م.جنياح قليل من الحلم كثير من الألم في هذه المدينة المتواجدة في هامش الأمل، نهارها طويل وممل لايشبه نهارات المدن الأخرى، وليلها ثقيل وبارد كجثة مُهملة في ثلاجة النسيان، تنتظر تشريحا لمعرفة أسباب موتها من طبيب قد لا يأتي، أوهام كثيرة وهزائم كبيرة وأوجاع عسيرة وصراعات فارغة، والحلم فيها قد أُغتيل بسكاكين الحقد الظالم فشوهت ألوانه، أطفال مشردون على الأرصفة وعتبات البيوت المهجورة ينتشون بأكياس بلاستيكية سوداء معبئة بسم "السلسيون"، أصوات نساء سوريات رفقة أطفالهن يستعطفن المصلين في أبواب المساجد، باعة متجولون تطاردهم سيارة "M.Rouge" سوداء، أشباه المثقفين يحتكرون جريدة المقهى متنافسين في حل الكلمات المسهمة، وآخرون في واجهة المقهى يثرثرون في السياسة وما وصلت اليه النقابات مع الحكومة حول الزيادات في الأجور وخفض الضرائب على الدخل، أصوات عالية ضجيج وصفير يصمّ الآدان يأتيك من كل الاتجاهات لمشجعي "البارسا والريال" بائعوا السجائر بالتقسيط، ماسحي الأحذية، متسولون من كل الأصناف البشرية يتزاحمون بين الكراسي والطاولات ،لكل طريقته واجتهاده في التسول، حملة انتخابية سابقة لأوانيها من طرف كائنات انتخابية مأجورة لأجل مرشحين أميين مفترضين.
في الواجهة المقابلة للمقهى نساء متبرجات يتباهين بمؤخرتهن أمام زجاج المحلات التجارية ينتظرن زبونا قد يغدق عليهن بدراهم معدودات مقابل متعة عابرة. الشمس بدئت تودع المدينة لينوب عنها ظلام دامس، وضجيج السيارات المهترئة بدأ يخف فنابت عنها كلاب ظالة جائعة تجوب الشوارع جماعات وفرادى، قطط ملتفة حول القمامات تعبث بمحتوياتها ضدا في جمعيات البيئة وعمال النظافة، أبواب المحلات التجارية والمقاهي قد اغلقت أبواها باكرا بعد آدان المغرب، الشارع بدا فارغا الا من سكارى يغادرون حاناتهم مترنحين وهم يرددون أغاني بألسنة متلعثمة، برد قارس، سماء ملبدة بالهموم وصمت مخيف يشبه صمت قبور مهجورة ، وحلم مُتعب بارد قد انهكه الملل. بخطى متثاقلة بدأ الناس يقصدون بيوتهم ليحتظنهم أرق جديد وليل أثقل من الحديد في انتظار صباح آخر ممل ومُتعب كسابقه في هذه المدينة القابعة في أقصى جرح الوطن.