الجريدة التربوية الالكترونية – و م ع مشروع القانون التنظيمي حول الإضراب.. المعادلة الصعبة بين الحق في الإضراب والحق في العمل والحفاظ على المصلحة العامة تزامنا مع ارتفاع عدد الإضرابات مؤخرا٬ خاصة في عدة قطاعات عامة حيوية بالبلاد٬ عادت مسألة إقرار قانون تنظيمي للإضراب إلى الواجهة٬ حيث تسابق الحكومة الزمن٬ وبإصرار٬ كي يرى هذا القانون النور قبل نهاية السنة الجارية٬ سعيا لتحقيق المعادلة الصعبة بين الحق في الإضراب والحق في العمل والحفاظ على المصلحة العامة. وتعكس هذه المعادلة تباين مواقف وانتظارات مختلف الفرقاء الاجتماعيين ما بين التأييد والتحفظ وحتى الرفض بشأن المشروع الذي طال انتظاره منذ 1962 والمفتوح للنقاش مع المركزيات النقابية وأرباب المقاولات لتدارسه وتوجيه اقتراحاتهم للحكومة التي صرح رئيسها السيد عبد الإله ابن كيران مؤخرا٬ في لقاء بالرباط مع رجال أعمال مغاربة وفرنسيين٬ أن “الحكومة مقتنعة تماما بأن القانون المنظم الإضراب يجب أن يخرج إلى حيز الوجود وستقوم بذلك”. وتتمثل آخر خطوات الحكومة في هذا الاتجاه في الإعلان٬ أمس الخميس٬ عن إحداث لجنة وزارية تضم وزراء الداخلية٬ والعدل والحريات٬ والتشغيل والتكوين المهني٬ والتربية الوطنية٬ والوظيفة العمومية وتحديث الإدارة٬ والاتصال لمدارسة موضوع الإضرابات والإجراءات اللازمة٬ بما في ذلك مشروع القانون التنظيمي للإضراب٬ بغية بلورة سياسة شمولية ومتكاملة لتنظيم الإضراب تكون نتاج حوار مع مختلف الفاعلين والمعنيين٬ وتنسجم مع المعايير الدولية المتعلقة بممارسة الحرية النقابية. وتجد الحكومة مبررها الأساسي في الإسراع بإقرار هذا القانون في تصاعد وتيرة الإضرابات خلال الأشهر الأخيرة وتعطيل مصالح المواطنين٬ خاصة في قطاعات حيوية بالوظيفة العمومية كالتعليم والصحة والعدل والجماعات المحلية. ففي قطاع العدل مثلا٬ أكدت وزارة العدل والحريات٬ مؤخرا٬ أن الإضرابات المتوالية لكتابة الضبط خلال 2011 تسببت في إهدار 46 يوم عمل٬ حيث بلغ عدد الأيام المؤدى عنها بدون عمل بالنسبة لعدد الموظفين المضربين 305213 يوما٬ أي بتكلفة مالية بلغت 56,16 مليون درهم٬ وأصبح المخلف من القضايا بالمحاكم يقدر ب 812480 قضية. ويبدو أن مبررات الحكومة لا تقنع عددا من النقابات٬ خاصة بعد اتخاذ الحكومة قرار الاقتطاع من أجور المضربين الذي تعتبره النقابات مسا بالحق في الإضراب المنصوص عليه دستوريا. مواقف متباينة للنقابات وأرباب المقاولات إزاء المشروع في هذا السياق٬ صرحت عضوة الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل آمال العامري لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الاتحاد يعارض منذ سنوات مبدأ وضع قانون تنظيمي يقنن حق الإضراب٬ ويفضل بالأحرى تعزيز الحوار وعصرنة العلاقات المهنية والدفع بالاتفاقيات الجماعية لتفادي وقوع الإضرابات٬ مستشهدة بنموذج فرنسا التي لا تتوفر على قانون تنظيمي للإضراب. كما أعربت عن تخوفها من “أن يكبل هذا القانون العمال في ممارستهم لهذا الحق المضمون دستوريا وذلك بذريعة التقنين”٬ خاصة في سياق “يتسم بعدم احترام قانون الشغل والقوانين الاجتماعية عموما وانتهاك حقوق العمال”٬ مضيفة “نحن ضد التقنين بقدر ما نحن نشجع الحوار والاتفاقيات الجماعية للاتفاق إلى إجراءات تقي من النزاعات الجماعية وتدبيرها ومعالجتها قبل اللجوء للإضراب”. بالمقابل٬ يؤكد العضو القيادي في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب عبد الإله الحلوطي٬ في تصريح مماثل٬ على أن موقف الاتحاد ثابت لا يختلف بتعاقب الحكومات بشأن ضرورة إقرار قانون ينظم الإضراب٬ معربا