نعم، أصبحت القناة الثانية حزبا قائما بنفسه، ولا يستبعد أن تخوض الانتخابات المقبلة وتحصد بدورها بعض المقاعد خصوصا وأن الكثير من السياسيين عندنا لن يجدوا حرجا في الترشح باسم قناة عين السبع، مادام كل همهم الحصول على مقاعد أينما كانت وباسم أي حزب كان، المهم أن يضمنوا مقعدا لهم في وقت أصبحت فيه المقاعد تبيض حصانة ومصالح أخرى، وسيختار القائمون على حزب الدوزيم كرمز لحزبهم صورة التمساح أو العفريت، ولا علاقة لهذه الرموز بمقولات بن كيران رئيس "الحومة"، لأنه فعلا لا يستطيع أي أحد الاقتراب من التمساح أو القبض عليه وشل حركته إلا صياد محترف كأحد أولئك الصيادين الذين نشاهدهم على قناة ناشيونال جيوغرافيك، لذا أهمس في أذن رئيس الحكومة بأن عليه الاستعانة بأحد أولئك المحترفين، أما بالنسبة للعفاريت فما عليه سوى الاستعانة بفقيه واعر يقرأ على العفاريت الرقية الشرعية و شوف تشوف. القناة الثانية مشكلتها ليست مع بن كيران، بل مع نسبة كبيرة من الشعب المغربي، لأن رئيس الحكومة بموجب الصلاحيات المخولة له حسب الدستور الجديد بإمكانه أن يقيل أي مسؤول في تلك القناة وإلا فما عليه إلا أن يضع مفاتيح رئاسة الحكومة ويستقيل هو الأول، لأنه لا يعقل أن يعجز عن محاربة موظفين تحت إمرته، فكيف حاله بمن هم أقوى من سميرة سيطايل وغيرها؟
القناة الثانية قناة عمومية، بمعنى بسيط لجميع المغاربة، لذلك فهي مرغمة على احترام أذواق هذا الشعب بكل شرائحه، فهي ليست قناة خاصة حتى تتصرف فيها سيطايل كما يحلو لها، وتفرض السياسة التي تتوافق وقناعاتها الأوربية فقط، وهذه مشكلتنا مع بعض المسؤولين عندنا وبعض المثقفين و حتى بعض المخرجين خصوصا المجنسين منهم أنهم يريدون فرض وصايتهم علينا وتمرير ما يشاءون على أظهرنا والطامة الكبرى أنهم يستعملون أموال دافعي الضرائب في ذلك، فلو كان ما يقومون به من مالهم الخاص لما تكلم معهم أحد، لكن أن تفرضوا نظرتكم التغريبية والغريبة على الشعب فتلك مسألة أخرى، فالقناة الثانية أكررها قناة جميع المغاربة لذلك لا يحق لأي كان أن يفرض وصايته عليها، فإذا كان البعض يرفض بسط حزب العدالة والتنمية وصايته على الإعلام وهذا لا نختلف عليه، فإننا في المقابل نرفض أن تفرض جهات معينة وصايتها على هذا المجال الحساس وتستعمله كعصا تهش بها على من خرج من القطيع، ونرفض أن تستعمل هذه القناة في استبلاد ذوق المشاهدين من قبل برامج تافهة لا تغني ولا تسمن من جوع، كبعض البرامج التي أصبحت مدارس خاصة في تخريج عتاة المجرمين والتي تعلمهم كيف تصبح مجرما في خمسة أيام بدون معلم، وكثرة المسلسلات المد بلجة والمؤدلجة، ونرفض أيضا سياسة تقريب النشاط من المواطنين بنقل كثرة السهرات لهم، وحتى لا نتهم بمحاربة الفن أقول على الأقل طبقوا المقولة الحكيمة لأجدادنا التي تقول "منين كتشبع الكرش كتقول للرّاس غنّي" فكيف لبطون جائعة وطاقات معطلة أن تغني وتفرح؟
أين هي البرامج الهادفة؟ أين هي البرامج التثقيفية؟ كيف لقناة عمومية لا يوجد بها برنامج تثقيفي واحد، أو مسابقة ثقافية واحدة، اللهم مسابقة الرسائل القصيرة والبليدة التي تقول من صاحبة الأغنية الأسطورة: "بوس الواوا" ، هل هي هيفاء وهبي أم كوكب الشرق أم كلثوم؟ أما البرامج السياسية فتلك قصة أخرى، فقد تحولت بعض تقارير الأخبار وبعض البرامج السياسية أدوات لجلد الحكومة، وسواء أتفقنا أم اختلفنا مع هذه الحكومة فمن الواجب المهني والذي يجب أن تلتزم به كل قناة تحترم نفسها بأن تفسح لجميع الأطياف السياسية الباب لبسط أفكارها دون حجر ودون قلب للحقائق ودون تمرير لبعض الرسائل، فما تقوم به القناة الثانية في هذا الإطار سيصنفها ضمن التماسيح والعفاريت وسيزيد من شعبية حزب العدالة والتنمية عكس ما تتوقعه، فعندما يرى المشاهد البسيط الذي تستهدفه تلك البرامج أن برنامجا يناقش سياسة حكومية ما ويستدعى للنقاش جميع أطياف المعارضة ويستثنى أعضاء الحكومة المعنية بالأمر فبالله عليكم ماذا سيقول؟ ثم لنلق نظرة على أخبار القناة الثانية، تبدأ بمقدم لا يستطيع قراءة الأخبار بشكل صحيح إذ أنه يتلعثم مرارا وتكرارا على طول النشرة ويرتكب أخطاء كثيرة رغم انه يقرأ الأخبار من الجهاز الذي أمامه ومن الورقة التي يستعين بها، بل ويجد صعوبة في نطق الحروف، هذا في الشكل أما المضمون، فمعظم الأخبار عندما تسمعها يخيل إليك أنك تسمع نصا لتلميذ في الإعدادي يقرأ موضوعا حول الطبيعة أو الغابة من قبيل في مثل هذا اليوم الجميل تخرج ساكنة الرباط والضواحي إلى غابة المعمورة لاستنشاق الهواء النقي وسماع زقزقة العصافير وأكل الشواء في الهواء الطلق، بالله عليكم هل بهذا المستوى سنمنع مشاهدينا من الترحال إلى القنوات الفضائية الأخرى ونشجع المنتوج الوطني؟
هناك الكثير من الملاحظات على هذه القناة التي يجب على القائمين عليها أن يستوعبوا بأنها قناة عمومية وليست قناة خاصة بأحد، قناة يجب أن تحترم تقاليدنا كمغاربة، وتحترم ذكائنا، ومن عليه أن يرحل ليس هو المشاهد المغربي الذي تمول هذه القناة من جيبه، بل الذي عليه أن يرحل هو ذاك المسؤول الذي لم يفهم لحد الآن أن القناة التي يشتغل فيها هي قناة الشعب وليست قناة في ملكية عائلته حتى يفرض علينا ما يشاء، وهي ليست حزبا يصرف من خلالها سياسة جهة ما، بل هي قناة جميع المغاربة ويجب على كل مغربي أن يلمس فيها أنها تعكس همومه ومشاكله ويرى فيها صورته هو لا صورة غيره.