربي والتي تكاد أن يكون وجودها محصور لفظا فقط وبدون أيما تطبيق عملي على ارض الواقع , فواقع الصحافة لدينا هو ان (الجميع) يريد ان يفرض على (الجميع) توجهاته الايديولوجية والفكرية (والمزاجية احيانا) ، فالسلطة والمسؤول لهم قيود وانظمة تحد من هذه الحرية وهذه لا تحتاج لأمثلة لأنها شاخصة حتى اصبحت علامة فارقة لواقعنا العربي، أما الكهنوت الديني فقيودهم اكثر بكثير لاسيما بعد هيمنة خريفهم الاصولي على معظم الدول العربية مثلما حصل مع قناة نسمة التونسية في ازمة الفلم الكارتوني والذي عرضته القناة المذكورة في وقت سابق ومارافقها من ضجة وصراخ المشايخ , حيث علت فيها لغة التهديد والوعيد ضد العاملين في هذه القناة, إذ يعتقد هؤلاء ان مضمون الفلم فيه اساءة للذات الالهية ,وكأن الذات الالهية بحاجة لمن يدافع عنها (!) . و حتى الجماهير هي ايضا لديها قيود ثقيلة على حرية الصحافة وذلك برفضهم الخوض في ما يعتقدونه خطا احمر بزعم انه يمس موروثاتهم (ايا كان مسماها), لدرجة ان مستوى رفضهم يصل لحالة من الهيجان الشعبي المستعر والذي غالبا ما يخرج عن نطاق السيطرة مثلما حصل في الكويت اثناء انتخابات مجلس الامة الأخيرة حين حاصر افراد وأنصار قبيلة معينة مبنى احدى التلفزيونات الخاصة بسبب ان احد الضيوف اساء (من وجهة نظرهم ) لهذه القبيلة في برنامج تلفزيوني عرضته القناة على الهواء (!). بمعنى ان هذه القيود السلطوية والمجتمعية قد أصبحت ثقافة شائعة بالتقادم اكثر منها محاولة لتكميم الافواه بالنسبة لأفراد مجتمعاتنا، فالمواطن العربي مهما كان مستواه الثقافي والتعليمي يجد في هذه القيود امر طبيعي ومفروغ منه !، فكل شئ لديهم يخضع للقدسية والتأليه سواء الذات الملكية والفخامة الرئاسية والهيبة القبلية ناهيك عن الموروث الديني الذي لا فصال فيه ولا نقاش (!). وبعيدا عن واقع المجتمع الذي يفرض قيود بعينها على حرية الصحافة ، ولكي اشرك ايضا المؤسسة الصحفية العربية في تحمل مسؤولية ما يحصل من غياب لحرية التعبير .. اطرح تساؤلات مشروعة : هل بالفعل توجد حرية صحفية في اقليمنا العربي ام انها مجرد شعار ترفعه النقابات والمؤسسات الصحافية في نفس التاريخ من كل عام ؟؟! أين هي حرية الصحافة ولازال رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة يدافعون عن هرم السلطة باستماتة معهودة , ولازالت اغلب المؤسسات الإعلامية تعبر عن وجهة نظر مموليها أو الدولة التي تقف خلفها ,وكيف انها تصور هذه الدولة او تلك وكانها في ربيع دائم ومهما حلت فيها الكوارث والاحداث !. وللأسف حتى الصحافيين العاملين في المؤسسات الإعلامية الغير حكومية هم بالنهاية محكومين بسياسة ومزاج وتوجه ( المالك ) الاوحد ,وتراهم يسيرون في فلكه !!. فهل ياترى هي ثقافة ام هي سُنة العمل الصحفي ؟؟ وهل سيأتي اليوم الذي نسمع فيه إعلامي يعمل بقناة الجزيرة الصفراء وهو ينتقد سياسة قطر ، او ان نقرأ في يوم من الايام صحيفة الشرق الاوسط الخضراء وهي تكشف عن حالات الفساد المالي والأخلاقي في بلاد الحجاز ؟! وهل ستعي مجتمعاتنا ثقافة الاختلاف وتتقبل الرأي الأخر الذي يخالف عقائدها وبدون تشنج وحساسية ؟؟! حين يتحقق كل ذلك .. وقتها سنقول ان هنالك بالفعل حرية صحافة في عالمنا العربي .