عن استعداد الاتحاد للتفاعل مع الحكومة في هذا المجال “لعقلنة الحريات النقابية ومن أجل نضالات نقابية مسؤولة”. كما شدد على أن هذا القانون يتلازم مع إقرار قانون للنقابات٬ مما سيساعد على “بلورة تصور واضح وحماية الساحة النقابية من بعض الممارسات التي تسيء لهذا الحق٬ وحتى لا يكون الإضراب وسيلة للاحتجاج في ملفات حسمتها النقابات مع الحكومة مسبقا”. وقال “لا نرفض القانون٬ إلا أنه لا بد من استشارات واسعة بين الحكومة والنقابات وباقي الفاعلين المعنيين حتى لا تتغلب مصلحة طرف على آخر”٬ معتبرا أنه “آن الأوان لتدارس المشروع بكل جدية ومسؤولية٬ بالموازاة مع التفكير في إخراج قانون للنقابات حيز الوجود”. أما بالنسبة لأرباب العمل٬ فإن تقنين الإضراب شكل باستمرار مطلبا ملحا٬ حيث أكد رئيس لجنة الشغل والعلاقات الاجتماعية التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب جمال بلحرش٬ في تصريح للوكالة٬ أن هذا النص “يجب أن يخرج للوجود قبل نهاية 2012 وأن يعكس نتائج الحوار والتوافق وتدابير الثقة القائمة مسبقا بين الشركاء الاجتماعيين”٬ مذكرا في هذا الإطار بأن الاتحاد وقع مع النقابات الخمس الأكثر تمثيلية اتفاقيات للوساطة الاجتماعية لتسوية نزاعات الشغل والوقاية منها. وأضاف أن إقرار هذا القانون سيعيد الثقة للفاعلين الاقتصاديين المغاربة والأجانب وسيعطي إشارة قوية للمستثمرين الأجانب الراغبين في الاستقرار بالمغرب٬ مشيرا إلى أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب٬ الذي سبق أن قدم مقترحاته في 2010 للحكومة بهذا الشأن٬ رفع مقترحاته مجددا أمس الخميس للوزارة الوصية. وأوضح بلحرش أن أهم ما تؤكد عليه مقترحات الاتحاد يتمثل في التنصيص على الإخطار بالإضراب من قبل النقابة الأكثر تمثيلية٬ وحماية حرية العمل بالنسبة لغير المضربين٬ والتأكيد بنفس القدر على حرية المقاولة والحرية النقابية المنصوص عليهما دستوريا٬ إلى جانب تحديد مفهوم الحد الأدنى للخدمة٬ خاصة في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم وغيرها. الحكومة: المشروع يؤكد على حماية حق العمل وضمان الحد الأدنى للخدمة أكد مصدر من وزارة التشغيل والتكوين المهني٬ في تصريح للوكالة٬ أن مشروع القانون التنظيمي يتوخى إعطاء رؤية واضحة لتفادي الإضرابات العشوائية٬ بما يضمن الحق الإضراب وكذلك الحق في العمل طبق شروط القانون٬ فضلا عن إرساء علاقات بين الأجراء والمشغلين في إطار دولة الحق والقانون٬ مضيفا أنه مفتوح أمام التعديلات والمقترحات التي سيتقدم بها الشركاء الاجتماعيون وذلك على ضوء تجارب بلدان أخرى. وفي هذا الصدد٬ صرح الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة السيد عبد العظيم كروج٬ خلال اجتماع للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب مؤخرا٬ أن المشروع ستميزه توجهات جديدة تركز أساسا على أهمية الحوار قبل اللجوء للإضراب٬ وتوخي الإضراب تحقيق مكاسب مهنية أو الدفاع عنها٬ وتحديد المدة٬ واحترام حرية العمل٬ والتقيد بمبدأ الإخطار. ويقر مشروع القانون التنظيمي (51 فصلا) بحق الإضراب المكفول دستوريا٬ بما يضمن حقوق المضربين وحرية العمل للشغيلة الرافضة الإضراب وصيانة حقوق المشغلين٬ فضلا عن التنصيص على ضمان الحد الأدنى من الخدمة عند الإضراب٬ خاصة في المرافق العمومية. ويربط المشروع تنظيم الإضراب بعدة شروط تتمثل في إجبارية إخبار المشغل أو من ينوب عنه يدا بيد بموعد الإضراب ودواعيه قبل 10 أيام على الأقل٬ وكذا إخبار السلطات المحلية ومندوبيات وزارة التشغيل والتكوين المهني علما بموعد الإضراب ودواعيه داخل الأجل نفسه.